مقالات

ما هكذا تورد الإبل… رسالة إلى الرئيس التونسي

أنور الغربي

الأمين العام لمجلس جينيف للعلاقات الدولية والتنمية
مستشار سابق في رئاسة الجمهورية
عرض مقالات الكاتب

اطلعت على ما نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية حول مكالمة هاتفية جرت بالأمس بين الرئيس قيس سعيد والجنرال -الرئيس عبد الفتاح السيسي . وتثير الملفات الثلاثة التي تم التطرق إليها بحسب الرئاسة وأكدت على تطابق وجهات النظر فيها، أكثر من تساؤل وتزيد من المخاوف حول التوجهات التي ستعتمدها الرئاسة في المرحلة القادمة. وسأكتفي هنا برد سريع حول ما نشر على صفحة رئاسة الجمهورية وسأنشر لاحقا في موقع أحد المراكز البحثية المتخصصة مقالا حول الديبلوماسية التونسية ومآلاتها.
وبالرجوع إلى المكالمة بين الرجلين، يظهر بحسب ما نشر بأن هناك تطابقًا في وجهات النظر في ملفات ثلاث هي -الملف الليبي وسد النهضة وكيفية التصدي لجائحة كورونا.
وباعتقادي هناك تباعد كبير في كيفية معالجة هذه الملفات ولا أدري سبب إصرار رئاسة الجمهورية على بعث رسائل ملتبسة للمتابعين. فالديبلوماسية لا تعني إرضاء الجميع والحديث مع الجميع دون محتوى محدد ولا ملفات حقيقية يتم العمل عليها لتنزيلها. ما نعرفه أن أي اتصال من رئيس الجمهورية تترتب عليه متابعة من وزارة الخارجية للتنفيذ وهذا على ما نعلم غير موجود في الوقت الحالي مع الأسف الشديد.
ففيما يتعلق بالملف الأول، سد النهضة، فإنه من غير اللائق والمقبول ديبلوماسيا أن يتم التعرض لهذا الملف خاصة وأن أثيوبيا ردت بقوة وحتى باستهزاء على موقف و”قرار الجامعة العربية ” منذ أسابيع بخصوص هذا الموضوع. كما أن الموقف التونسي لا تأثير له وتتضرر منه بلادنا ولا يجلب أي منفعة خاصة مع الالتباس والغموض في الموقف المصري الرسمي من هذا الموضوع وهذا ما عبرت عنه كل الأطراف التي تدخلت ومنها المانيا وأمريكا والاتحاد الافريقي. وبالأمس وصلت إلى تونس طائرة من اديس أبابا عن طريق الخطوط الإثيوبية محملة بهبة من رجل أعمال صيني متكونة من تجهيزات لمواجهة وباء كورونا وتمت العملية بتنسيق ودعم من الحكومة الأثيوبية. كما أن مجال التعامل والتبادل كبير جدا مع أثيوبيا مقر عدد من الهيئات الأممية والاقليمية ومنها الاتحاد الافريقي. وقد طالبنا مرارا برفع نسق التعاون وتنويعه في كافة المجالات خاصة مع أهمية السوق الإثيوبية وجاذبيتها بالنسبة لرجال المال والأعمال من حيث مناخ الاستثمار وفرص التعاون، إلى جانب كونها سوقا كبيرة وواعدة تضم أكثر من مائة مليون ساكن وتعتبر بوابة لبقية دول القرن الإفريقي. ما الرسالة التي أرادت الرئاسة إيصالها ولمن ؟
ويتعلق الملف الثاني بوباء كورونا. وكانت بلدنا سباقة في اتخاذ إجراءات فعلية للحد من انتشار المرض. وفي بلد ديمقراطي يتميز بمجتمع مدني يقظ ومنفتح على الخارج، لا يمكن اخفاء حقيقة الاوضاع وتزييف الأرقام. وبحسب ما نعلم، لم يتم ذكر تونس بالاسم من أي جهة كانت باعتبارها مصدرا للوباء بينما في مصر فان حلفاء وأصدقاء النظام مثل السعودية والامارات وحتى البحرين لم يجدوا من بديل غير التضحية بحليفهم مؤقتا لحماية أنفسهم وسارعوا بتوقيف الرحلات من والى مصر قبل أن يصبح الاجراء عاما. كما ان عديد التقارير المختصة تؤكد بأن مصر وسوريا والعراق والسودان لا تنشر الحقائق المتعلقة بانتشار الباء لديها. وبالإضافة إلى ذلك فإن العديد من التقارير الحقوقية ومنها الأممية أكدت على الوضع الصحي المأساوي للمساجين في مصر وتطالب بإيجاد حلول انسانية قبل حلول الكارثة. ولا أتصور بأن مساجين الرأي في مصر وفي كل العالم سيكونون سعداء عند الاطلاع على موقع الرئاسة في تونس .
وأما الملف الثالث فيتعلق بالوضع في ليبيا. وليس خافيا على أحد بأن الحليف الرئيسي للواء المتقاعد خليفة حفتر هو عبد الفتاح السيسي وهذا ما أكدته التقارير الأممية. وحتى بالنسبة للمعدات الإماراتية والسعودية والفرنسية والروسية فإنها تمر كلها أو أغلبها من الأراضي والأجواء والبحار المصرية. وإن المطالبة بحل داخلي ليبي أمر مطلوب ومحمود ويجب التذكير به ولكن في ظل تعنت البعض ورغبة آخرين وإصرارهم على إيقاف مسار الحرية والكرامة لدى الشعوب العربية فإنه من العبث الحديث عن مثل هذه البديهيات مع أطراف معلوم سلفا موقفها وهي لا تخفيه بل تسعى لتقويته وكسب حلفاء جدد له وهذا ما فضحته التدخلات الخارجية المختلفة في ليبيا.
فالمطلب بلا شك عقلاني ووجيه ويجب اقامة الحجة على الجميع. فالشعب الليبي كما المصري يبحث عن الحرية والعدالة وسيادة القانون والحوكمة وهي ذات المطالب التي أوصلت بلادنا لما نحن فيه اليوم ولكن القضايا الكبرى تحتاج أفعالا ومتابعة للتفعيل والتنزيل وقبل هذا وذاك تحتاج لوضوح في التمشي وهو أمر يحتاجه الحلفاء قبل الخصوم.
ما أصبح معلوما اليوم أن عصر ما بعد وباء كورونا ليس كما قبله وأن الكيانات الوهمية أكانت اقليمية أو دولية مآلها الاندثار وعلى الرئاسة أن تستمع للخبراء والمختصين الوطنيين وأن تسارع بنحت خطها الديبلوماسي وتموقعها على الساحة في الحقبة “ما بعد الكورونا” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى