مقالات

الجيب الروسيّ.. والاتفاق الأخير

براءة الحمدو

صحفية سورية
عرض مقالات الكاتب

منْ منّا لا يذكر ما قالته “ماريا زاخاروفا” (المتحدثة باسم الخارجية الروسية) بعد ساعات قليلة من الاتفاق “الروسي _التركي” (إنّ القضاء على المقاتلين والإرهابيين مازال هو الهدف، وهذا الجهد ستتابعه القوات المسلحة السورية التي نتعاون معها)

تشهد سوريا وإدلب صمتاً لم يعهده المدنيّون ولا حتّى العالم فيما مضى، والسبب الكارثة العالمية التي اجتاحت الغرب والشرق، فيروس كوفيد 19. فبعد قمة موسكو التي جمعت الرئيسين “بوتين وأردوغان” بتاريخ 5/ مارس 2020 من أجل وقف إطلاق النار في إدلب، جاء اتفاق الرئيسين على خلفية التصعيد الكبير الذي حلّ بإدلب عقب هجوم شنّته قوات النظام السوري وحلفاؤها، للسيطرة على الطرق الرئيسة في المحافظة (إدلب)، الذي سرعان ما تحوّل إلى مواجهة مباشرة مع الجيش التركي المسماة “درع الربيع” ، والسبب مقتل 33 عنصراً تركيّاً في 27 شباط/ فبراير 2020 .

يعدّ الاتفاق الروسي _ التركي ملحقاً لاتفاق سوتشي عام 2018 ، لكن في واقع الحال لا يلبي الاتفاق أيّاً من المطالب التركية، ولا سيما العودة إلى حدود اتفاق سوتشي، التي تعني انسحاب قوات النظام من المناطق والبلدات، التي سيطرت عليها منذ بدء الهجوم على منطقة خفض التصعيد مطلع أيار / 2019، كما ويغفل (الاتفاق) الكثير من التفاصيل المهمة الأخرى، إذ لم يتحدث عن مصير الطريق الدولي حلب _ حماة

“إم 5″، التي سيطر عليها النظام كلياً في الأسابيع الأخيرة، وسبقه بالتتابع سقوط البلدات والقرى المحاذية، خصوصاً “معرة النعمان وسراقب” بيد النظام السوري، ثم مصير النقاط التركية 12 نقطة المحاصرة، لم يعرف مصيرها، هل ستبقى في مكانها أم تنسحب؟

وفيما يلي يمكن الحديث عن بنود الاتفاق (الروسي التركي) التي تندرج بين العامة والخاصة. العامة تحددت في 3 نقاط رئيسة:

_ وقف إطلاق النار ابتداءً من منتصف ليلة 6 أذار / مارس 2020

_ إنشاء ممر آمن، على طول الطريق الدولية، حلب _ اللاذقية إم 4 بعمق 6 كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه.

_ البدء بتسيير دوريات مشتركة روسية تركية على الطريق الدولية من بلدة الترنبة (الواقعة غرب سراقب) وصولاً إلى بلدة عين حور (الواقعة في ريف اللاذقية) بحلول 15 أذار / مارس.

أمّا الخاصة “ملحق خاص”، ينص الاتفاق على التزام البلدين بسيادة سوريا، واستقلالها ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، والقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا، على النحو الذي حدده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومنع تهجير المدنيين وتسهيل العودة الآمنة والطوعيّة للاجئين والنازحين، إلى أماكن إقامتهم، بناءً على أولوية الحل السياسي بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015.

الاتفاق بالنسبة لتركيا جاء في وقت شديد التعقيد، كما أنّه يعكس من وجهة نظر تركيا موازين القوى على الأرض في إدلب، ومن جهة روسيا تعتبر مسار آستانا أداتها الوحيدة لفرض رؤيتها السياسية الطامعة في المنطقة، وحريصة على إبقاء تركيا قريبة منها بواسطة اتفاقات التجارة والطاقة، ومنظومة صواريخ إس 400 تدل على تمسّك موسكو بأنقرة رغم تأزم الطرفين.

أخيراً صحيح أن الاتفاق تحدث عن عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم، لكن لم يوضح كيف ستكون شكل العودة، وتحديداً في المناطق التي سيطر عليها النظام. والممر الآمن الذي فرضه الروس بعمق 6 كيلومترات شمال طريق حلب_ اللاذقية وجنوبه، حقيقةً بصيغته الحالية يعدُّ مكسباً للنظام.

وما يمكن تلخيصه، أنّ كلّ الاتفاقات السابقة أستانا_سوتشي ما هي إلّا اعترافات بالسّماح لتقدم النظام والروس والإيرانيين، ومع كلّ اتفاق يبرم يرافقه خرقٌ جديد عبر إطلاق النار كإنذار غير مسبوق للمدنيين والأحرار، بأنّ معركتكم باتت في جيب لا ثقب له، فهل أزمة وباء كورونا ستغيّر الوجهة الدوليّة لصالح السوريين وثورتهم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى