بحوث ودراسات

العلمانيون وثورة الزنج 6 من 7

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

الحافظ جلال الدين السيوطي:

ذكر السيوطي في ترجمة الخليفة العباسي المعتمد على الله أبي العباس: “وفي أيامه دخلت الزنج البصرة وأعمالها وأخربوها، وبذلوا السيف وأحرقوا وخربوا وسبوا، وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات، وأمير عسكره في أكثرها الموفق أخوه (..) واستمر القتال مع الزنج من سنة ستة وخمسين إلى سنة سبعين، فقتل فيها رأس الزنج ـ لعنه الله ـ واسمه بهبوذ، وكان ادعى أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة وأنه مطلع على المغيبات (..) وكان ينادي على المرأة العلوية بدرهمين وثلاثة، وكان عند واحد من الزنج عشرة من العلويات يطؤهن ويستخدمهن”[55]

الفقيه المؤرخ أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي:

قال في أحداث 255هـ: “فيها فتنة الزنج وخروج العلوي القائد الزنج بالبصرة فعسكر ودعا إلى نفسه وزعم أنه علي بن محمد (..) بن الشهيد زيد بن الحسين بن علي. ولم يثبت نسبه فبادر إلى دعوة عبيد أهل البصرة والسودان، ومن ثم قيل الزنج، والتف إليه كل صاحب فتنة حتى استفحل أمره واستباح البصرة وغيرها وفعل الأفاعيل وامتدت أيامه إلى أن قتل إلى غير رحمة الله في سنة سبعين”[56]

وفي أحداث 259هـ يقول ابن العماد: “كان طاغية الزنج قد نزل بالبطيحة وشق حوله الأنهار وتحصن فهجم عليه الموفق فقتل من أصحابه خلقاً وحرق أكواخه واستنقذ منه النساء خلقاً كثيراً فصار الخبيث إلى الأهواز ووضع السيف في الأمة فقتل خمسين ألفاً، وسبى مثلهم”[57]

وفي أحداث 270هـ: “وكان يصعد المنبر فيسب عثمان وعلياً ومعاوية وعائشة وهو اعتقاد الأزارقة، وكان ينادي في عسكره على العلوية (أي القرشية) بدرهمين أو ثلاثة وكان عند واحد من الزنج العشرة من العلويات يفترشهن، وكان الخبيث خارجياً يقول لا حكم إلا لله! وقيل كان زنديقاً يتستر بمذهب الخوارج وهو أشبه، فإن الموفق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبعة وستين يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله مما فعل من سفك الدماء وسبي الحريم وانتحال النبوة والوحي فما زاده إلا تكبراً وطغياناً”[58]

الحافظ ابن كثير:

يقول في أحداث 255هـ: “خارجي آخر ادعى أنه من أهل البيت بالبصرة (..) زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يكن صادقاً وإنما كان عسيفاً ـ يعني أجيراً ـ من عبد القيس واسمه علي بن محمد بن عبدالرحيم”[59]

في أحداث 270هـ: “انتهت أيام صاحب الزنج المدعي الكذاب قبحه الله”[60]

في أحداث 257هـ: “كانت الزنج تحيط بجماعة من أهل البصرة وكان يقول بعضهم لبعض (كيلوا) ـ وهي إشارة القتل ـ فيحملون عليهم بالسيوف فلا يسمع إلى قول أشهد ألا إله إلا الله، من أولئك المقتولين وضجيجهم عند القتل ـ أي صراخ الزنج وضحكهم ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون. هكذا كانوا يفعلون في كل محال البصرة أيام نحسات، وهرب الناس منه كل مهرب، وحرقوا الكلأ من جبل إلى جبل، فكانت النار تحرق ما وجدت من شئ من انسان أو بهيمة أو آثار أو غير ذلك، وأحرقوا المسجد الجماع. وقتل هؤلاء جماعة كثيرة من الأعيان والأتباع والفضلاء والمحدثين والعلماء. فإنا لله وإنا إليه راجعون”[61]

أقول: هذه هي ثورة الزنج التي يدافع عنها العلمانيون ومن على شاكلتهم!! ثورة الخبز والفقر وتحرير العبيد!! إنها ثورة اللصوص وسفاكي الدماء.. إنهم يضحكون وهم يسمعون صراخ وعويل الضعفاء والشيوخ وهم يصرخون بكلمة التوحيد .. أي قلوب هذه؟! وأي ثورة هذه التي يدافع عنها العلمانيون ويتمسحون بالدين الإسلامي؟!

المؤرخ أبو الحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي:

يقول في مروجه في أحداث 255هـ: “وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة في خلافة المهتدي (..) وكان يزعم أنه علي بن محمد (..) بن الحسبن بن علي بن أبي طالب، وأكثر الناس يقول: إنه دعي لأبي طالب ينكرونه وكان من أهل قرية من أعمال الري يقال لها ورزنين، وظهر من فعله ما دلّ على تصديق ما رمي به من أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج؛ بأن أفعاله في قتل النساء والأطفال وغيرهم من الشيخ الفاني وغيرهم ممن لا يستحق القتل يشهد بذلك عليه، وله خطبة يقول في أولها: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ، والله أكبر ألا لا حكم إلا لله.. وكان يرى الذنوب كلها شركاً”[62]

الناس يأكلون القطط والكلاب ويأكلون بعضهم:

يقول المسعودي: “ولما ركن من بقي من البصرة إلى هذا الفعل من المهلبي (أحد قواد صاحب الزنج بها) اجتمعوا في بعض الجمع، فوضع فيهم السيف، فمن ناج سالم، ومن مقتول، ومن غريق، واختفى كثير من الناس في الدور والآبار، فكانوا يظهرون بالليل فيأكلون الكلاب ويذبحونها ويأكلونها والفئران والسنانير، فأفنوها حتى لم يقدروا منهم على شئ، فكانوا إذا مات منهم الواحد أكلوه ويراعي بعضهم موت بعض، ومن قدر منهم على صاحبه قتله وأكله، وعدموا مع ذلك الماء العذب”[63]

ويصف لنا المسعودي هول ما لاقاه الناس من فتنة الزنج وذكر عن امرأة أنها “أحضرت امرأة تنازع ومعها أختها، وقد أحتوشوها ينتظرون أن تموت فيأكلون لحمها. قالت المرأة: فما ماتت حتى ابتدرناها فقطعنا لحمها وأكلناها، ولقد حضرت أختها وقد جاءت على النهر ونحن على مشرعة عيسى بن أبي حرب وهي تبكي ومعها رأس أختها فقيل لها: ويحك مالك تبكين؟ قالت اجتمعوا على أختي ما تركوها تموت موتاً حسناً حتى قطعوها، فظلموني فلم يعطوني من لحمها شيئاً إلا رأسها هذا، وهي تشتكي ظلمهم لها في أختها مثل هذا كثير وأعظم مما وصفنا”[64]

أقول: هذه ثورة الزنج .. ثورة الجياع!! التي أوصلت الناس إلى هذا الهوان.. ثورة الفقراء التي جعلت الناس يأكلون الفئران والكلاب بل ويأكلون ذويهم ويتعجلون وفاتهم!! العجب العجاب أن هؤلاء العلمانيين لا يزالون يدافعون ويشيدون بصاحب الزنج وثورته رغم كل جرائمه البشعة.. ألا يستحون!!

نساء آل البيت يطؤهن عبد زنجي:

انظر إلى تحرير المرأة وحفظ كرامتها على أيدي الزنج وصاحبهم الملهم علي بن محمد! يقول المسعودي: “وبلغ من أمر عسكره أنه كان ينادي فيه على المرأة من ولد الحسن والحسين والعباس وغيرهم من ولد هاشم وقريش وغيرهم من سائر العرب وأبناء الناس، تباع الجارية منهم بالدرهمين والثلاثة، وينادى عليها بنسبها؛ هذه ابنة فلان الفلاني، لكل زنجي منهم العشرة والعشرون والثلاثون؛ يطؤهن الزنج، ويخدمن النساء الزنجيات كما تخدم الوصائف، ولقد استغاثت إلى علي بن محمد امرأ’ من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب كانت عند بعض الزنج وسألته أن ينقلها منه إلى غيره من الزنج أو يعتقها مما هي فيه. فقال لها: هو مولاك وأولى بك من غيره”[65]

أهكذا يكون صاحب الزنج علوياً ينتسب إلى آل البيت وهو يمعن في إذلال نسائهم وهتك أعراض بناتهم واسترقاقهن وهو الحرائر العفيفات.. ثم يأتي علمانيو هذا الزمان ويدافعون عن فتنته العمياء!! لقد تعمدنا نقل كلام المسعودي لعلمنا بتشيعه وميوله إلى العلويين والطالبيين وبغضه للعباسيين ونظراً لاطراء كثير من المستشرقين بالمسعودي فيما يتعلق من هجومه على الولاة العباسيين!!

ورغم كل ما ذكرناه فماذا عسى دعاة تيار اليسار الإسلامي والعلمنة المتمحكة بالإسلام.. ماذا عسى العقلنة الاعتزالية أن تقول ازاء هذه الشهادات الدامغة من علماء الأمة على اختلاف مشارهم وتباين عصورهم؟! أعتقد أن جوابهم جاهز: إنها مؤامرة تاريخية كبرى!!

الحافظ شمس الدين الذهبي:

يقول الحافظ في كتابه (سير أعلام النبلاء) في ترجمة علي بن محمد تحت عنوان (الخبيث): “هو طاغية الزنج، علي بن محمد (..) افترى وزعم أنه من ولد زيد بن علي العلوي، كان من منجماً طرقياً ذكياً حرورياً ماكراً، داهية منتحلاً، على رأي فجرة الخوارج، يتستر بالإنتماء إليهم وإلا فالرجل دهري فيلسوف زنديق. ظهر بالبصرة واستغوى عبيد الناس وأوباشهم فتجمع له كل لص ومريب، وكثروا فشد بهم على أهل البصرة، وتم له ذلك واستباحوا البلد، واسترقوا الذرية، وملكوا، فانتدب لحربهم عسكر المتعمد، فالتقى الفريقان وانتصر الخبيث واستفحل بلواؤه، وطوى البلد وأباد العباد، وكاد أن يملك بغداد وجرت بينه وبين الجيش عدة مصافات، وأنشأ مدينة سماها (المختارة)، في غاية الحصانة، وزاد جيشه إلى مائة ألف، ولولا زندقته ومروقه لاستولى على الممالك”[66]

سبب خروجه ودعوته إلى فتنته:

يقول الذهبي: “بعد مصرع المتوكل وابنه أولئك الخلفاء المستضعفين المقتولين، نقض أمر الخلفاء جداً وطمع كل شيطان في التوثب، وخرج الصفّار بخراسان، اتسعت ممالكه، وخرج هذا الخبيث بالبصرة وفعل ما فعل، وهاجت روم وعظم الخطب”[67]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى