تحقيقات

ثورة وليست ثروة.. من قضية الكاظم إلى المقداد سقوط الكثير من اﻷقنعة

فراس العبيد – رسالة بوست

بعيداً عن الدخول في تسمية وتوصيف بعض الشخصيات التي اعتبرت الثورة “مطية”، واتخذتها بالمفهوم الشعبي الدارج “بقرةً حلوب”، فإنّ “السنوات الخداعات” و”الكذب”، غبارٌ أثبتت التجربة السورية الفريدة أنها قادرة على نفضه.

وكذلك من الطبيعي إزالة آثاره، وترميم اﻷخطاء، ولكن.. في حال اﻻنتقال إلى الفعل الثوري الصحيح، واﻻستفادة من التجربة ذاتها، ضمن سلسلة عملية تتطلب أوﻻً “تعرية الفاسدين الدخلاء” بموجب “وثائق إدانة” وليس تكهنات أو حتى تشفٍ بارد؛ فالقضية دماء نزفت على التراب السوري، لتحقيق “العدالة والكرامة”.

والتعرية السابقة تتطلب مرحلة من الشفافية والصدق، وعدم “الكتمان” ليس من أجل التاريخ فحسب، بل من باب إعادة نبض الثورة، وضخ الدماء في عروقها، قبل فوات اﻷوان.

وهذه مسؤولية “الصامتين”، وهم قسمان، أفواهٌ آثرت الصمت تورعاً، وأخرى، خشية السقوط باعتبارها جزأ من تلك اللوثة التي اعترت السنوات السابقة وسلطت “ضعفاء النفوس والفاسدين”.

سقوط اﻷقنعة:

ولعل بروز قضية “ماجد الكاظم”، مدير قناة الجسر الفضائية وعضو مجلس “دير الزور الثوري” المعروف، فتحت الباب على سقوط “الكثير من اﻷقنعة”، اﻹعلامية وغيرها، على غرار ملف “لؤي المقداد”.

ما يعني أنّ “الثورة السورية” دخلت في منعطف تاريخي، يحتم فتح ملف “المساءلة” و”اﻹثراء غير المشروع”، الذي بدا عاملا مؤثرا في حرف البوصلة، وأسهم بقدر كبير في “انحسر المدّ الثوري”.

ملفات أخرى في الطريق:

ويحتمل فتح ملف المساءلة شقين، اﻷول إعلامي والثاني عسكري، ولعلنا قريبا سنشهد ظهوراً آخر على عتبة المسرح، للملفات المتعلقة بالمنظمات اﻹغاثية، ومن ثمّ تباعاً سيكون سقوط “التيار السياسي”.

فالمؤشرات والتشابك في العلاقات ستتجلى تدريجياً وخيوط العنكبوت الوهنة ستنهار على الفور.

دكاكين الشاورما:

وبدايةً؛ وحسب مرحلة التسلسل الزمني؛ فإنّ بروز ملف “الكاظم” مدير قناة الجسر الفضائية، يفترض أن يضعنا كمعارضة، وثوار، أمام استحقاق كبير، إذ إن المرحلة الماضية كشفت ضعف العمل اﻹعلامي الثوري، وتركته نهبةً لكل من هبّ ودب.

وإن أبرز ما يوصف به اليوم “إعلام الثورة” ما يقوله بعض المغيّبين_ عمداً_إعلامياً، من رجال الفكر واﻷدب، بأنّ المنابر اﻹعلامية الموجودة “دكاكين شاورما”، جمعت كل غث وسمين، مع وجود بعض الحسنات التي لا تنكر والمحسنين وهم قلة، ممن تركوا على الهامش، وتم التضييق عليهم.

مشاكل اﻹعلام الثوري:

وبالعودة إلى ما بدأناه في المقدمة، وبعيداً عن اﻷشخاص؛ يمكن إجمال ملف اﻹعلام الثوري، ومشاكله بمجموعة نقاط؛

بدايتها، تصدير شخصيات مجهولة، إلى قمة المشهد، بسبب تركيز الدعم المالي بيدها، أسهم مع فقر الخبرة لدى الثوار، في تعطيل حركة اﻹعلام، وجعله سلعة، بين يدي الداعم، أرست ظلالها “فوضى” دفعت الكثير من الشباب والمفكرين، للانكفاء واﻻبتعاد عنها، فضلا عن التهميش المتعمد، لصالح طرح أفكار وسياسات الداعم، التي يديرها شخصيات مشبوهة.

ويبدو جلياً أنّ كثرة الداعمين في البدايات، ووفق شروطهم، فتح الباب على طرح مؤسسات إعلامية، سرعان ما تلاشت وأغلقت، بعد اﻻنتهاء من تحقيق مكتسباتها المحدودة، والمطلوبة، التي أرادها الداعم ونفذها المدير التنفيذي، بعد أن “انتهى من تعبئة خزينته المالية”.

حتى بتنا أمام مجموعة من “المواقع اﻹعلامية” بلباس ثوري، تقدم الخبر على مبدأ “نسخ لصق” بعيداً عن “المهنية، الشفافية، المصداقية والموضوعية”.

وعلى مبدأ أنّ الشيء بالشيء يذكر، يروي أحد اﻹعلاميين؛ أنّ صاحب إحدى الصحف الثورية، ردا على غياب أحد مراسليه، يقول؛ “خلي الثورة تنفعه”!! ولنا بالتالي أن نتخيل كيف تحولت الثورة إلى مطية إثراء أو تصدر في الواجهة.

وتشير الكثير من التقارير أنّ “المال السياسي” دخل على الخط بقوة، وبرز هذا التوجه اللافت عبر “المنابر اﻹعلامية” التي بدت أكثر وضوحاً من غيرها من مفاصل العمل الثوري، ﻻسيما في الخطاب الذي يمثل رؤية الداعم.

وبإمكاننا القول :إنّ التدخل الخارجي دعّم موقف عصابة الأسد، رغم أنها ارتدت عباءة دعم الثوار، ظاهرياً، وقدمت مصالح تلك الدول، على مصلحة الثورة.

وهذا شقٌ آخر ارتبط في شخصيات تولت “قيادة دفة وتحريك المال”، وشرعنة لنفسها، واستباحت ضمه إلى خزائنها “الخاصة”، ثم انسلت في عتمة بذريعة “توقف الدعم”.. وهو ما رأيناه في معظم المنابر الإعلامية الثورية التي “توقفت”.

ولعل اﻷمر السابق أشعر الداخل المعارض أو الثوري، بأنّ “القضية السورية” منتهية، بحكم تجفيف منابع “الدعم عن منابرها”، ما أعطى انطباعاً آخر بـ”الخذلان”.

وﻻ يخفى على عاقل، أنّ ضخ المال السياسي سلب إرادة الثوار  على الأرض، فرُهنَت القرارات للدول الصديقة أو الجهات المانحة، ودخلنا  في دوامة الدفاع بدل الهجوم، ومن ثم التَّراجع أو الانسحاب إرضاء لاتفاقيات هذه الدُّول، وهو ملموس مؤخراً، وبحجة ردّ الجميل للوقوف إلى “صف الثورة”.

ومن اﻷهمية أن نقعّد للقاعدة الثابتة؛ والتي أكدت من خلال التجربة أنّ كثرة الجهات المانحة؛ انتهت إلى كثرة الجهات اللاعبة.

بالتالي؛ إشراك الثوار في صراعات إقليمية، بعيداً عن هدفهم ومقصدهم، اﻷساس، والمتمثل أوﻻً بإزالة نظام البعث واجتثاثه، ومحاسبة اﻷسد ونظامه، إذ إن المسألة فهمت على أنها “سمع وطاعة لمن يدفع، ولهذا اﻷخير حق معلوم، من باب رد الجميل أيضاَ”.

كما أسهم غياب أو تغييب منهجية واضحة للعمل اﻹعلامي الثوري، إلى إضعاف الحركة الثورية في الداخل، وتركها عاجزة مشلولة، وﻻ يخفى أن إدارة ملف اﻹعلام لا يزال مجهولاً، إذ ﻻ توجد مؤشرات على آلية الحصول على الدعم، وأسباب توقفه، إﻻ ما يجعلنا ندخل في دوامة “المؤامرة”، التي لا يمكن ردها ولا حتى التسليم لها مطلقا.

وبالجمل؛ المتابع للثورة السورية والمتربعين على عرشها ممن بدأت أقنعتهم تتساقط، يدرك تماما، التقسيم الذي فصل بين ما وصف سابقاً بـ”ثوار الفنادق والخنادق”.

ويشير الواقع أيضاً، إلى ضعف الوعي السياسي، والتسليم، للواقع، والقبول بأي ممثل، دون منحه شرعية عبر الوسائل المتعارف عليها، وبالتالي إقراره، وتصديره، وهذه إحدى ثمرات التجهيل متعمَّد طيلة حكم البعث، ونتاج منطقي لما عشناه ونعيشه من انتكاسات.

عودٌ على بدء :

يقول الخبر؛ “سرقة 5 مليون ليرة تركية وسبائك ذهبية تزن 11 كيلو غرام، من منزل سوري في اسطنبول، وقالت شبكة CNN تركيا، هذا الشخص ليس رجل أعمال، بل هو عضو مجلس الثوار الذي كان يرأسه عضو الائتلاف الوطني “رياض الحسن” وموظف المجلس كمدير لقناة (الجسر) ماجد الكاظم (أبو البراء) الذي كان يدير عمليات استلام الدعم المالي لمحافظة دير الزور أيضاً”.

ونلحظ سريعاً تداخل الدور الذي يقول به “الكاظم”، بين مجلس ثوري ومنبر إعلامي!!

ويطرح أحد اﻹعلاميين المعارضين عبر صفحته الشخصية “الفيس بوك” التالي:

((طبعا من سرق الأموال هم أبناء عمومته وزوجاتهم (أتحفظ على ذكر الأسماء).

والسؤال هنا، إذا كانت قناة (الجسر) أغلقت بحجة عدم وجود تمويل، وإذا كان (أبو البراء) يعمل في السعودية براتب 3000 آلاف ريال وترك العمل مع بداية الثورة، فمن أين حصل على كل تلك الأموال.

السؤال الثاني، إذا كان هذا المبلغ هو فقط المسروق من منزله، فكم يوجد إيداعات في أرصدته البنكية)).

أسئلة كبيرة ومفاتيح ستجعل الكثيرين في وقتٍ لاحق التحسس على رؤوسهم، وسقوطهم مع الزمن.

وتستحق تلك اﻷسئلة من الجهات التي خولتهم العمل ونصبتهم في تلك المناصب أن تجيب عنها،من باب تبرأة الذمة على القل ومكاشفة الشارع السوري المعارض.

وما ينطبق على القول في القسم اﻹعلامي، يندرج بعده مباشرة، الشق العسكري، بعد فضيحة “لؤي المقداد” التي كشفها الإعلامي السوري، اﻷستاذ فيصل القاسم، وتصدر لها.

وذكر الإعلامي السوري الدكتور “فيصل القاسم” في منشور له على صفحته في فيسبوك إن عشرات من الفنانين السوريين بالاضافة إلى سياسيين معارضين كبار كانوا ضحايا النصاب “لؤي” بمبلغ يقد بأكثر من 100ألف دولار كحد أدنى

وأشار في منشوره أن الأسماء سيتم نشرها لاحقاً بعد الحصول على موافقة اصحابها تحسباً لحدوث مشاكل لهم.

وإن لم يدلِ الكثيرون بدلوهم في القضية، فإنّ غالب الظن أن السكوت يبرره خشية اﻻنتقال أيضاً إلى فتح ملف السؤال للمسروق من أين لك هذا أنت أيضاً؟”.

بالمحصلة؛ وفي قضية المقداد، الشارع ينتظر من قيادات “الجيش الحر” رداً وإيضاحاً، فهل يمتلكون الجرأة الكافية، أو على أقل التقدير التبرؤ من أمثال هؤلاء؟

اﻷمر ورغم أهميته، إﻻ أنّ السقوط المدوي، سيبرز ﻻحقا، في حال تحولت القضية إلى “مسألة رأي عام” وتم تحريكها في مكانها الصحيح”.

الفاضحة والكاشفة:

وأخيراً؛ بروز تلك الفضائح ليس من معايب الثورة، بل إحدى حسناتها باعتبارها “الكاشفة والفاضحة”، وهي حالة صحية، ستزيح الغث والفاسد، ليعود الحسن ويأخذ مكانه الصحيح.

وسبق أنّ كتب ثوار وادي بردى على مدخل إحدى البلدات هناك بالخط العريض، “إنها ثورة وليست ثروة”، وهذه حقيقة شاهدة على وجود المنتفعين الذين “تم السكوت عنهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى