مقالات

ابواب الحقيقة

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

ردا على ما نشرهُ الاستاذ الصحفي عبد الحسين عودة العطية اقول :
كان غزو امريكا ومن تحالف معها للعراق جريمة مُركبة . فبالإضافة لاحتلاله تم اغتيال او اعتقال قياداته وكوادره العلمية وتدمير بناه التحتية واشاعة الفوضى والسماح لأعدائه الصفويين باستلام السلطة . وصار حالنا حالَ المُهاجرين الذين فروا إلى الجبال . ثم انتشر بينهم مرض فقدوا على إثرهِ أبصارهُم . فأورثوا أبناءهم العمى جيلًا بعد جيل … وحين كان احدهُم يمشي بين المُرتفعات يوما انزلقت قدماهُ فسقط . وعندما حاول النهوض رأى بيوتا غريبة الشكل . ألوانها فاقعة وليس لها نوافذ .

قال في نفسه أن الذي بناها أعمى ؟

وتذكر المقولة الشهيرة : في بلد العميان يُصبحُ الأعور ملكًا … أخبرهم أنه أتى من حيث يُبصرُ الناس . تحسسوا عينيه التي بدت لهم عُضوًا غريبًا . فهم يعرفون كل شيء من خلال آذانهم ويستخدمون أنوفهم لتمييز رائحة الكَذِب . راح يصف لهم جمال الأزهار والانهار والأشجار . يبتسمون ولكنهُم لا يُصدقوه . وبعد فترة عشق فتاة . لم يُوافقوا على زواجه منها رغم انها كانت تُحبهُ فعلًا . كان رأيهُم قاطع . الرجل عندهُ شيئان غريبان مُنتفخان يُسميهما ( عينين ) وهذا العضو أتلف مُخهُ ولابد من إزالتهُ ليسترد عقله . بالتالي يُمكنهُ أن يتزوجها . ارتمت على صدره وبكت وهمست : ليتك تقبل !

في هذه البلدة صار العَمى شَرطًا ليصبح الإنسان مُواطنًا صالحا … لكنه عندما نظر إلى السماء قرَر الهُروب . هناك لحظة تُدرك فيها أن الخطأ يسود وينتشر من حولك . ويُصبح الثابت على الحق كالقابض على الجَمر . تشعر بالغربة والإختلاف . وقد يأتي الوقت الذي تقرر فيه أن تتخلى عن عينيك لتُصبح كالآخرين . لكن لو كنت محظوظًا ستعرف فداحة ما ستفقده .

وعندما تختلط عليك الامور تذكر قول الشافعي : اذا اردت ان تعرف اين الحق فاتبع سهام العدو …
اين هي سهام العدو الان ؟

كلما تذكرت قصة العميان أقرر أن أصمد . وأعرف أن أولى خطوات الرضوخ ستكون هي ساعة انتزاع عيني . وحينها تُصبح حياتي أسهل وسأكون مُواطنًا مُحترمًا عندهُم . لكني أفلتُّ منهُم في كل مرة مع خسائر أقل فداحة لان الهزيمة تترك مذاقًا مريرًا في الفم .. كثيرا ما تسمع وترى تفاهات . وتكتشف مع الوقت انك في شيء يشبه الناعور . يدور ويدور . ثم يعود من حيث بدأ . وفي النهاية يجد المرء نفسه في مركز الألم . ولكني مع ذلك قررتُ أن احتفظَ بعيني حتى لو أصيبَ كلُ من حولي بالعَمى …

في الوقت الذي تُركَ فيه الرئيس رحمهُ الله وكبار الضباط والمفكرين والكثير من النساء اللواتي يُمثلن مُنتهى الاهمية في ديننا واعرافنا التي توارثناها يوم كان لنا قيم . يومَ كانت تحرك مشاعرنا وافكارنا قبل ان نتخلى عنها من اجل المال او المناصب او الولد واخيرا فرطنا حتى في البلد . وبات احدنا يطعنُ ويُخَوِّنَ الاخر وينكل به او في عرضه دون دليل . حتى لم يعد هناك في الافق أي قدوة او شخصية يثق بها او يحترمها الناس او يمكنها التورط في قيادة هذا الشعب . وكلنا نعرف ان الاعداء لايفهمون الا لغة القوة . وما تأكد لنا ايضا ان من يزعم تحرير الامة عليه ان يكون لديه قلب القائد الذي يجمع تحت عباءته كل التنظيمات او الشخصيات الاجتماعية المُؤثرة عسى ان يرى الشعب من خلاله بصيص امل في التغيير الذي اراه بعيدا جدا في ظل وجود هذه الوجوه التي تعتبر نفسها آلهة وتغلبت الانا على عقولها البائسة وبات الجميع يُريد ان يصبح الفرعون الكبير الاوحد وكل من حوله عبيد .

فإلى أصحاب الزنود السُمر والعَضلات المَفتولة أقول : منذ 2003 حتى الان طال الاتهام بالعمالة جميع القيادات الوطنية . الكل تحت هذه المطرقة والمصيبة ان السندان لأخيك الحداد او ابن عمك الذي تعرفه جيدا فهو منا وفينا . طيب من هو الشريف الذي نُصدقهُ ونأمل فيه انقاذ هذا البلد المَسكين الذي يُقتل منه وفيه كل يوم العشرات واحيانا المئات بشتى الاساليب والاكاذيب وعلى من تربوا عينيه بعد الله ؟

الا نتعلم من المُقاومة الايرانية الذين تجمعوا تحت اطار المجلس الوطني وانتخبوا السيدة مريم رجوي لقيادتهم ونحن لانصدق ان يوضع في طريقنا اسما من الاسماء التي يملأ صفحات تاريخها الكثير من البطولات والاعمال الرائعة والمواقف المُشرقة حتى نُهرول جميعا للطعن فيهم وفي انسابهم واحسابهم واخلاصهم وننشر كل ما لذ وطاب من التُرهات من اجل تسقيطهم . لماذا ؟

في الكثير من مقالاتي قلت واكررها : ان لم تتجمعوا على غاية وراية واحدة فلا تتعبوا انفسكم بالتفكير في التحرير والتغيير وشعبكم قبل عدوكم لن يحترم تشكيلاتكم تلك التي وصلت الى عشرات الفصائل والجبهات وتذكروا قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)

كُلنا رأينا الموقف التاريخي والبطولي الذي وقفهُ الدكتور خليل الدليمي . والذي تمنينا جميعا ان نكون بدلا عنهُ او معهُ . ورأينا المُتخاذلين من القُضاة او الذين اتخذوا موقفا مُشرفا كالأستاذ رزكار محمد امين الجاف والذي كسب من خلاله حُب الشارع العربي كُله . طيب الم يكن من الأولى النقاش والتباحث حول ذلك الطرح لو كنا فعلا نعمل من اجل الوطن ؟ أليس غريبا ان تلاقي الدعوة الى الوحدة والاجتماع على كلمة واحدة هذا الرفض والتنكيل والكثير من التجاوز ؟

طيب أي بلد نريد انقاذه وكيف ؟ بالتفرقة والتباغض ؟

ام باعتبار الجميع عملاء مُندسونَ يدورون على ابواب السفارات ؟
اذا كان الدكتور خضير المرشدي عميل والدكتور حارث الضاري رحمه الله عميل والدكتور عبد الصمد الغريري عميل والدكتور خليل الدليمي عميل . الخ والقائمة طويلة . رغم كل ما رأيناه منهُم من مواقف …

اذن من هو المُخلِص وما هي المَقاييس التي من خلالها تُحددُ هذهِ الصِفة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى