مقالات

الاعتكاف في زمان (كورونا) جائز في البيت من أول رمضان

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

الاعتكاف شعار يعرف به رمضان، ولأن رمضان هذا به من به من المستجدات، فيتساءل الناس كيف سيكون الاعتكاف في هذا العام، وسأبين ذلك على هذا النحو:

حكم الاعتكاف:

أجمع العلماء على أن الاعتكاف سنة، قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه، فيجب عليه[1].

مكان الاعتكاف:

 يذكر البعض أن إجماعا على اشتراط المسجد في الاعتكاف، قال القرطبي: أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد[2]، وهذا القول غير صحيح إذ من العلماء من قال بجوازه في غير المسجد، ونقل ذلك ابن حجر فقال: واتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف إلا محمد بن عمر بن لبابة المالكي فأجازه في كل مكان وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة فيه، وفيه قول الشافعي قديم، وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل….[3].

الراجح: والراجح  ما قال به الجمهور، وهو مشروطية المسجد، ودليلهم في ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].

المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف:

لكنهم اختلفوا في طبيعة المسجد، هل هي المساجد الثلاثة فقط (الحرام، النبوي، الأقصى)، أم هو المسجد الجامع، أم كل مسجد تقام في جماعة، قال ابن حجر: وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات وخصه أبو يوسف بالواجب منه، وأما النفل ففي كل مسجد، وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة، فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة…[4].

الراجح: والراجح أنه يصح في كل مسجد، ومن تجب الجمعة وسيكون في أيام اعتكافه جمعة فليبحث عن مسجد جامع.

اعتكاف المرأة في زمان (كورونا) كغيره من الأزمنة وهو جائز في بيتها:

وأما المرأة فقد أجاز بعض الفقهاء اعتكافها في مصلى بيتها، (ويقصد به المكان الذي يخصص للصلاة في البيت)، قال النووي: ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها – وهو المعتزل المهيأ للصلاة – لم يصح على الجديد، ويصح على القديم[5]، وقال ابن عابدين: ولبث (امرأة في مسجد بيتها) وهو المعد لصلاتها الذي يندب لها[6].

الراجح: والراجح هو جواز اعتكاف المرأة في بيتها، لأن السنة جاءت بتفضيل صلاة المرأة في بيتها عن المسجد، حتى وإن كان المسجد النبوي أو الحرام، روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا[7]»، وإن جازت صلاتها في بيتها جاز اعتكافها كذلك.

اعتكاف الرجل في زمن (كورونا) وهل من الممكن أن يعتكف في بيته؟

        قدمت أن الراجح من أقوال العلماء أنه يشترط المسجد في اعتكاف الرجل، لكن أزمة (كورونا) وقد منع الناس من المساجد، فهل يجوز الاعتكاف في بيوتنا الخاصة إذا استمرت الأزمة؟

        والذي أراه أنه لا مانع من الاعتكاف في البيت، وذلك لما يأتي:

  1. تعذر الذهاب إلى المسجد، والله تعالى يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ويقول سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وفي الصحيح عند مسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ[8]»، وعملا بالقواعد الفقهية: (المشقة تجلب التيسير)، وأن (الأمر إذا ضاق اتسع).
  2. إذا جاز للمرأة أن تعتكف في المسجد على اعتبار أن صلاتها في البيت أفضل، فلا مانع من اعتكاف الرجل عند الضرورة.
  3. ما يراه المالكية، من جواز اعتكاف الرجال كذلك في البيت إذا كان نافلة، قال ابن حجر: وللمالكية -أي الاعتكاف- يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل[9].
  4. إذا جازت صلاة الجمعة في البيوت عند الضرورة (هذا قول مرجوح) وهي فريضة؛ فما المانع من الاعتكاف في البيت وهو سنة.

هل يعتكف من أول الشهر؟

لا أرى مانعا من ينوي المرء الاعتكاف من أول رمضان، ما دام في بيته، على أن يلتزم بالضوابط والشروط التي ذكرت، وله كذلك أن يعتكف بضع ساعات من ليل أو نهار، بل يجوز لكل مدة، وهو قول الجمهور، قال النووي: أقل الاعتكاف ففيه أربعة أوجه (أحدها) وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه يشترط لبث في المسجد وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة[10].

واستدلوا بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن عَطَاءً عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: إِنِّي لَأَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ السَّاعَةَ، وَمَا أَمْكُثُ إِلَّا لِأَعْتَكِفَ[11].

وقد انتصر لهذا ابن حزم فقال: والاعتكاف في لغة العرب: الإقامة، قال تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]، بمعنى مقيمون متعبدون لها. فإذ لا شك في هذا، فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه: اعتكاف، وعكوف؟ فإذ لا شك في هذا، فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر، إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من عدد، ولا وقتا من وقت، ومدعي ذلك مخطئ؛ لأنه قائل بلا برهان[12].

شروط وضوابط:

على أن يراعى في ذلك ما يلي:

  1. إذا كان في البيت سعة فليتخذ مكانا خاصا للصلاة، روى أحمد عَنْ عَائِشَة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ[13]. قال الشوكاني: وقال شارح المصابيح: يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن أن يبني الرجل في داره مسجدا يصلي فيه أهل بيته[14].
  2. لا مانع من أن يكون ذلك في الغرفة التي يستقبل فيها الضيوف حيث يقل دخولها في الغالب.
  3. إن لم يكن في البيت سعة فلا مانع من أن ينوي المرء نية الاعتكاف في أي مكان في البيت، على أن يراعي ما يلي:
    1. عدم قطع الاعتكاف لا لحاجة.
    2. الانعزال عن أهل البيت إلا ما دعت إليه الضرورة.
    3.  الانشغال بالذكر والدعاء وقراءة القرآن والاجتهاد في صلاة الليل.
  4. لا يفسد اعتكاف المرأة إعدادها للطعام، أو تجهيز بيتها، فهذا كله يقوم به المعتكف في المسجد.

من فوائد الاعتكاف في البيوت ولو من أول الشهر:

وفي الاعتكاف في البيوت ولو من أول الشهر، ولو لساعات في كل يوم، تشجيع الناس على ذكر الله تعالى تسبيحا وتكبيرا وتهليلا واستغفارا وصلاة وتلاوة.

كما أن فيه حثا للناس على ترك الملهيات، والبعد عن المفسدات، كهواتف وتلفازات، وبرامج هابطة ومسلسلات.

هذا والله تعالى أعلم…..

[1]  الإجماع لابن المنذر (ص: 50).

[2]  تفسير القرطبي (2/ 333).

[3]  فتح الباري لابن حجر (4/ 272).

[4]  فتح الباري لابن حجر (4/ 272).

[5]  روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 398).

[6]  الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 441).

[7]  رواه أبو داود في الصلاة (570) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (345).

[8] رواه مسلم في الفضائل (1337).

[9]  فتح الباري لابن حجر (4/ 272).

[10]  المجموع شرح المهذب (6/ 489).

[11]  رواه عبد الرزاق في مصنفه (4/ 346).

[12]  المحلى بالآثار (3/ 412).

[13]  رواه أحمد (26385) وقال محققو المسند: حديث صحيح وهذا إسناد ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (279).

[14]  نيل الأوطار (2/ 179).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى