مقالات

جائحة كورونا والجمع بين اتخاذ الأسباب الدينية والدنيوية

ظاهر صالح

كاتب وباحث فلسطيني
عرض مقالات الكاتب

خاص بموقع رسالة بوست
في ظل الانتشار المتسارع لفيروس كورونا، المعروف طبياً ب”كوفيد 19″، ومداهمته معظم الدول بمختلف القارات وتصاعد حالة من الذعر والقلق الشديدين بصورة غير مسبوقة، وتوقف عجلة الحياة في الكثير من الدول، أجبر تفشي الفيروس دول العالم على اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الوقائية، منها وقف الرحلات الجوية، وتعليق الدراسة، ومنع التجمعات العامة، وإيقاف صلوات الجماعة، وإغلاق الحدود البرية، وتأجيل فعاليات في مختلف المجالات، وصولاً إلى إعلان حالة الطوارئ العامة في معظم بلدان العالم .

لقد أرغم فيروس كورونا مئات الملايين على الجلوس في منازلهم، ودفعت بالسلطات في دول العالم إلى اتخاذ قرارات وإجراءات احترازية لمنع إصابة شعوب تلك الدول بالفيروس الآخذ بالتمدد من مكان إلى آخر، ووضعته على صفيح ساخن، وسط سباق محموم من الدول الكبرى لإيجاد لقاح أو دواء للفيروس.

وعملاً للأخذ بالأسباب، وإن كانت حاجتنا إلى الوقاية من الأمراض واجبة، فإن حاجتنا للإيمان بقدر الله تعالى والتوكل عليه واللجوء إليه، والمسلم أمام الشدائد يجب أن يكون قوي الإيمان، رابط الجأش، مطمئن القلب، ينشر الأمن والأمل في النفوس، ويقطع طريق الخوف والذعر على الناس.

فالله سبحانه وتعالى هو المقتدر والقاهر فوق عباده يخلق ما يشاء، كل شيء في الكون في قبضته له مقاليد السموات والأرض، لذلك لا بد أن يكون لنا من الله واعظ، ولا بد أن نرجع إلى الله في كل نائبة تحدث، ولا بد أن يتحمل كل إنسان مسؤوليته، سواء كان يعمل في نفسه، وماله، وأهله، أومصالح المسلمين، ينبغي أن يقوم بما عليه من المسؤوليات، ولنحذر من إخافة الناس، كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع وفي رواية، كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع فلا تنقل أي إشاعة، لا يستعجل في نقل الأخبار قبل التأكد منها والتثبت، وكذلك فإن الإنسان قد يعلم أشياء ويكتمها لأجل المصلحة، لئلا يثير الذعر بين الناس، والآن يطير الناس بأخبار بعضها صحيح، وبعصها الآخر غير صحيح، وبعضها مضخم مبالغ فيه، له أصل لكن جرى عليه تهويل، وبعضها صحيح في حجمه، لكن ليس من المصلحة نشره ولا نقله، ومع هذا التطور الإعلامي الهائل لم تعد أصول الرواية وضبط الأخبار على حسب الشريعة معمولاً بها، فإن أدنى خبر يفاجأ به الناس، وقد ينتج عن هذه التهويلات خسائر عظيمة للمسلمين.

نعتقد أنه لا يغني حذر من قدر، وأن كل الإجراءات الاحتياطية إذا اتخذت فإن الله إذا أراد شيئاً سيكون، ولكن هل هذا يمنع من اتخاذ الإجراءات الاحتياطية؟إن الله سبحانه وتعالى إن أراد أن يحدث شيء بالرغم من كل الاحتياطات سيحدث، ونتوكل على الله، ونلجأ إليه، ونتضرع إليه، وندعوه، ونجمع بين السبب الشرعي والقدري، نجمع بين اتخاذ الأسباب الدينية والدنيوية، وهذا هو اليقين والتوكل الحقيقي، وهذا هو الصواب، وهذا هو العقل الصحيح.

نعلم أن ما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا، لكن المصيبة لها أسباب، لها فيروسات، لها أشياء تؤدي إليها وتوقعها، ولكن السبب الذي من وراء ذلك الذي لا يراه كثير من أهل الأرض هو ما عملته أيديهم من ظلم، وعصيان الله تعالى، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا سواء أدركوا الربط هذا أو ما أدركوا، لكن هذا هو الدليل الشرعي على أن لهذا علاقة، سواء أكان ما حدث أمراً طبيعياً أو عادياً عند البعض، أو كان نتيجة مؤامرة ونحو ذلك، فإن المحصلة في النهاية هي جائحة ومصيبة، والله سبحانه وتعالى أخبرنا “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ” وسواء دبّر هذه المصيبة بتقدير الله أناس من البشر عبثت أيديهم في سلالات من هذه الأوبئة، أو كان شيئاً أصاب الله به بعض ما يملك العباد مباشرة دون أن تدخل فيه أيد من البشر فالكل من تقدير الله عز وجل، ولكن ينبغي على العباد أن يعلموا بأن ما أصابهم يكون على نوعين، ما يصيب أهل الإيمان فهو ابتلاء يزيد الله به حسناتهم، ويرفع به درجاتهم، وما يصيب أهل الفسق والعصيان فإنما هو عقوبة لعلهم يرجعون إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الله إذا أراد موتهم سيبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، وهي أماكن القتل فالمضجع مكان الموت، فيجعل الله سبباً وأسباباً ليخرج هؤلاء إلى الأماكن التي قدر أن يموتوا فيها ليموتوا فيها، فلا يغني حذر من قدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى