مقالات

مآلات الاحتلال الروسي لسوريا

علي حسن بك

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

بعد استقلال سوريا وفي فترة الخمسينيات من القرن الماضي، كانت هناك ضغوطات قاسية عليها من قبل العراق ومن قبل تركيا لجرها للاصطفاف إلى جانب المعسكر الغربي من خلال الدخول إلى حلف بغداد الذي تأسس في 24 شباط 1955 لموجهة المد الشيوعي في منطقة الشرق الأوسط.
لكن هذه السياسة الغربية حينها لم تكن تتوافق مع تطلعات السوريين المستقلين حديثاً عن فرنسا، وكذلك بسبب وقوف الغرب ولاسيما بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة إلى جانب الكيان الصهيوني، فضلاً عن أن المدّ القومي العربي الذي بدأت موجاته تنتشر في الوطن العربي ومنه سوريا، كان قد ألهب العواطف والمشاعر ثورة الضباط الأحرار في مصر على النظام الملكي في 23 تموز 1952 ،ثم تبعها تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر ،وتفجير خط النفط القادم من العراق في 1956، وكان الاتحاد السوفيتي يبحث عن موطئ قدم له في المنطقة، فعقد الآمال على سوريا فأعلن وقوفه إلى جانبها ضد التهديدات العراقية والتركية، فعقدت معه صفقة أسلحة.
وفي أزمة 1957 بين تركيا وسوريا وبسبب الحشود العسكرية التركية أعلن الاتحاد السوفيتي وقوفه إلى جانب سوريا وحذر تركيا من شن أي هجوم وعليها وهذا ما دفع سوريا حينها إلى التقرب أكثر منه ومن المعسكر الاشتراكي.
ولكن حصل في العلاقات السورية السوفيتية نقلة نوعية على أثر حرب 6 تشرين 1973 بسبب مد الاتحاد السوفيتي سوريا بالأسلحة بحيث توجت في تشرين الأول 1980 بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون.
ومع وصول غورباتشوف إلى السلطة انتهت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي فتضالت أهمية سوريا عند السوفييت بحيث عندما زار حافظ الأسد موسكو في 1987 وطرح أمام غورباتشوف أن التوازن الاستراتيجي هو المدخل لحل الصراع العربي الإسرائيلي أكد له غورباتشوف أن الاتحاد السوفيتي أصبح خارج لعبة التوازن الاستراتيجي في المنطقة وطالبه باستبدال توازن القوة بتوازن المصالح.
وعلى أثرها تراجعت العلاقات بحيث عندما زار فاروق الشرع موسكو وطالب بإمدادات تسليحية رفض السوفييت بحجة اهتمامهم باستقرار المنطقة وأن مصانعهم لا تستطيع تلبية الطلبات السورية.
ومع تفكك الاتحاد السوفيتي فقد تراجع اهتمام الوريث روسيا بالوطن العربي عامة ومنه سوريا خاصة وحل عامل المصلحة بدل العامل الأيديولوجي فبدأت الخلافات حول أسعار السلاح ورغبة سوريا بتخفيضات ومطالبة روسيا لها بالديون التي تقدر 10 مليارات.
وعندما اندلعت الثورة السورية في 18 آذار 2011 كان واضحاً للجميع انحياز روسيا للنظام الأسدي من خلال استخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالحه، وهذا يعود لأسباب منها: أن روسيا على الرغم من سقوط الشيوعية فيها إلا أنها ما تزال تحكم بعقلية شمولية من قبل المخابرات والمافيا، كما أن روسيا لن تكون مع نجاح أي ثورة في دولة عربية وقيام نظام ديمقراطي فيها ولاسيما في سوريا لخوفها ان يكون له تأثير على المسلمين فيها أو المسلمين في الجمهوريات التي كان ضمن الاتحاد السوفياتي
ولكن في ٣٠ أيلول ٢٠١٥ أعلنت روسيا بدء عملياتها العسكرية من خلال قيام طيرانها بتوجيه ضربات إلى تنظيم الدولة داعش بعد أن طلب منها ذلك بشار الأسد، وكما يبدو أيضاً بضوء أخضر أميركي من أجل وأد الثورة وبقاء النظام بحجة داعش، ولقد كان هذا العدوان على الشعب السوري مدفوع التكاليف من قبل أموال استثمارات العائلة الأسدية في روسيا وفي العالم، وأموال من أعداء الثورات العربية، وقد أراد بوتين من خلال هذا العدوان والاحتلال بحجة محاربة الارهاب تحقيق عدة أهداف: منها إيهام المواطن الروسي أنه بطل قومي، وأن روسيا دولة ندية للولايات المتحدة في الساحة الدولية، ولكي يثبت لهم للعالم وبعض الأطراف في الساحة الدولية من خلال تدخله في سوريا أنه لاعب أساس في الساحة الدولية، ومن ثم استعادة سمعة روسيا كقوة، والتخلص من عقدة هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان التي أسهمت في انهياره وتفككه، وتقديم روسيا على أنها عضو أساس لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب على الارهاب وخاصة ضد تنظيم الدولة داعش، واستخدام الأراضي السورية حقل تجارب لأسلحته الجديدة ومدى فعاليتها وتأثيرها، ومحاولة القضاء على جهاديين روس مسلمين يقاتلون مع تنظيم الدولة داعش والخوف من عودتهم إلى روسيا، فضلا إلى محاولة البقاء في المنطقة والاحساس بشعور القوة.
ولكن السؤال الذي يطرح هل تستطيع روسيا الاستمرار في القيام بهذا المهمة العدوانية ضد الشعب السوري والبقاء حامية للنظام الأسدي؟ والجواب لا، وهذا يعود لعوامل داخلية روسية فالمواطن الروسي ما يزال عالق في ذهنه هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان التي كانت وراء تفككه وتراجع مكانة روسيا في الساحة الدولية، وأنه لا بد أن تظهر في أوساط الرأي العام الروسي حالة من التململ من التدخل الروسي في سوريا، كما أن وضع روسيا الاقتصادي والتجاري يشهد تراجعا وسيزيد من تراجعه انتشار وباء الكورونا مع أن قيامها بالمهمة العدوانية في سوريا مدفوعة التكاليف لكنها تعرف أن الدفع سيتوقف في لحظة معينة ،وستتحمل هي التكاليف ،وهذا ما يؤثر على استقرارها السياسي والأمني، كما أن دخول روسيا في أي خلاف كسر عظم مع الولايات المتحدة أو تركيا سيدفعهما إلى تسليح السوريين الثائرين على النظام الأسدي- الذي تحميه بالأجرة -بأسلحة نوعية ولاسيما صواريخ ستينجر المضادة للطائرات ،وهي كفيلة بهزيمتها هزيمة نكراء، فضلاً عن أن أي اتفاق على حلّ يرضى به جميع السوريين سيكون كفيلا بهزيمة روسيا وطردها من سوريا، وهذه الهزيمة ستجللها هزيمة أخلاقية حيث عملت أداة مستأجرة لحرب ثورة شعب ، واستخدمت أعتى أسلحتها ضد شعب أعزل طالب بالحرية .
وتبقى فكرة المقاومة ضد الاحتلال الروسي وغيرها من الاحتلالات على طاولة السوريين، وقادم الايام ربما يأتي بما لا يخطر على البال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى