مقالات

كورونا والشباب في الحلبة

عبد الله محمد فارح

باحث صومالي
عرض مقالات الكاتب

لماذا الشباب تحديدا، فما من شريحة سكانية ولا بقعة أرضية لا يطالها كورونا، والعالم كله على حد سواء في الحلبة وكل إنسان منوط بقدره وقدرة جهازه المناعي أمام هذا المفترس الذي لم يميز بين دول الرفاهية والدول النامية، ولا يمكن للأغنياء حياله افتداء أنفسهم بأجهزة طبية يستطيعون شراءها بل بخطوات الحظر والحجر المفروضة على الجميع.

يستطيع الناس الخروج من حلبة الصراع مع كورونا بحل وحيد هو الدخول في منازلهم والالتزام فيها عدة قروء أو لنقل إلى أجل غير مسمى، ولكن لا يمكن للمجتمع كاملا أن يخلد إلى الحجر بدون أن ينزل أحد إلى المدينة لينظر أيها أزكى طعاما ويتلطف ويحذر أن يشعر به كورونا، وهنا يكمن دور الشباب الذين يجدون أنفسهم في المواجهة وفي تحمل مغبة المواجهة عن غيرهم من العجزة والأطفال، أما العجزة فهم الأهداف الهشة لكورونا ومقتضى البر بهم والخير لهم أن يلزموا البيوت ولا يجازفوا بمشاويرهم ولا يتابعوا روتينهم القديم الذي قد يجعلهم عرضة للفيروس المميت من أول جولاتهم خارج البيوت.

وأما الأطفال فهم الأقل عرضة لوباء كورونا، أقصد عرضة للموت القادم من كورونا، أو عرضة للاحتمال الأسوأ الناجم عن الفيروس، ولكنهم نواقل في غاية القابلية وتربة في غاية الخصوبة لنشر كورونا وتداوله في الوسط، وذلك لأنهم لا يمكن أن يستشعروا الخطر ولا أن يستنفروا له استنفار الكبار، فهم يجلبون الأجدر أن يلتقطوا كورونا بسهولة من الجدران التي يستندون إليها ومن قضبان المقاعد العامة ومن الحدائق ومن واجهات المصاعد وأبواب البنايات لدى دخولهم وخروجهم، ولصعوبة تلقينهم خطوات الاحتياط فإن تمام الاحتياط هو حبسهم في البيوت إلى جانب المسنين.

وهنا يخلو الميدان من السلبيين ويبقى للإيجابيين الذين تقع على عواتقهم الجهود المكثفة والأحمال الثقيلة الباهظة، فالأجدر أن يخرجوا للمبارزة الصعبة بحكم مناعتهم القوية التي قد يتعبها الفيروس ولكنه لا يتلفها ولا يهزمها إلا في حالات نادرة حسب إحصاءات الدول من الوفيات، على الشباب أن يلعبوا أدوارا كبيرة سببها الحجر الصحي، فطواقم الشرطة الذين يطبقون الحجر الصحي هم من الشباب، وعمال الأسواق والمحال التجارية التي ينبغي استمرار عملها لتيسير أقوات الناس ومعايشهم أيضا لم يبق فيها إلا فئة الشباب بعد حظر خروج المسنين والأطفال، والقطاع الطبي الذين هم في حالة السهر القصوى وهم يلعبون الدور الفدائي أيضا من الشباب في غالبيتهم.

ولذا فإن هذه الفئة في حالة إجهاد لم يسبق لها مثيل، عليهم إدارة مقاليد كثيرة وكبيرة ذهل عنها أصحابها وفروا منها إلى حجرهم الصحي، وإذا كان عمل المؤسسات ومفاصل الدول قائما حتى الآن ولو بالحد الأدنى من الأداء، وبالنبض الخافت الذي يبقي على الحياة ويحفظ ديمومة النظام، فيشكر على ذلك الشباب الذين يحتملون هذه المرحلة بكل أعبائها، عبء الأتعاب وعبء الأخطار، حتى أنهم مطالبون بلجم العواطف وكتمان مشاعرهم الأسرية تجاه أبنائهم، وقد رأينا الحالات الكثيرة للأطباء الذين يرتدون زي الفضاء وهم ينظرون إلى أولادهم من وراء حجاب أو من مسافة أمتار، يريدون أن يستمدوا منهم بعض الأنس في هذه الوحشة الغريبة التي يموت فيها الكثيرون ولا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، ولا يؤذن لذويهم أن يطبعوا عليهم قبلة الوداع ولا حتى أن يلقوا نظرة الوداع الأبدي ولا يقوموا بمراسم الدفن، وأي مراسم في ظل إغلاق دور العبادة.

وفي التماس الخلاص وانتظار بزوغ الضوء في آخر النفق، حيث تعلن منظمة الصحة العالمية أن نهاية النفق والأمل بتطوير اللقاح ليس أقرب من بضعة عشر شهرا من الرزوح تحت هذا البرنامج الحياتي الصعب، فإلى ذلك الوقت ليس هناك فرصة للشباب أن يتغلبوا على الفيروس ويعلنوا انتصارهم، ولكن لديهم فرصة في الهروب إلى الأمام قدر الممكن، وإذا علت الصيحات حتى اليوم بالضجر والملل من الحجر الصحي فإنها ابدا غير منطقية، لأن فرصة تحييد كورونا والحفاظ على رمق الطواقم المكافحة ضده تكمن في تحويل الحجر المنزلي إلى سبات شتوي عميق، لا يكسر عنه الجليد إلا لأعز الحاجات وأدهى الدواهي، حتى لو أراد الناس الخروج من هذا السجن في نهاية المطاف فعليهم أن يلتزموا به ويعشقوه ويدقعوا في عقره في بداية المطاف وإلى حين تثبت براءة المحجورين وعافية المصابين على أقل تقدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى