مقالات

هل نصبح تحت سطوة الذكاء الاصطناعي.. بعد كورونا؟

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

في إحدى التغطيات الإخبارية عن جائحة كورونا ، تابعت باهتمام الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية في مدينة ووهان التي ظهر فيها الفيروس أول مرة ، وكان مالفت انتباهي هو وجود الروبوتات في الشوارع وهي تسير على الأرصفة تتابع المتواجدين وتقيس حرارتهم عن بعد، كما لجأت السلطات الصينية إلى الطائرات المسيّرة عن بعد (درون) والمزودة بمكبرات للصوت في توجيه التعليمات للسكان بضرورة التقيد بوضع الكمامة على الوجه وارتداء القفازات وعدم التجوّل في الشوارع إلّا للضرورة القصوى.

بعدها انتشرت في العالم كلّه أجهزة قياس درجة حرارة الجسم عن بعد، وبات المشهد مألوفاً في المطارات لرجال أمن المطار وهم يحملون جهازاً صغيراً بيدهم ويوجهونه إلى رأس المسافر على بعد سنتمترات قليلة من جبينه للتأكد من حرارته إن كانت طبيعية أم لا، ثم توسّعت تلك الإجراءات لتشمل الطرقات التي تربط بين المدن والمنافذ البرية بين الدول وهذا ما يقودني للتفكير مليّاً لتصور العالم ما بعد الجائحة مع استمرار المخاوف من الفيروس حتى بعد عبور البشرية من ذروة التفشي وتراجع انتشاره حتى الانحسار.

لقد أكد كثير من السياسيين والمحللين النفسيين بأن العالم سيتغير، وأن مابعد كورونا لن يكون مثل ما قبله، ولكن بأي صيغة؟، هناك من يقول أن النظام العالمي سيتغير إلى الأبد مثل ما صرّح به السياسي الأمريكي المخضرم ووزير الخارجية الأسبق (هنري كيسنجر)، ولكنّني لست بوارد التطرّق إلى التغييرات السياسية أو الجيوسياسية ولا حتى النظام الاقتصادي الذي يدير العالم، وإنّما أريد التركيز على نمط الحياة اليومية للناس العاديين ومدى قبولهم بتحكم الروبوتات في تفاصيل حياتهم وإلى أي مدى سيكون هذا التحكّم؟.

الروائي الأمريكي دان براون مؤلف رواية ” شيفرة دافنشي” يطرح في روايته الجديدة (الأصل ـ ORIGIN) التي صدرت ترجمتها الأولى للعربية 2018، يطرح فكرة سيطرة التكنولوجيا بشكل كلّي على البشرية، وأنّ الذكاء الاصطناعي سيصبح هو المهيمن على كل مناحي الحياة وسيصبح مستقلّاً ويطوّر نفسه دون الحاجة للمصنّع (الإنسان) بما يجعل الإنسان في النهاية يمتثل لتعليمات الآلة، وأقتبس منه بيتاً من الشعر للشاعر الإنكليزي من القرن الثامن عشر وليام بليك (1757_1827 ) الذي كان ملهماً لبطل الرواية:

” the dark religions are departed & sweet science reigns “

زال الإيمان المظلم وساد العلم النقي

وهو بالطبع لا يبدو من خلال الرواية مبشّراً بسيادة العلم بقدر ما ينذر من مغبّة ذلك، وهذا يحدوني للعودة إلى الوراء قليلاً وكيف أنّ السينما الهوليوودية أتخمتنا بعشرات الأفلام التي تتحدّث عن التقدم العلمي الهائل الذي سيغيّر من شكل الحياة على الأرض وانعكاس ذلك على السلوك البشري ونمط الحياة الاجتماعية، من خلال تكريس فكرة وجود الرجل الآلي الأمين على تنفيذ الأوامر بحيادية تامة ” الشرطي الروبوت”، لمحاربة الجريمة وإحلال الأمن.

ولا أستبعد بتاتاً أن يصدر الجيل الجديد من أجهزة الهاتف المحمول (الموبايل) بُعيد جائحة كورونا أو خلالها، مزوّدة بكاميرا فيها ميزة قياس درجة حرارة الآخرين ليتخذ صاحب الجهاز قراره بالابتعاد عن الشخص أو الاقتراب منه حتى لو كان صديقاً أو أخاً بحسب نتيجة القياس على الشاشة، أي أن القرار سيكون للجهاز وليس نابعاً من إرادة صاحبه.

تكمن خطورة ذلك عندما يتم تعميم تلك الأجهزة واستبدال الكاميرات الحالية في الشوارع ووسائل المواصلات والموبايلات والمحال التجارية والملاعب ودور السينما والقاعات التدريسية والفنادق، ليتم التعامل مع البشر من خلالها، ولأي سبب قد يكون المرء مرتفعة درجة حرارته قليلاً سيتعرض لسوء المعاملة أو الملاحقة على أنّه مصاباً بالكورونا، رغم أنّ ارتفاع درجة الحرارة هو نظام دفاع الجسم الطبيعي لأي عارض صحيّ وليس حكراً على فيروس كورونا المستجد، وستدخل البشرية في نفق مظلم من العلاقات الاجتماعية غير المعهودة، وسنشهد حالة جديدة من التنمّر تجتاح البشر في مختلف الأعمار وفي شتى الميادين، وستزيد من العزلة الاجتماعية أكثر مما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي في العقدين الأخيرين، وسينقسم العالم أكثر فأكثر، وربما سنستيقظ على مجتمعات كاملة معزولة تحت اسم “المنبوذين” بحجة أنّهم بيئة مناسبة لفيروس كورونا.

وهذا ما سيجعل العالم أكثر وحشية مما نشهده الآن وقد يبرّر ظهور دعوات “علنية” بوجوب تقليل عدد سكان الأرض بعد أن كانت تلك الدعوات تدور في الغرف المغلقة، والجدير ذكره أن الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني هو من مناصري تلك الدعوة بحجة أن موارد الأرض لم تعد تكفي لهذه المليارات الثماني من البشر.

والسؤال الكبير “المرعب” الذي يطرح نفسه “هل ستوكل إدارة شؤون الناس إلى الذكاء الاصطناعي، وقرار من سيعيش ومن سيموت لأجهزة لا تمتلك المشاعر لتتم تصفية الملايين وربما مئات الملايين من البشر على أيدي آلات بلا وازع أخلاقي، وأنّ ما حدث في الربيع العربي من قتل على الهواء مباشرة كان مجرّد عملية تهيئة وترويض للقادم؟”

أترك للقارئ مهمة التحليق في متاهات المستقبل المظلمة الذي يرسمه العالم المؤمن بالعلم “النقي” بعيداً عن الإيمان “المظلم” بحسب الشاعر وليام بليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى