بحوث ودراسات

العلمانيون وثورة الزنج 7 من 7

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

عقيدة ومبادئ صاحب الزنج:

يقول الذهبي: “وادعى أنه هو عبد الله المذكور في (قل أوحي إلي) وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمتاز عليه إلا بالنبوة”[68] “وزعم أنه تكلم في المهد؛ صيح به: يا علي! فقال لبيك”[69] “وكان يجمع اليهود والنصارى، يسألهم عما في التوراة والإنجيل من ذكره وهم يسخرون منه، ويقرأون له فصولاً فيدعي أنها فيه، وزاد من الإفك، فنفرت منه قلوب خالق من أتباعه ومقتوه”[70]

كان يدعي الزهد والتقشف وهو أبعد الناس من ذلك:

يقول الذهبي: “ولم يجد لجيشه لما كثروا من من بد من أرزاق، فقرر للجندي في الشهر عشرة دنانير، فحسده قواده الفرسان، وانشغل بإنشاء الأبنية وتفر عن الزنج فهموا بالفتك به”[71]

العلامة عبد الرحمن بن خلدون:

“كان أكثر دعاة العَلًوّية الخارجين بالعراق أيام المُعْتَصِم وما بعده أكثرهمِ من الزيْدِيَّةِ وكان من أئمتهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهير وكان نازلاً بالبصرة لما وقع البحث عليه من الخلفاء ظفروا بابن عمّه عليّ بن محمد بن الحسين فقتل بفدك ولأيام من قتله خرج رجـل بالـريّ يدّعي أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى المطلوب وذلك سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهتدي‏.‏ ولما ملك البصرة لقي عليّاً هذا حياً معروف النسب فرجع عن ذلك وانتسب إلى يحيى قتيل الجوزجان أخي عيسى المذكور‏.‏ ونسبـه المسعـوديُّ إلـى طاهـر بـن الحسيـن وأظنـه الحسيـن بـن طاهر بن يحيى المحدِّث بن الحسين بن جعفـر بـن عبـد اللـه بـن الحسيـن بـن علـيّ لـأن ابـن حـزم قـال فـي الحسيـن السبـط إنـه لا عقـب لـه إلّا من علـيّ بـن الحسيـن وقـال فيـه علـيّ بـن محمـد بـن جعفـر بـن الحسيـن بـن طاهـر‏.‏ وقـال الطبـري وابن حزم وغيرهم من المحقّقين إنه من عبد القيس واسمه عليّ بن عبد الرحيم من قرية من قرى الريّ ورأى كثـرة خـروج الزيديّـةِ فحدّثتـه نفسه بالتوثّب فانتحل هذا النسب ويشهد لذلك أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج ولا يكون ذلك من أهل البيت”[72]

ويقول ابن خلدون: “واستنقذ العباس من نساء الكوفة وواسط وصبيانهم أكثر من عشرة آلاف وأعطى ما وجده في (المنصورة) من الذخائر والأموال للأجناد”[73]

الشيخ محمد الخضري:

يقول في محاضراته التاريخية: “ولم يكن يدري إلا الله ماذا تكون العاقبة لو انتصر هذا الرجل بزنوجه على آل العباس بأتراكهم كان الأمر ينتقل من أيدي الـراك إلى أيدي الزنوج فتقع الأمة في الشر العظيم والوباء الوبيل لأن هؤلاء الزنوج ليس لهم أدب معروف بل لا يكادون يفقهون قولاً.. فانتصار العباسيين عليهم خلاص للأمة من شر مستطير”[74]

صفوة القول

من خلال عرضنا االسابق نخلص إلى:

الأول: إن صاحب الزنج دعي آل طالب كذاب ونسبه ليس بالصحيح.. وأن اسمه علي بن محمد بن عبد الرحيم بن بني عبد القيس.

الثاني: لو افترضنا صحة نسبه لآل البيت فإن هذا لا يغني في دين الله.. فماذا أغنت قرابة أبي لهب وأبي جهل من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: إن صاحب الزنج لم يكن علوياً بل استغل ادعاء النسب لآل البيت لحب عامة الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحفاده. وليس كما ذهب أحمد علبي الذي يقول إن عقيدة الشيعة في ذلك الوقت هي عقيدة عامةالناس وهذا خطأ فعقيدة أهل السنة هلي التي كانت سائدة ولازالت إلى وقتنا الحاضر.

الرابع: هب أن صاحب الزنج علوي صحبح النسب! فكيف يستقيم هذا مع رجل يسمح بإذلال نساء آل البيت وخاصة من أبناء الحسن بن علي رضي الله عنهم؟! كيف يسمح بانتهاك حرمة هؤلاء العفيفات.. كيف يسمح باسترقاق هؤلاء الحرائر من آل البيت وبيعهن بأوكس الأثمان؟!! كيف يكون علوياً صحيح النسب وهو الذي كان يلعن علي بن أبي طالب من على المنبر ويأمر بذلك؟!

الخامس: كيف يستقيم ادعاؤه أنه من العلويين وهو الذي قتل علي بن زيد صاحب الكوفة سنة 260هـ.

السادس: أما عن اعتقاده فكان أشبه بمعتقد الخوارج الأزارقة من قتل النساء والأطفال والأشياخ، واستحلال الفروج وكان يرفع نفس شعار الخوارج أيام التحكيم (لا حكم إلا لله)!! وإن كنا نميل إلى رأي الحافظ الذهبي أنه كان زنديقاً لا خارجياً ولا علوياً بل كان يتستر بهذين المذهبين لارتكاب الأفاعيل والجرائم في حق المسلمين.

السابع: كان هذا الخبيث يزعم أنه نزل عليه الوحي وأنه خوطب من الملائكة: (إنما البصرة كانت خبزة لك تأكلها من جوانبها)!!

الثامن: ادعى أنه رأى طيوراً بيضاء حاربت معه.

التاسع: ادعى أنه عرضت عليه النبوة فأباها لأن لها أعباء: خفتُ ألا أطيقها!!

العاشر: إن صاحب الزنج شخص مغامر استغل حالة الفوضى التي حلت بأرض الخلافة بعد مقتل بعض الخلفاء وليس كما زعم فيصل السامر وعلبي ومحمد عمارة إذ لم يكن يدور في خلد هؤلاء الزنوج التقسيم الذي أفرزته الثورة البلشفية لمجتمعات بروليتارية: عمال وفلاحين، وبرجوازية: أصحاب رؤوس الأموال والأملاك والإقطاعيين وأهل الحكم.. لم تكن هناك أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وجيوسياسية وغير ذلك من تحليلات لم يسمع عنها أصحاب الزنج ولا أتباعه، فما حدث ليس إلا حالة من الفوضى لرجل زنديق استغل أعجمية هؤلاء الزنوج وعدم فهمهم للغة العربية مع وجود عدد كبير من الأعراب وقطاع الطرق والهاربين من الأحكام .. فهؤلاء المطاريد هم جند أصحاب الزنج!! فلم يكن لدى صاحب الزنج معتقد واضح ولا برنامج محدد، بل كلها شعارات لتهييج هؤلاء العبيد بأن يملكهم أراضي مواليهم ويحررهم.. ولم يحدث وكذب عليهم واستمروا في الرق فترة حكمه بل زاد في الرق حيث استرق الحرائر والأحرار من المسلمين!!

الحادي عشر: نلاحظ أن عنصر الزنج لم يشترك في هذه الفتنة إلا بعد سبع سنوات من بدء دعوة صاحب الزنج علي بن محمد سنة 249هـ فأول زنجي انضم سنة 255هـ وكان كل أتباع هذا الدعي من الأعراب، الذين كانوا يهددون قوافل الحجاج ويأوون اللصوص والهاربين من الأحكام.. حتى بعد انضمام الزنج فإن معظم قواده من كانوا من هؤلاء الأعراب، وكان الزنج عبارة عن جيش من المرتزقة سرعان ما انقلبوا عليه وهربوا منه لما تيقنوا كذبه ودجله..

الثاني عشر: جيش الخلافة الذي كان يحارب الزنج كان به فرق زنجية كاملة وكانت تحارب بإخلاص وبسالة ضد جيش صاحب الزنج.. لم يلتف هؤلاء العبيد حول الثورة المنشودة! ثورة الخبز والفقر التي تخلصهم من رق العبودية!!

الثالث عشر: إذا كان هناك بطل لهذه الفتنة فإنه أبو أحمد الموفق أخو الخليفة العباسي المعتمد، وكذلك ابنه العباس الذي صار خليفة المسلمين وتلقب باسم المعتضد بالله..

الرابع عشر: هؤلاء هو أهل الثناء والإشادة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى.. هذا هو الأنموذج الذي يقدم لأمتنا؛ أخلاق أولاد النبي الأكرم.. أما الأنموذج الذي يقدمه لنا العلمانيون ويتباكى عليه اليسار الإسلامي ومن على شاكلتهم فهو الأنموذج الملفوظ، وهو الصورة القبيحة الدامية التي تعجب الماركسية الحمراء!!

الخامس عشر: هؤلاء العلمانيون خيالهم خصب!، ويسبحون في أوهام من الباطل صنعها لهم “ماسنيون” و”بروكلمان”؛ رغم أن التاريخ يكذبهم جميعاً إلا أنهم يصرون على الدفاع عن أكابر المجرمين، وسفاكي الدماء، ومنتهكي الأعراض وقتلة الأطفال والشيوخ!.. ثم بعد كل ذلك يقولون إنها مؤامرة تاريخية كبرى ضد صاحب الزنج!! (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن

ربيع الأول 1418هـ الموافق يوليو 1997م

هامش:

[1] الكاتب المصري مايو 1946 ص537 ، ص553 .. ونشر تلك المقالة في كتاب: ألوان لطه حسين /دار المعارف/ مصر/ص164 ، ص187.

[2] أحمد علبي: ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد /دار الفرابي بيروت/ط جديدة 1991/ص10.

[3] أحمد علبي: المرجع السابق/ص170 : ص171.

[4] أدونيس: الثابت والمتحول/دار الساقي لندن/ص67.

[5] هادي العلوي: شخصيات غير قلقة في الإسلام /دار الكنوز الأدبية/ط أولى 1995/بيروت/ص214 ، ص215.

[6] محمد عمارة (الدكتور): مسلمون ثوار /دار الشروق/القاهرة ط ثالثة 1988/ص197.

[7] محمد عمارة: المرجع السابق /ص235.

[8] محمد عمارة: المرجع السابق /ص201.

[9] محمد عمارة: المرجع السابق/ ص203 ، ص204.

[10] هادي علوي: شخصيات غير قلقة في الإسلام/ص224.

[11] هادي علوي: المرجع السابق/ص222.

[12] محمد عمارة: مسلمون ثوار/ص198، ص199.

[13] أحمد علبي: ثورة العبيد في الإسلام /دار الآداب بيروت/ ط1985/ص16.

[14] ابن رشيق القيرواني: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده/تحقيق/محمد محي الدين عبد الحميد/الرشاد الحديثة/ الدار البيضاء/ص69.

[15] هادي علوي: شخصيات غير قلقة في الإسلام/ص224.

[16] أحمد علبي: ثورة الزنج /ص134.

[17] الطبري: تاريخ الأمم والملوك/ /تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم/دار المعارف القاهرة/ط4/ج9/ص410.

[18] الطبري: المرجع السابق/ج9/ص410.

[19] الطبري: المرجع السابق/ج9/ص410.

[20] المرجع السابق /ج9/ص411 ، ص412.

[21] المرجع السابق/ج9/ص412.

[22] السابق/ج9/ص414.

[23] السابق/ج9/422.

[24] السابق/ج9/ص481.

[25] السابق/ج9/ص481.

[26] السابق/ج9/ص482.

[27] السابق/ج9/ص553.

[28] السابق/ج9/ص613.

[29] السابق/ج9/ص564.

[30] السابق/ج9/ص581.

[31] السابق/ج9/ص588.

[32] السابق/ج9/625.

[33] السابق/ج9/ص641.

[34] السابق/ج9/ص641.

[35] السابق/ج9/ص648.

[36] السابق/ج9/ص608.

[37] السابق/ج9ص608.

[38] السابق/ج9ص649.

[39] الطبري/ج9ص660.

[40] الطبري: السابق ج9ص663.

[41] الطبري: السابق ج9 ص663.

[42] ابن الجوزي: المنتظم في أخبار الملوك والأمم دار الكتب العلمية بيروت ط أولى 1992م ج12 ص88 وما بعدها.

[43] ابن الجوزي: المنتظم ـ المرجع السابق.

[44] ابن الجوزي: المنتظم ـ المرجع السابق.

[45] ابن الجوزي: المنتظم ـ السابق.

[46] ابن الجوزي: المنتظم ـ السابق.

[47] ابن الجوزي: السابق ج12 ص288.

[48] ابن الأثير: الكامل في التاريخ دار صادر بيروت مج7ص245 ، 246.

[49] ابن الأثير: الكامل ـ السابق ـ مج7ص245 ، 246.

[50] ابن الأثير: السابق مج7 ص344.

[51] الذهبي: العبر في أخبار من غبر دار الفكر ج1 ص122.

[52] أبو الفداء: تاريخ أبي الفداء القاهرة ص

[53] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة ـ دارالكتب العلمية ـ بيروت ـ ط أولى 1992 ـ ج3 ـ ص27.

[54] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ـ السابق ـ ج3 ص60 و ص61.

[55] السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ دارالكتبالعلمية ـ بيروت ـ ط أولى 1988 ـ ص291.

[56] ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ دار الفكر ـ ج3 ـ ص129 ، 130.

[57] ابن العماد: السابق ـ ج3 ـ ص139.

[58] ابن العماد: السابق ـ ج3 ـ ص156.

[59] ابن كثير: البداية والنهاية ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط أولى 1958 ـ ج11 ص21.

[60] ابن كثير: السابق ـ ج11 ـ ص48.

[61] ابن كثير: السابق ـ ج11 ـ ص32.

[62] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر ـ المكتبة الإسلامية ـ بيروت ـ ج7 ـ ص194 وص195.

[63] المسعودي: السابق ـ ج7 ص307.

[64] المسعودي: السابق ـ ج7 ص307 وص308.

[65] المسعودي: ج7 ص308.

[66] الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط2 ـ 1984 ـ ج13 ـ ص129 ، ص130.

[67] الذهبي: المرجع السابق ج13 ـ ص134.

[68] الذهبي: ج13 ـ ص134.

[69] الذهبي: ج13 ـ ص134.

[70] الذهبي: ج13 ـ ص135.

[71] الذهبي: ج13 ـ ص135.

[72] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون ـ مؤسسة الأعلى للمطبوعات بيروت ـ ج3 ص302.

[73] ابن خلدون: ج3 ـ ص321.

[74] محمد الخضري بك: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية) ـ دار المعارف بيروت ـ ص305

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى