مقالات

كورونا بين الماديات والروحانيات

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

لا بد بداية من التمييز بين أمرين بخصوص أي بلاء يحلّ على أمة من الأمم، أو حول العالم بأسره كما هي حالنا في هذه الأيام.

الأمر الأول: هو تفسيره كظاهرة علمية.

والأمر الثاني: هو تفسيره كظاهرة روحانية؛ لأن أي إنسان سوي  يجب أن يؤمن أن الحياة السليمة المطمئنة  والخالية من الأمراض النفسية يجب أن تزاوج بين الحياة الروحانية والإيمانية من جهة وبين الحياة المادية ومتطلبات الجسد الفطرية البيولوجية من جهة أخرى، وإذا ما تجاوز أحدهما الآخر تضطرب حياة المرء ويمكن أن تتحول إلى حالة غير مستقرة.

ما إن حط داء كورونا رحاله على العالم حتى انبرى إليه العلماء والمختصون والخبراء والأطباء والمشايخ ورجال الدين، ليحللوا أسباب اختراقه للعالم بأسره عبر فترة زمنية وجيزة وليبحثوا عن كيفية التصدي له إن كان بالوقاية أو بالعلاج.

لو وقفنا أولاً عند الجانب العلمي المادي لو وجدنا أن ثمة قطبين كبيرين في العالم قد تراشقا الاتهامات حول هذا الفيروس القاتل وهما الولايات المتحدة والصين، فراح كل منهما يكيل الاتهام للآخر، فقد خرجت الصين بتصريحات مفادها أن هذا الفيروس هو مصنع من قبل أمريكا وقد أرسلته إليها عبر جنودها، فردت أمريكا بأن الصين هي وراء هذا الفيروس الذي نبت في تربتها وترعرع دون أن تحذر العالم من عواقبه الوخيمة بل إنها صدرته للعالم وقد سماه ترامب بالفيروس الصيني.

ونحن لا نريد الخوض في هذه التراشقات بين الدولتين الكبيرتين لأنه ليس محل بحثنا، فالفيروس حلّ على العالم وراح يقضم البشر بشراهة، متجولاً بكل أريحية بين دولة وأخرى دون أن يستطيع أحد حتى الآن أن يحدّ من جموحه وعنفوانه.

وعلى الصعيد الطبي، راح جهابذة الطب والبيولوجية يصبون كل جهودهم ويصرفون جميع أوقاتهم في المختبرات من أجل التعامل مع هذا الداء العنيد الشرس، سواء بإيجاد علاج أو لقاح أو أي مصل يساعد على تقليم أظافر هذا الوباء، ولابد في النهاية من أن يجدوا الحلّ لهذه المشكلة المستشرية عاجلًا أم آجلًا ويعثروا على الدواء الناجع كما عثر غيرهم على علاجات لأوبئة لا تقل تعقيدا عن هذا الداء كالكوليرا والطاعون وأنفلونزا الطيور والخنازير…

ولو تحولنا إلى الجانب الروحي لوجدنا أن هذا الفيروس قد جاء وقت الحاجة إليه، لأن الأرض قد انتشر وعم فيها الظلم والخراب والدمار إلى درجة التخمة.

فكم من آلاف البشر قتلت ظلماً وعدواناً في سورية ومصر وليبيا والعراق و….دون أن يهتز شعرة في رأس المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.

وكم من أفراد ومنظمات وأحزاب أدخلوا دائرة الشيطنة ظلماً وعدواناً وكانوا من خيرة الناس، ومن أنقاهم وأصفاهم، وكم من الأطفال والنساء لقوا حتفهم على أيدي المجرمين ولا يدرون ما الذنب الذي اقترفوه، وكم من الأكف المظلومة رفعت للدعاء مستمطرة العدالة والقصاص، وقد جاء في التنزيل الحكيم: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ” (42) إبراهيم

 “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” (44) يونس

وفي الحديث الشريف.

” اتّقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب”

وها هي تلك التحذيرات والوعيد تتحقق لأنها تصدر من لدن عزيز جبار منتقم.

وثمة مسألة أخرى – أراها – تدخل في باب التفسير الروحاني وهي تبجح الغرب وتجبرهم وظنهم أنهم قد نفذوا من أقطار السموات والأرض باختراعاتهم وصناعاتهم وتقنياتهم، وقولهم من أشدّ منّا قوة.

فجاءت قوة الله تعالى بأضعف مخلوقاته ليذلهم ويعيدهم إلى حجمهم الطبيعي وإلى بشريتهم التي لا يمكن أن يتجاوزوها مهما بلغوا من العلم والتقدم.

لقد أرسل الله عزّ وجلّ إلى من أرادوا هدم الكعبة طيراً أبابيل تحمل حصيات صغيرة تُرى بالعين المجردة آنذاك مع أن المهاجمين كان سلاحهم بدائي يتمثل في السيف والرمح.

أما في عصر الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية والغواصات…فقد أرسل لهم عزّ وجلّ كائناً أصغر من الحصى بكثير وجعلهم في حالة هلع ورعب وتخبط.

فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” (14) يونس          

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى