مقالات

كورونا تنصف الرفيع وتنسف الوضيع

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

يقول جيمي هندريكس: ” أسوأ الأزمنة زمن تختلط فيه أقدار الناس، يصبح الصغير كبيراً، ويصبح الكبير صغيراً، ويغدو فيه الجاهل عالماً ويصبح العالم جاهلاً ويموت فيه أصحاب المواهب ليقفز على قمته الجهلاء”.

بهذه الكلمات التي تحمل في طياتها معان سامية وثمينة واستشرافات أصاب صاحبها في صياغتها، وقد تقاطعت مع واقعنا المعاش في كثير من جوانبها، يمكنني الشروع بمقالتي.

فقبل حلول فيروس كورونا ضيفاً ثقيلاً على معظم بقاع الدنيا، كان يتصدر الشاشات والمنصات والتطبيقات، كل أنواع وضروب الرداءة والغثة والوضاعة، ويصدرونها للشباب والشابات على أنها هي القدوة والأسوة، وهي السمو والرفعة..

و يجعلون أصحاب المواهب والمعرفة والعلوم والتقنيات في الصفوف الخلفية وفي أسفل درجات السلم، هذا إن لم يغيبوهم عن المشهد ويعتقلونهم أيضاً.

وإذا ما أردت الإسهاب في المسألة وتسليط الضوء أكثر على جوانبها أقول:

إن المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات والمنجمين والمنجمات  والطباخين والطباخات واللاعبين واللاعبات، كانوا يحتلون المساحات الشاسعة على الشاشات إن لم أقل كلها.

وقد كانت تُدفع لهم الأموال الباهظة، وتُفرش لهم السجاجيد الحمراء الفاخرة، وهذا الفريق من الناس أبعد ما يكون عن الموهبة وعن رجاحة العقل وإنما رصيدهم ورأس مالهم وسلاحهم هو مخاطبة الشهوات وإثارتها، ومن ثم تخدير العقول وتغييبها عن الأمور العظام الحقيقية.

وقد كان هذا السلوك ممنهج في استهداف أصحاب العقول الحصيفة والمواهب المميزة.

ولكن يبدو أنه من المحال أن تبقى الأمور على حال، وخاصة إذا كانت على باطل فإن للباطل والزيف جولة وللحق دولة وجولات.

ها هي بوارق الأمل تلمع من جديد في سماء الدنيا عبر كائن صغير لا يمكن أن يرى بالعين المجردة، يأتي ليدق ناقوس الخطر من جهة، وليعيد بعض الأمور إلى نصابها من جهة أخرى.

إنه يقوم بثورة مكتملة الأركان على كل مناحي الحياة، ليعلن بصوته العالي على الرغم من هزالة جسده، أنه آن الأوان ليعود أصحاب الرؤى والعقول والنهى إلى المكانة التي ينبغي أن يتبوؤها، وليلتف حولهم العالم خاطبين ودهم  بعد هجرانهم حينا من الدهر.

ومن نافل القول أن نذكر أن عالمة إسبانية بيولوجية طُلب منها أن تغذّ الخطا من أجل إيجاد ما من شأنه أن ينقذ البشرية من هذا الكائن العجيب الغريب، فما كان منها إلا أن رفعت صوتها غاضبة – وحق لها ذلك – متبرمة: إذا كان دخلنا الشهري لا يكاد يسدّ رمقنا، في حين أن دخل أولئك اللاعبين(رونالدو-مسي…) يتجاوز شهرياً المليون فلتذهبوا إليهم وتطلبوا منهم حل هذه المعضلة.

 في هذه الأيام العصيبة ما إن نتناول جهازنا الصغير ونفتحه متنقلين بين قناة وأخرى أو موقع وآخر، أو صحيفة وأخرى، حتى نجدهم جميعاً يستضيفون  الخبراء والعلماء والأطباء ويسألونهم عن سر هذا الفيروس؟ وتاريخه؟ وكيف يمكن الوقاية منه؟ وهل تعتقدون أن يُكشف العلاج أو اللقاح قريبا…؟

آلآن عرفتم منزلة هؤلاء وعلومهم ومعارفهم، لطالما عزفتم عنهم عقوداً من الزمن وهل حالة الرخاء تجعلكم تبطرون وتجحدون منازل الناس التي ينبغي أن ينزلوها؟!

لا يسعنا في النهاية إلا أن نقول: الاعتراف بالخطأ فضيلة بشرط أن يكون عن قناعة وليس بسبب نازلة وفاجعة، وأختم بمقولة الفيلسوف السياسي المهاتما غاندي:

” لا يصبح الخطأ على وجه حق بسبب تضاعف الانتشار، ولا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا أحد يراها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى