دين ودنيا

حولان الحول ليس شرطًا لوجوب الزكاة (2)

د. حلمي عبد الحكيم الفقي

مدرس الفقه بجامعة الأزهر
عرض مقالات الكاتب

ردّي على رد فضيلة الشيخ محمد عبد الحي عوينة على مقالنا المعنون ، حولان الحول ليس شرطًا للزكاة ، المنشور على رسالة بوست:
كتبت قبل ذلك أن جمهور الفقهاء قالوا :
لا زكاة فى مال اكتسبه المسلم ، ببيع ، أو شراء ، أو هبة ، أو ميراث ، أو غير ذلك من وجوه الكسب الحلال ، إلا بشرط حولان الحول ، وأن البعض يعتبر هذا الرأي محل إجماع بين الفقهاء ، ولكن الحقيقة الثابتة أن هذا الرأي ليس محل إجماع ، وأن كثيرًا من الفقهاء يرى خلاف ذلك ويقولون :
إن حولان الحول ليس شرطًا لوجوب الزكاة ، وممن قال بذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاوية بن أبى سفيان ، وجعفر الصادق ، والباقر ، وداوود بن على ، وغيرهم .
وأرى أن الرأى الراجح : هو ما ذهب إليه حبر الأمة ابن عباس ومن معه ، وأن الزكاة تجب في أى مال اكتسبه المسلم على الفور ، ولا يشترط حولان الحول ، وكتبت هذا الكلام على صفحتي ، ونشرته بعض المواقع الاليكترونية ، وردّ هذا الكلام بعض الأفاضل من السادة العلماء مستدلين بحديث { لا زكاة فى مال حتى يحول عليه الحول }
وقالوا : إن هذا حديث صحيح ولا يجوز القول بخلافه ، وقالوا : إن قول ابن عباس يخالف الحديث ، والحديث نص ، ولا اجتهاد مع النص
وأقول مستعينًا بربي ومستمدًا منه العون والسداد ، وطالبا منه الإخلاص والقبول :
القول الراجح في هذه المسألة : أن الزكاة تجب على الفور فى كل مال يكسبه المسلم ، والدليل على صحة هذا القول : قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده }
فهذا نص قاطع يوجب الزكاة على الفور ، ولكن جمهور الفقهاء قالوا : إن الآية فى زكاة الزروع والثمار فقط.
وأقول لهم : إن الحديث ينص على أنه { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول }
ولفظ مال جاء فى الحديث منكرا ، فيجب أن يشمل كل مال زرع وغير زرع ، ومعدن مستخرج من الارض وغير معدن ، وقولكم يوجب التناقض بين القران والسنة ، لأن القران يوجب الزكاة في الزروع على الفور ، والحديث لا يوجب الزكاة في أى مال إلا بعد مرور عام ، بما فى ذلك الزروع والثمار لآنها مال والحديث يشمل كال مال ، ومن المعروف والمستقر عليه بين الأصوليين أن إعمال النصوص كلها أولى من إعمال البعض وإهمال البعض ،
وقول حبر الأمة ابن عباس فيه إعمال للقران والسنة ، وفيه إعمال لكل النصوص في المسألة ، وقولكم يوجب تعارضًا بين النص القرآني والحديث الشريف، وفيه اجتهاد في مقابلة نص لأنكم أوجبيتم الزكاة في الزروع والثمار على الفور
وفى غيرها قلتم لا بد من مرور عام لتجب فيها الزكاة
أما ابن عباس فقال معنى الحديث : لا زكاة فى مال أديت زكاته إلا بعد مرور عام ، وبذلك أعمل كل النصوص ، ولم يعمل بعضها ويهمل البعض الاخر
ثانيا : لقد أجمع الفقهاء أن الزكاة تجب فى كل المعادن المستخرجة من الأرض على الفور ، فما استخرج من الأرض كالذهب والفضة والنحاس والحديد وغير ذلك تجب الزكاة فيه على الفور ، وهنا خالف الجمهور الحديث ولم يخالفه ابن عباس حسب تأويله للحديث ( لا زكاة فى مال أديت زكاته إلا بعد مرور) لأن الحديث ينص على أن لا زكاة في مال إلا بعد عام والمعدن المستخرج من الأرض مال فلما قلتم تجب الزكاة فيه على الفور ،
فقول ابن عباس هو الراجح لأنه يقول بكل النصوص ، ويعمل كل النصوص ، ولا يخالف الإجماع المنعقد فى زكاة الركاز ( الكنز ) ولا الإجماع المنعقد فى زكاة المعدن ، وقول الجمهور مرجوح لأن الأخذ به يوجب تناقضًا ظاهرًا بين النص القرآني والنص النبوي
فالزكاة تجب في كل مال على الفور
والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى