دين ودنيا

ليلة النصف من شعبان (1)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

الكلام على ليلة النصف من شعبان يشمل ثلاث مسائل:
1-هل هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، وتقسم فيها الأرزاق ، وتكتب فيها الآجال؟
2- حكم الصلاة المعروفة بصلاة النصف من شعبان وهي مائة ركعة.
3- ما حكم إحياء تلك الليلة بغير تلك الصلاة؟

المسألة الأولى: ليلة النصف من شعبان
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الليلة التي تقسم فيها الأرزاق، وتكتب فيها الآجال هي ليلة النصف من شعبان، وقد رد المحققين من العلماء على هذا القول، بأن الليلة التي التي فيها ذلك هي ليلة القدر، واستدلوا على ذلك بآيات من كتاب الله، ونحن نعرض أقوال العلماء
ففي مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (صـ48)
وهي ليلة النصف من شعبان لإحيائها وعظم شأنها إذ فيها تقسم الأرزاق والآجال “
وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 108)
و” ندب “في ليلة براءة” وهي ليلة النصف من شعبان لإحيائها وعظم شأنها إذ فيها تقسم الأرزاق والآجال “
لكن ابن عابدين وهو من علماء الحنفية أيضا قال في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 49)
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَخْبَارَ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهَا
ومن علماء المالكية قال القرافي في الذخيرة (2/ 548) وهو يتكلم عن منى القدر (ليلة القدر):
اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْقَدْرِ فَقِيلَ الشَّرَفُ فَهِيَ شَرِيفَةٌ وَقِيلَ مِنَ التَّقْدِيرِ لِأَنَّهَا تُقَدَّرُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ وَالْكَائِنَاتُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قِيلَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَقِيلَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
ثم أكمل كلامه فقال: الذخيرة للقرافي (2/ 551)
لَيْلَةُ النِّصْفِ قَالَ سَنَدٌ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَيُبْطِلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقدر} وقَوْله تَعَالَى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن}.
فأبطل قول من قال أنها ليلة النصف من شعبان بالآية.
المدخل لابن الحاج (1/ 299)
لَيْلَةُ نِصْفِ شَعْبَانَ (فَصْلٌ)
ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى ذِكْرِ مَوْسِمِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ مَوْسِمًا وَلَيْسَ بِمَوْسِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَوَاسِمَ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ الْعِيدَانِ وَعَاشُورَاءُ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان4] ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هَلْ هِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةُ، أَوْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ. الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
ونرى ذلك واضحاً في كتب الشافعية ففي فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين (صـ 277)
وروى أيضا: “من شهد العشاء الأخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر”. [الدر المنثور تفسير سورة القدر] . وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان.
وفي إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (2/ 291) في الكلام عن ليلة القدر:
والتي يفرق فيها كل أمر حكيم. وشذ وأغرب من زعمها ليلة النصف من شعبان.
وأوضح ذلك بعبارة واضحة (2/ 292)
(قوله: وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان) أي من زعم أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان: فقد شذ، أي خالف الجماعة الثقات.
وأيضا علماء الحنابلة ففي المبدع في شرح المقنع (3/ 57)
وَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ضَعِيفٌ،
وفي الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 392)
الثاني: لأنها ليلة يكتب الله -تعالى- فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال لمن تكون في تلك السنة. قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } (الدخان4).
وقيل: المراد بهذه الآية ليلة النصف من شعبان، والصحيح الأول (يعني أنها ليلة القدر).
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (صـ 22)
الباب الخامس: في ذكر التقدير الرابع ليلة القدر
قال تعالى: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} وهذه هي ليلة القدر قطعا لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ومن زعم أنها ليلة النصف من شعبان فقد غلط قال سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ليلة القدر ليلة الحكم وقال سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير يؤذن للحجاج في ليلة القدر فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم وقال ابن علية ثنا ربيعة بن كلثوم قال قال رجل للحسن وأنا أسمع أرأيت ليلة القدر في كل رمضان هي قال نعم والله الذي لا إله إلا هو.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (3/ 63)
بل قال بعضهم لفرط تعظيمه لليلة النصف من شعبان: إنها الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، وأنها يفرق فيها كل أمر حكيم، وجعل ذلك تفسيرا لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وهذا من الخطأ البين، ومن تحريف القرآن عن مواضعه، فإن المراد بالليلة المباركة في الآية ليلة القدر، لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وليلة القدر في شهر رمضان للأحاديث الواردة في ذلك؛ لقوله تعالى: {شهر رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} .
مما سبق من أقوال العلماء نعلم أن من قال بأن الليلة التي تكتب فيها الآجال وتقسم فيها الأرزاق، ليس لديه دليل على ذلك، وأن القرآن يؤكد أن ليلة القدر التي نزل فيها القرآن هي الليلة التي تكتب فيها الآجال، وتقسم فيها الأرزاق، ومن قال أنها ليلة النصف من شعبان فهو غالط، والحق في خلاف قوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى