مقالات

ظاهرة تحول المفكرين والسياسيين إلى الإسلام ” يورام فان كلافيرين نموذجاً “

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

إن مما لاشك فيه أن دولاب الحياة يسير بعجلة – سواء كنا نعيش بسعادة أو بشقاء – نحو نهايته على مستوى الأفراد أو على مستوى العالم بأسره – وأعني يوم القيامة – وأن هذه الحياة قامت على المتناقضات والمضادات بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين الجهل والعلم، وبين الإيمان والكفر…وإن الجدل والحوار والنقاش والصدام والصراع سيبقى قائماً مهما ارتفعت الأصوات المستنكرة والمعترضة أو المؤيدة والمشجعة لتلك الحالات، وقد أُلفت الكتب في هذا الصدد التي تكرّس هذه النظرية، فقد صدر كتاب لمفكر بعنوان “صدام الحضارات”، وصدر كتاب آخر لسياسيٍّ بعنوان “حوار الحضارات”، وكلٌّ له معجبوه ومادحوه وقادحوه، ولكن الشر والخير والحق والباطل لا يمكن أن يلتبس على الناس إذا كانوا في حالة صفاء ذهني وعقول متفتحة، وسمو روحي، فالصدق والأمانة والوفاء والحب والتآلف والجمال والخير…وكل هذه المعاني ومرادفاتها تدعو لها الكتب السماوية قاطبة، وهي في الأساس فطرية عند الإنسان السويّ.

بعد هذه المقدمة يمكن القول إن الإنسان الذي يريد أن يبحث عن العقيدة الصحيحة وعن الحق الأبلج، يمكن أن يصل إليه بالتفكر والتأمل والبحث والجهد والاستقصاء وقبل هذا شيء أهم وهو التجرد عن الأهواء والعواطف والتقليد والمحاكاة، والانطلاق بموضوعية بعد إسقاط كل ما علق في عقولنا وقلوبنا من البيئة والمجتمع والجامع والكنيسة والدير، وبعد ذلك تبدأ رحلة البحث بهذه الأدوات الفعّالة والناجعة والتي ستأتي بأكلها حُكماً.

ولو عدنا إلى التاريخ القديم والحديث لوجدنا شخصيات متنورة ومتميزة ولها باع طويل في العلم والفكر والمعرفة قد سلكت هذا المنهج القويم.

لو عدنا قليلاً إلى التاريخ في هذا القرن لو وجدنا أن الفيلسوف والمفكر الفرنسي روجيه غارودي، وهو علم في رأسه نار، قد قرأ ما قرأ وتعمق واعتنق المذهب الشيوعي في بدايات حياته عندما كانت الشيوعية في ذروة قوتها، ولكنه لم يستكن لتلك النظرية ولذلك الفكر لأن ثمة أسئلة كثيرة راحت تلح عليه ولا يجد لها جواباً في النظرية التي آمن بها، مما اضطره للبحث عن نظريات أخرى تستطيع الإجابة عن تساؤلاته، فانعطف إلى الأديان وراح يقرأها واحدة تلو الأخرى إلى أن وصل إلى شاطئ الطمأنينة ونهاية الرحلة وهو الإسلام الذي وجد فيه ضالته المنشودة.

ولو تحولنا إلى شخصية أخرى لها وزنها العلمي والطبي والفكري وحضورها القوي بين الناس لوجدنا أنها سارت على خطى الشخصية السابقة في البحث والتقصي وهي شخصية الطبيب الجراح الكبير موريس بوكاي الذي كان يعتنق المسيحية بالتقليد لكنه بعد أن قرر البحث وقرأها بعيداً عن التأثيرات الجانبية وجد أنها ممتلئة بالثغرات والعثرات التي لا يمكن لعقله الحاذق أن يقتنع بها، فقرر أن يخوض معركة البحث عن الحقيقة التي ينشدها، فما كان منه إلا أن عكف على الكتب المقدسة حتى أفرغها فحصاً وتمحيصاً وتفسيراً…وخرج بكتاب سماه ” الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ” وصل به إلى أن القرآن والإسلام هو الحق لأنه لا يخالف النظريات العلمية ولا يعارضها وإنما يدعو لها ويحث على العوم في لججها.

ولو تحولنا إلى شخصية عربية اشتهرت بعلمها ونتاجاتها الغزيرة في الترجمة والتأليف، وانتشرت مؤلفاتها عابرة القارات لوجدنا أن حياتها أتى عليهاالتغيير والتبديل شأنها شأن الآخرين وذلك بسبب التخمة المعرفية التي وصلت إليها وهي شخصية الدكتور عبد الرحمن البدوي الذي اعتنق في الشطر الأول من حياته الأيديولوجية الوجودية وراح يدافع عنها بكل ما أُوتي من قوة، ثم ما لبث أن عزف  عنها بعد أن حلب أشطر الدهر وأوشكت سفينة العمر تأفل، وأدرك أن الطريق والصراط المستقيم هو الإسلام وكل ما دونه مجانب للصواب ومخالف للعقل الحر.

ويمكننا الانتقال إلى نموذج آخر وهو الدكتور مصطفى محمود الذي تشبه مسيرة حياته الدكتور بدوي ولكنه يختلف عنه في انتمائه السابق، فقد كان شيوعياً ماركسياً وقد كتب الكتب والمؤلفات الكثيرة في هذا الصدد، لكن المطاف انتهى به كسالفيه إلى الإسلام، وحطت به رحلة الحياة خادماً أميناً للقرآن والإسلام.

ولو أردنا تعليل ظاهرة الانعطافات في حياة تلك القامات السامقة وأشباهها والتي أتينا على ذكرها على جناح السرعة، لتبين لي أن السبب وراء اعتناقها لبعض المذاهب التي تخالف الإسلام وتناهضه هو البحث عن الشهرة والمال، فالإنسان في شرخ شبابه يرى أن الدنيا واسعة وكبيرة ولا نهاية لها وهي كل شيء، لذلك يحاول أن يشبع شهواته ويحقق أحلامه فيسلك هذا الطريق، وقد حقق أولئك الأشخاص فعلاً ما صبو إليه ولكنهم بعد مرور السنين أدركوا أن هذه الحياة زائلة ومتعها مؤقتة مما حدا بهم للبحث عن الميتافيزيقيا وما وراء الموت فلم يجدوا الأجوبة الشافية والكافية والمطمئنة سوى بالدين الإسلامي، فضلاً عن ذلك إن المفكر والفيلسوف بعد أن يصل إلى خريف العمر يكون قد اطلع على آلاف الكتب مما يجعل أفكاره ورؤاه تنضج وتصل إلى ذروتها وتحقق مبتغاها.

وأخيراً نقف عند شخصيتين سياسيتين انبثقتا من معين واحد وأثارتا جدلاً واسعاً ألا وهما: أرنا ود فان دورن ويورام فان كلارفرن.

في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة في الدول الغربية ما تسمى(اليمين المتطرف – إسلام فوبيا) وشُكلت بعض الأحزاب على هذه الأرضية الرخوة التي تؤلب وتحرض على الإسلام والمسلمين، وانتشرت هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانية والولايات المتحدة وهولندا وبلجيكا الخ…وقد كان ثمة حزب هولندي اسمه (حزب من أجل الحرية) وهو حزب مغالٍ في تطرفه ضد الإسلام والمسلمين وكان زعيمه يُدعى خيرت فيلدرز وكان يسعى ليل نهار لتشويه صورة الإسلام والمسلمين من خلال الإعلام والصحف والكتب، وكان ثمة شخصيات سبقت الإشارة إليهما (دورن وكلافرن) وهما الأكثر قرباً من زعيم الحزب، وقد أوكل إليهما رئيس الحزب مهمة قراءة الإسلام من أجل تشويهه والنيل منه، وقد بدأ الأول في عام 2013 رحلة التفتيش والتنقيب في بطون الكتب الإسلامية فانتهى به المطاف إلى اعتناق الإسلام ورأى أنه الرسالة السماوية الخالدة الحقة.

وعندما سُئل عن دواعي اختياره، أوضح فان دورن قائلا “أنا شخص لا أحكم على الأشياء من خلال السماع وتناقل الأقوال، وبتواصلي مع زميل لي مسلم بالمجلس البلدي وبعد طول نقاش معه وجّهني إلى مسجد السنة حيث وجدت منهم كل اللطف، وكان قراري بعد نقاش مطول أن أعتنق الإسلام بكل حرية ، وهو قرار خاص ولا أريد لأحد أن يناقشني فيه “.

و قد ذكر على صفحته عبر التوتير قائلا:” إنه بدأ مرحلة جديدة في حياته دون الخوض في التفاصيل وملابسات دخوله الإسلام”.

أما الرجل الثاني المقرب من رئيس الحزب خيرت فيلدرز بل هو ساعده الأيمن واسمه يورام فان كلافرن وأخباره تصدرت الصحف والمواقع والقنوات في السنة الفارطة، فقد كان يكنّ العداء المفرط للإسلام وقد هاجم الإسلام والقرآن قائلاً:

” إن الإسلام كذبة والقرآن سُمّ ” وأزمع أن يكتب كتاباً ضد الإسلام، وبدأ بجمع المراجع والمصادر بكل همة ونشاط، ثم غاص في بطون الكتب ليُفاجئ رئيس حزبه أولاً والعالم ثانياً بأنه قد وجد طريق الحق في الإسلام، وأنه الدين الذي يجب أن يُعتنق وأن من دونه من الأديان باطل.

و حوّل كتابه من عدو لدود للإسلام إلى جندي مخلص في صفوفه ومنافح عنه، وقد عنونه ب ” الارتداد من المسيحية إلى الإسلام وسط الترهيب العلماني”

وقد علق عما حدث معه قائلاً:

” الأمر بالنسبة لي يشبه عودة إلى الدين ” و ” سأكون داعياً للإسلام ومخلصاً له حتى الموت”.

وأختم بالآية الكريمة: ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) الصف    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى