مقالات

الهروب من الكورونا بالتهريج والغناء

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

لا نطيل في التقديم في طبية هٰذا الوباء الذي لحس عقل البشرية جميعاء فقد بات واضحاً للجميع، وبالكاد تجد في شتى أصقاع الأرض من لا يتابع ويسأل ويقرأ ويعرف… ويفتي أيضاً.

ولٰكنَّ من الضروري تبيان أنَّ أزمة هٰذا الوباء؛ الكورونا قد تصاعدت علىٰ نحوٍ يتجاوز آثار الزلازل، إِنَّهُ يتصاعد تصاعد فوران بركان محتقن مضغوط وجد أخيراً منفذ التفريغ، وقد وصلت الأمور إلىٰ مرحلة مثيرة للقلق والفزع والرعب والهلع. بل في الحقيقة فإنَّ الفزع والهلع يسيطران فعلاً علىٰ البشرية جمعاء تقريباً من أقصى الأرض إلىٰ أدناها. انكفأت كل المجتمعات والدول علىٰ ذاتها في أرجاء العالم كله تقريباً حَتَّىٰ بات العالم أجمعه شبه مغلق كلُّ دولة علىٰ ذاتها بل حَتَّىٰ ضمن الدَّولة كلِّ مجتمعٍ أو بيئة علىٰ ذاتها. وتوقفت حركة الطائرات والقطارات والمواصلات… وتقطعت السبل بالنَّاس، وتوقفت الأعمال.

ولٰكنَّ اللافت والمثير للانتباه هو طريقة الناس في مواجهة هٰذا الوباء. ومن المهم الإقرار هنا قبل الدخول إلىٰ هٰذا الأمر اللافت في المواجهة. من البداهة بمكان عبر تاريخ البشر أنهم في مثل هٰذه المصائب والابتلاءات الكبرى، وحَتَّىٰ الصُّغرى، يلجأون إلىٰ الله خيفة وتضرعاً. وهٰذا ما كان فعلاً ما بعد مرحلة الصدمة الأولى إذا انكفأ النَّاس عن التَّعامل مع الكورونا بالسخرية والنكتة وبرز في حقيقة الأمر نوع من العودة إلىٰ الله أو هكذا يمكن أن يسمَّى. فقبل انطلاق الفايروس من الصين تعامل الناس حَتَّىٰ في الصين مع الوباء بالنكتة. ولٰكنَّ ذٰلك التهريج انكفأ مع بدء انتشاره عالميًّا ليحل محلَّه التَّضرُّع إلىٰ الله بأشكال متعدِّدة؛ من خلال النَّصائح الدِّينيَّة، والتَّخويف من أن يكون هٰذا ابتلاء من الله تعالى للبشر… وهلم جرًّا.

ولقد استغرب الناس أن يكون الرئيس العلماني، رئيس الدولة العلمانية الأكبر في العالم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو من توَّج هٰذه الصدمة بذاته عندما دعا إلىٰ يوم وطني للتضرع إلى الله والدعاء للنجاة ورفع الوباء والبلاء. بل إن الرئيس السيسي ذاته تحول إلىٰ متصوف في لحظات في دعاء تضرعي أوشك أن يبكي فيه، رُبَّما تمثيلاً. وهذا ما تلقفه المؤمنون في أرجاء العالم للاستشهاد به، ومنهم المسلمون الذين اتكأوا عليه في التعليق على وجوب التَّضرع من جهة، وعلىٰ الازدواجية الدولية والمحلية في الأحكام على من يلجأون إلى الله في مثل هذه الملمات. وعلىٰ أي حال وعلىٰ الرَّغْمِ من مثل هٰذه التَّعليقات علىٰ ترامب فإننا لم نجد قواداً لدولة إسلامية يطلب من المواطنين الدعاء، بل رُبَّما منعوا التضرع إلىٰ الله! بل إنَّ السيسي الذي تحول إلىٰ الدعاء والتَّضرع يعتقل الذين يصرُّون علىٰ الذَّهاب إلىٰ المسجد من أجل الدعاء إلىٰ الله أن يرفع البلاء ويزيل الوباء.

من البداهة بمكان كما أشرنا أنَّ اللجوء إلىٰ الدعاء والتضرع والعودة إلىٰ الله في مثل هٰذه الملمات إنما هو ظاهرة طبيعية في مثل هٰذه الأحوال. اللجوء إلى الله في الملمات أمرٌ يمكن فهمه وتفهُّمه، بل رُبَّما يصعب تقبل ما يخالفه أو سواه، ويصعب الاعتراض عليه بحالٍ من الأحوال، حَتَّىٰ من المنكرين أنفسهم لأنَّهُم هم أنفسهم لا يجدون إلا الله ملاذاً إذا استحكمت أمامهم مغاليق الأمور.

ولٰكنَّ العجب في الأمر واللافت فيه هو أنَّ هٰذه العودة إلىٰ الله سرعان ما تلاشت، تلاشت بسرعة لا علىٰ مراحل، لتعود من جديد موجة التعامل مع الكورونا بالتهريج والتنكيت والسخرية، وترفق معها طريقة أُخْرَىٰ في مواجهة ورُبَّما محاربة الكورونا وهي الغناء والموسيقى.

إذن هنا تبدأ المفارقة التي تستحق الوقوف عندها. يكفي أن تكون مفارقة لتكون لافتةً ومثيرة للانتباه. وهي مواجهة الكورونا بالغناء والتهريج. أقول مواجهة كورونا بالغناء والنكتة والتهريج، لأنه لا يكفي ورُبَّما لا يصح القول: التعامل مع الكورونا بغناء والتهريج. أفضل الدقة هنا لأنَّ الفرق علميًّا واصطلاحيًّا كبيرً جدًّا.

من الجدير الإشارة إليه هنا هو أنَّنا نتكلم عن أغلبية الناس في مختلف المجتمع، فإن قلنا الكل فالكل لا يعني الشمول بطبيعة التعميم في مثل هٰذه الأحكام. لأنَّ القلة المؤمنة لم تتغير غالباً لا قبل الأزمة ولا بعدها. وإن كان اللافت أيضاً أنَّهُ حَتَّىٰ المؤمنين أنفسهم، مع بقائهم علىٰ إيمانهم وتصورهم عن الوباء ةتعاطيهم معه، لم يغردوا خارج السرب ولم يفترقوا عن الجميع في الانجراف وراء النكتة في التعامل مع الكورونا أو رُبَّما مواجهتها شأنهم شأن الآخرين.

لنبدأ من المواجهة الأولى:

صحيح أنَّها أتت ثانياً بعد سل سلاح النكتة في المواجهة مع الكورونا إلا أننا سنتكلم عنا أولاً، وهي ظاهرة مواجهة الكورونا أو الخطر بالغناء. وهي ظاهرة ملفتة في حقيقة الأمر.

أوَّل ما وجدنا هٰذه الظاهرة وجدناها عند الإيطاليين، بل رُبَّما أكثر ما وجدناها عند هٰؤلاء الطليان. ثمَّ عند اللبنانين. فقد صارت فرقٌ موسيقية غنائية تجوب الشوارع وتنشد الأغاني الحماسية لتعزيز صلابة الناس ومؤازرتها نفسيًّا. وسرعان ما صارت الناس ذاتها تقف علىٰ شرفات المنازل وتنشد أغاني إنشاداً جماعيًّا علىٰ امتداد الشَّارع أو الشَّوارع، وتعددت الأغاني ولم تعد الأغاني الحماسية الوطنيَّة هي وحدها التي ينشدها الناس. وكما شاهدنا ذٰلك في إيطاليا ولبنان علىٰ نحو خاص كأول من سار علىٰ النهج، فإنَّ هٰذا النهج غالباً ما كان وسيكون في غيرهما، مثلما حدث قبل أيام في قطر، وغيرها… ولسنا في صدد التتبع والإحصاء، وإنما بصدد تناول الفكرة في حد ذاتها.

هٰذه الظَّاهرة في حقيقة الأمر ليست بالجديدة بحال من الأحوال. هي قديمة ولا ندري إلىٰ متىٰ تعود. يقولون إنها تعود إلىٰ بدايات التجمعات البشري؛ عندما يدهم الخطر الغامض قوماً لا يجدون ما يهربون به من مواجهة الخطر الغامض إلا بالغناء… أو الدعاء. وتحدث ابن خلدون في مقدمته عن هٰذه الظاهرة في الحروب إذ تلجأ بعض الشعوب إلىٰ تشكيل فرق موسقية مهمتها عزف الألحان الحماسية قبيل المعركة وفي أثنائها لبث الحماسة في نفوس المقاتلين.

من لا يهرب بالدعاء يهرب بالغناء. وهٰذا سلوك فرديٌّ أيضاً نجده عند الخائف من شيء ما لا يدري ما هو فإِنَّهُ يهرب إلىٰ الغناء ليؤنس نفسه ويسليها ويقنع نفسه بأنَّهُ ليس خائفاً، وليقنع الطرف الآخر الذي يتوهم أنَّهُ يسمعه بأنه ليس خائفاً. وانظر كذٰلكَ علىٰ سبيل المثال إلىٰ الماشي في عتمة الليل وحيداً إذا كان خائفاً فإِنَّهُ غالباً ما يقوم بالغناء أو ما يشبه الغناء من إحداث الجلبة أو إصدار الأصوات التي يريد أن يوحي بها للآخرين وكذٰلكَ لنفسه بأنَّهُ ليس خائفاً.

إذن نحن نتحدث عن المواجهة بالهروب. هو في ظاهر سلوكه يهاجم الوباء، ويعلن انتصاره عليه، ولكنهه في قرارة نفسه خائف منه خوفاً شديداً بل ومنهزم في مواجته.

وعلىٰ النحو ذاته كانت المواجهة بالسخرية والتهريج والتنكيت. وإِنَّهُ لمن المشكلات اللافتة والمهمة بل والخطيرة أيضاً في التعامل مع هذا الوباء هي ظاهرة المسخرة والتهريج والتنكيت. ومثلما كانت المواجهة الكائبة أو الخادعة للذات بالغناء فكذلك شأن الهروب أو المواجهة بالتهريج. ومنذ البداية تعاملت الناس مع الوباء بالسخرية والتهريج. وقد مرت السخرية من هٰذا الوباء ومواجهته بالنكتة في مرحلتين. كانت المرحلة الأولى قبل أن ينتقل إلىٰ العالم، أي مع بداية انتشاره في مدينة ووهان الصينية. ولٰكن مثلما أشرنا قبل قليل فإنه ما إن بدأ يستشري في العالم حَتَّىٰ انكفأت الشعوب عن التنكيت والتهريج والدخول في صدمة الصحو من نشوة التهريج والولوج إلىٰ قلب الهلع فكان الدعاء والتضرع. ولٰكنَّ الأمر لم يطل كثير إذ سرعان ما لبث الجميع أن عاد من جديد إلىٰ التهريج والسخرية بمختلف أنواعها بموجة أشد بكثير من الموجة الأولى ما زالت في التصاعد كمًّا وتنوُّعا حَتَّىٰ الآن.

إذا لجأنا إلىٰ علم النفس لفهم هٰذه الظاهرة وجدنا أنَّها، كنا أشرنا قبل قليل، هي السِّلاح الذي يواجه به الناس هٰذا الوباء، أو ربما وهٰذا الأصح يهربون من مواجهة هزيمتهم الداخلية والخارجية بهٰذا الغناء والتهريج والسخرية. ولسنا بحاجة إلىٰ دراسة استقصائيَّة لنعرف مدى لجوء الناس في أرجاء العالم إلىٰ النكتة. يكفي أن يكون لديك فيسبوك أو تويتر أو واتس أب لتدرك مدى انتشار هٰذه الظاهرة، ولن أسرد نماذج من هٰذا التهريج وهٰذه النكت والسخرية فما أظن أنَّهُ بقي من أحد في أرجاء الدنيا إلا وبات يعرف العشرات ورُبَّما المئات منها.

لا يقتر الأمر علىٰ العرب وحدهم، نحن نتحدث عن ظاهرة عالمية. أي هٰذا ما فعلته الشعوب كلها، باللغات كلها لا في اللغة العربية وحدها، فليس العرب وحدهم من هرب من الكورونا بالنكتة أو شهر في مواجتها سلاح النكتة والتهريج. ويعني ذٰلك أن الشعوب كلها وفي أرجاء الأرض ورُبَّما من دون استثناء قد استوت في هذه الظاهرة. ولذٰلك حسبك لتتأكد من ذٰلك أن تضع كلمة كورونا، مع كلمة سخرية أو نكتة بوصفها كلمات مفتاحية للبحث في الإنترنت وضعها في أي مربع بحث أي نتصفح إنترنت وستجد من النتائج ما يدهش.

قلت قبل قليل وأتابع التوضيح إن الغناء والتهريج والتنكيت والسخرية في بعض تجلياتها، وخاصة في مثل هٰذه الحال، لا تعدو كونها هروبا من المواجهة الحقيقية. هي ادعاء الانتصار في الوهم والخيال, علىٰ خصمٍ أو عدوٍ لا نستطيع الانتصار عليه في الواقع، فنقهره بجعله موضوع سخريتنا كما يقول الفيلسوف الإنجليزي هنري برجسون، نهجم عليه ونواجهه بالنكتة، نمسخه، نفسخه، نسلخه… ونجعله أضحوكة، نضحك عليه. ومثل ذٰلك ما ذهب إليه أفلاطون فيما نسب إليه ولم يصدف أني قرأته له في أيٍّ من كتبه، وهو قوله: «يستطيع الإنسان أن يقول في النكتة ما لا يستطيع أن يقوله في الحقيقة». وقد تلقف الكثيرون هٰذه العبارة واستدرجوها أيضاً لمواجهة الحاكم المستبد، ليقولوا بأنَّ الشَّعب أو حَتَّىٰ الشَّخص المقهور لا يستطيع أن ينتقد الواقع ولا أن يعبر عن الواقع كما هو الواقع فليجأ إلىٰ النكتة التي تتغلف بالسخرية شكلاً وتتبطن بالدلالات الانتقادية والتعبيرية.

لجوء الشعب إلىٰ التنكيت والتهريج إذن هو مسألة قهر وعجز. وهنا من المناسب القول: بماذا يختلف قهر الكورونا عن قهر الحاكم؟ كلاهما يحاصرك، ويُكرهك علىٰ ما لا تريد ولا تقبل، ولا تستطيع مواجهته بأسلحتك الطبيعية أو بقدراتك التي تمتلكها. فتهجم علىٰ أي منهما بالتهريج والتنكيت لتجلعه سخرية وتضحك عليه، وعندما نضحك عليه فإنك ستشعر بنشوة الانتصار. وستشعر بالنشوة عموماً. هٰذا الهروب من المواجهة سلوك فردي وسلوك جمعي في الوقت ذاته. فمن ناحية كونه سلوكاً جمعياً فلأنه مرتبط بما نسميها غريزة القطيع الموجودة عند الإنسان والحيوان علىٰ حدٍّ سواء، مع تباينات في الطبيعة والشكل والحدة والالتزام. وأمَّا من ناحية كونه سوكاً فرديًّا فهو أمر مرتبط بما نسميه الحيل الدفاعية عند الإنسان، أو الحيل النفسية الدفاعية، وهي متعددة وكثيرة جداً، منها الإنكار والتبرير والإسقاط والتكيف والتماهي وغيرها كثير.

وعلىٰ أي حال، من المهم أن نعيد بناء المشكلة من جهة الأسباب بطريقة ختامية، لنقول: إنَّ مواجهة الوباء بالغناء والتهريج أحدهما أو كليهما هي سلوك جمعي وفردي في الوقت ذاته. ويكون ذٰلك في أحوال ثلاثة غالباً ورُبَّما لا رابع لها:

أولها انعدام الإيمان بالله، علىٰ الأقل في هٰذا الوقت، فإذا انعدم الإيمان بالله الذي هو مرجع الثقة والطمأنية، فإنَّ المرء لا يجد ملاذاً غير التصويت لخداع نفسه والآخرين، أو التهريج لإيهام نفسه بالانتصار في حين هو مهزوم فعليًّا.

ثانيهما انعدام الحيلة في مواجهة الخطر، والإحساس بالعجز أمامه. وخاصة الأخطار اللاملموسة من قبيل هٰذه الأوبئة، وحَتَّىٰ في الأخطار المادية الملموسة في كثير من الأحيان. ولٰكن حَتَّىٰ في هٰذه الحال فإنَّ وجود الإيمان بالله يمنع الشعور باليأس والعجز والإحباط وانعدام الحيلة.

وثالثها في الأخطار الغامضة مجهولة الجهة أو مجهولة القدرة أو مجهولة الهدف، ومن ثمَّ عدم معرفة المسار ولا المسير ولا المصير. وأيضاً في هٰذه الحال فإنَّ الإيمان بالله، بل دعوني أضف حسن الإيمان بالله، يجعل كل أنواع المخاوف تتلاشى وتغدو بلا قيمة.

في الحالين كليهما، أي في الأسلوبين كليهما في مواجهة الخطر: أي اللجوء إلىٰ الغناء أو التهريج والتنكيت فهما، كما قلنا، ضربان من الهروب من مواجهة الخطر، البلاء، الوباء… وفي الوقت ذاته ضربان من الهروب من مواجه الخطر الداهم. ليس ثمة تناقص فكلاهما يعني نتيجة واحدة، وهي اللجوء إلى الغناء والتهريج حيلة دفاعيَّة من حيل النَّفس للدفاع عن ذاتها أمام خصم أو عدو لا تملك حيلة ولا قدرة في مواجهته. ولا شك في أن ذٰلك يخفِّف حدَّة الخوف والتَّوتر والقلق. ولٰكنَّهُ لا يمكن أن يمنع العدوى، ولا ولا يشفي من المرض.

إلا أنَّ الحقيقة المرة وراء ذٰلك وهي الخطر الأكبر الناجم عن هٰذا الهروب أو هٰذا السبيل في المواجهة هو ما يسميه العامة موت النفس، موت القلوب. فعندما تتحوَّل المأساة إلىٰ مادة للسخرية بدل المعايشة والشعور بألم الآخرين والتعاون معهم فإنَّ الإنسان يقسو قلبه، ويقوم بإيجاد الكثير من المبررات للهروب من مدِّ يد العون إلىٰ الآخرين والتَّعاطف معهم في محنهم.

وماذا لو كان هٰذا الوباء ابتلاء من الله وتواجهه الناس بالسخرية والتهريج؟

مهما يكن أصله ومنبته ومصدره ونتيجته فإِنَّهُ علىٰ نحن ما هو كائن ليس إلا ابتلاء من الله تعالى وفتنة للناس، وقد قال سبحانه وتعالى في الآية 126 من سورة التوبة: «أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ».

الناس بالمجمل حَتَّىٰ كثير من المؤمنين يتوقعون أنَّ الابتلاء أو الفتنة إنما تكون علىٰ هيئة طير أبابيل قادمة من عالم المجهول ومكتوب علىٰ حجارتها إنها ابتلاء من الله.

علىٰ أيِّ حالٍ، وسط سيول الأوهام والمخاوف من الجدير بالذكر هنا أنَّ هنا ثلاثة معطيات تدعو إلىٰ الاطمئنان، وهٰذا ما يجب أن يدركه الجميع، وهي حقائق فوق الشك:

أولاً: أنَّ هٰذا الوباء خلاف كلِّ الأوبئة السَّابقة تقريباً ليس قاتلاً بالضرورة لمن يصاب به. فيما كلُّ الأوبئة السَّابقة تقريباً كانت قاتلة لمن يصاب بها بنسبه تتجاوز التسعين بالمئة. فيما في هٰذا الوباء فإنَّ نسبة الإماتة صغيرة جدًّا جدًّا بالمقارنة مع الأوبئة السابقة.

ثانياً: هو أنَّ المسألة الوقائية من هٰذا المرض، وفق كلِّ المعطيات التي وصلتنا من الأطباء في مختلف أنحاء العالم، يه أمرٌ ممكنٌ بل سهلٌ. وطالما أنَّ الوقاية منه أمرٌ ممكن وليس صعباً ولا يحتاج إلىٰ تعقيدات فهٰذا أمرٌ مطمئن ويدعو إلىٰ راحة البال. بمجرَّد اتخاذ إجراءات الوقاية يكون المرء في منأى عن الخطر.

ثالثاً: أنَّ العلاج والشِّفاء من هٰذا الوباء أمرٌ ممكن جدًّا. ولكم في التَّجربة الصينيَّة خير مثال علىٰ ذٰلك. وليست التَّجربة الصِّينيَّة هي الوحيدة في شفاء الموبوئين بل وجدنا الكثير من التَّجارب المماثلة في كثير من دول العالم.

رابعاً: أنَّ الفئة المتأذية من هٰذا الفيروس فئة محدودة هي كبار السن وضاف البنية. وأن الشباب والأطفال من شبه المستحيل أن يتعرضوا للأذى من هٰذا الفيروس. هٰذا لا يعني الاستهتار بالكبار ولا الاستهتار من قبل الصغار. ولٰكنَّ الفكرة المهمة هنا هي محدودية فاعلية الفيروس.

الاحتياط بالضَّرورة واجبٌ حَتَّىٰ علىٰ الأطفال فهم في أقلِّ الاحتمالات سيكونون ناقلين للفيروس. وكذٰلكَ أمر الشباب. ولذٰلك لا يجوز الاستهتار وعدم المبالاة. يجب الاهتمام والالتزام.

ولله الأمر من قبل ومن بعد. اللهم هيئ لنا في قرارنا سدداً، ومن أمرنا رشداً، ومن محنتنا مخرجاً، ومن ضيقنا فرجاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى