تحقيقات

تعزيزات تركية إلى إدلب: ماهو الهدف؟

أحمد الحسين – رسالة بوست

واصل الجيش التركي دفع تعزيزات عسكرية إلى محافظة إدلب، في خطوة لتطبيق اتفاق موسكو مع الجانب الروسي، تحديداً لجهة استعادة حركة السير على الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط بين غرب سورية وشمالها (حلب ـ اللاذقية)، في وقت يعي الأتراك والروس صعوبة اتفاقهما في العاصمة الروسية موسكو، مطلع الشهر الحالي، حول محافظة إدلب ومحيطها في الشمال الغربي من سورية، في ظل سعي قوات النظام ومليشيات إيرانية إلى تجاوزه والاستمرار في الحملة العسكرية وفرض وقائع جديدة على الأرض بقوة السلاح. وقد استغلت مجموعات متشددة عدم تأييد الشارع السوري المعارض للاتفاق، خصوصاً لجهة عدم توفير بيئة آمنة لعودة أكثر من مليون نازح إلى ديارهم، بغية تأليبه ضد الاتفاق، في وقت يتهم النظام السوري الجانب التركي بخلق وقائع ميدانية تتنافى مع الاتفاقات بين الروس والأتراك في سوتشي وموسكو.
في السياق، رُصد وصول رتل تركي مؤلف من عشرات الآليات العسكرية والدبابات، مساء السبت، على طريق “أم 4″، حيث اتجه غرباً نحو مدينة جسر الشغور، مستقراً قربها في قرية المشيرفة. ويشير حجم الآليات والعتاد إلى أن الجيش التركي ينوي إقامة نقطة عسكرية جديدة في المنطقة، في إطار تعزيز وجوده حول الطريق الذي اتفقت أنقرة وموسكو على تسيير دوريات مشتركة عليه، لكنّ معتصمين أعاقوا مشاركة الآليات الروسية. ووصفت مصادر محلية الرتل بأنه “الأضخم” بين الأرتال التركية التي توجهت إلى المنطقة منذ أيام عدة، مشيرة إلى أن تلة المشيرفة هي من التلال الحاكمة والمرتفعة شمال الأوتوستراد، لإشرافها مباشرة على منطقة سهل الروج بريف إدلب، ومنطقة الغاب بريف حماة.
ورجحت هذه المصادر أن يكون الهدف التركي من إقامة هذه النقطة العسكرية في ريف إدلب الغربي، هو الحيلولة دون تقدّم قوات النظام باتجاه مدينة جسر الشغور الاستراتيجية التي لطالما كانت هدفاً لقوات النظام منذ خروجها منها بشكل مذل في بدايات عام 2015. ولم يحسم اتفاق موسكو مصير المدينة الواقعة على نهر العاصي، وتبعد نحو 50 كيلومتراً عن مدينة إدلب. وهو ما فتح الباب للمطالبة باستعادتها مع مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي. ويسعى النظام إلى استعادة جسر الشغور من أجل استكمال السيطرة على ريف اللاذقية الشمالي برمته، في ظلّ استعصاء تلة الكبانة ومحيطها عليه رغم عشرات محاولات الاقتحام على مدى نحو عام.
وسبق للجيش التركي أن أنشأ قبل أيام نقطة عسكرية جديدة، بالقرب من قرية بسنقول، غربي مدينة إدلب، ليصل عدد نقاط المراقبة والانتشار في أرياف إدلب وحماة وحلب إلى نحو 44. وكانت القوات التركية قد سيّرت، أول من أمس السبت، دورية خاصة بها من دون مشاركة الجانب الروسي، على الطريق الدولي “أم 4″، لتكون الدورية الثالثة من نوعها منذ 15 مارس/آذار الحالي، التاريخ الذي اتفق فيه الطرفان على بدء تسيير الدوريات.
وكان الاتفاق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين المبرم في موسكو في 5 مارس الحالي، نصّ على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4″، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتّفق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول “أم 4″، فيشير إلى بدء تسيير دوريات مشتركة روسية تركية على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غرب سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس الحالي. وكانت وزارة الدفاع الروسية ذكرت في بيان أنه “تم منح وقت إضافي للجانب التركي لاتخاذ إجراءات خاصة بتحييد من وصفتها بالتنظيمات الإرهابية”، وضمان أمن الدوريات المشتركة على الطريق “أم 4”.
وكان وقف إطلاق النار الجديد في محافظة إدلب ومحيطها دخل يومه الـ17 على التوالي، باستمرار الهدوء الحذر والنسبي في عموم المنطقة، وسط توقف متواصل للقصف الجوي منذ 6 مارس. ولكن قوات النظام تخرق الاتفاق بين يوم وآخر، إذ أفاد ناشطون أن قوات النظام قصفت ليل السبت – الأحد قريتي الفطيرة وسفوهن، إضافة إلى تلتي الحدادة والخضر بريف اللاذقية الشمالي.
وطفت على السطح أخيراً تحديات تواجه تطبيق الاتفاق بين الروس والأتراك، تحديداً لجهة استعادة حركة المرور على طريق “أم 4”. ويخشى الأتراك من اتخاذ الجانب الروسي هذا الأمر ذريعة للعودة إلى التصعيد مجدداً، خصوصاً أن الاتفاق يتضمن بنداً يدعو إلى محاربة المجموعات الإرهابية.
يبدو أن هناك مؤشرات على نيّة الأتراك القيام بعمل عسكري ضد المجموعات المتشددة الرافضة للاتفاق المنضوية في غرفة عمليات “وحرّض المؤمنين”، التي أُنشئت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وتضم “تنظيم حراس الدين”، و”جبهة أنصار الدين”، و”أنصار التوحيد”، و”جماعة أنصار الإسلام”.
يذكر أن آلاف الجنود الأتراك الذين توزعوا في عموم محافظة إدلب “على الأرجح عليهم مهمة سحق أو حل هذه المجموعات في وقت قريب، حسب تعامل هذه المجموعات مع التحرك التركي”.
في المقابل، ينظر النظام السوري بارتياب إلى التحركات التركية في إدلب، حيث وصفت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام الخطوات التركية على الطريق الدولي “أم 4” بـ “المسرحية”، مدّعية بأنها “لا تنمّ أبداً عن جدية في تمهيد الطريق كي تسلك شريطه الآمن الدوريات المشتركة الروسية التركية بعمق 6 كيلومترات على طرفيه”. وأضافت أن “الدورية التركية الأحادية الجانب ومن دون عربات روسية، لم تتمكن يوم الخميس الماضي من السير على الطريق الدولي، سوى لمسافة 4 كيلومترات من ترنبة إلى محيط مفرق بلدة النيرب. وهي المسافة ذاتها التي قطعتها الدورية المشتركة الروسية التركية الأسبوع الماضي، قبل أن تعود أدراجها، وذلك من أصل 70 كيلومتراً من المسافة المفترض تأمينها لسير الدوريات المشتركة”. وتابعت الصحيفة: “الجانب التركي أقام نقاطاً عسكرية جديدة بمحاذاة الطريق، وصل عددها إلى أكثر من 30 نقطة بذريعة مراقبته، وإبعاد الخطر عنه لتسيير الدوريات المشتركة، من دون التنسيق مع الضامن الروسي للاتفاق، ولكي تصبح أمراً واقعاً يصعب الاستغناء عنه في المدى البعيد،
بما يخلق واقعاً ميدانياً يتنافى مع بنود اتفاقي سوتشي وموسكو”
من جهته، يرى الباحث التركي طه أوغلو، أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواجه معضلة صعبة على الساحة السورية، تبرز ملامحها بشكل كبير في إدلب، مع محاولة أنقرة تجنب تحولها إلى الخاسر الأكبر هناك، في ظل مواصلة نظام بشار الأسد حملته العسكرية بلا هوادة ضد المدنيين، وسط دعم واضح من الروس والمليشيات الإيرانية”. ويضيف ، أن أنقرة ترى أن شن عملية ضد قوات الأسد، لا يزال محتملاً إذا ثبت أن المفاوضات السياسية بين أنقرة وموسكو غير مجدية، لكنها تحاول تجاوز التحديات التي تواجه اتفاق موسكو حول إدلب، وفي مقدمتها عدم وضوح مصير بعض المناطق، تحديداً تلك الممتدة جنوب الطريق الدولي أم 4 وشرق الطريق الدولي أم 5 (حلب ـ دمشق) وعدم وضوح مصير النقاط التركية المحاصرة، وتصريحات النظام السوري المستمرة عن رغبته في استعادة كافة المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة”. ويشير عودة أوغلو إلى أن “الدوريات الروسية التركية المشتركة واجهت تحديات أمنية مختلفة”، معبراً عن اعتقاده بأن ذلك “يصعب من صمود الاتفاق في المرحلة المقبلة”. ويضيف: “في ظل الأوضاع الحالية كان من المستحيل التوصل إلى اتفاق دائم، لأن طموحات الطرفين (التركي والروسي) مرتفعة للغاية وسقف الخطاب عال جداً، خصوصا للجانب التركي، وكان يجب القيام بشيء ما على الأرض من دون تأجيج التصعيد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى