مقالات

سوريا الصّراع المفتوح والسّلام المفقود

يوسف الحمود

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

شكّلت عمليّات ما يسمّى “درع الرّبيع” التّركيّة الأخيرة في الشّمال السّوريّ جدلاً وضجيجاً سياسيّاً هائلاً بحسب التّباينات والتّقاطعات الإقليميّة والدّوليّة اتّجاه هذا التّدخل التّركيّ الّذي طال الحديث عنه والاستعداد له من جهة السّاسة الأتراك ووسائل إعلامهم، فالنّظام السّوريّ والإيرانيّون كارهون ورافضون لهذا التّدخل مع عجز عن مقاومته لأنّهما كانا يريدان الحلول مكان الأتراك وتجريف المنطقة لصالح النّفوذ الإيرانيّ الّذي يتربّص به الحليف الرّوسي ويحاول لجم إيران واستثمار المشهد لمصلحته العسكريّة والإستراتيجيّة، بينما يقف الغرب بشقّيه الأوربيّ والأمريكيّ في خط الرّفض والمناوئة للمشروع التّركيّ، رغم أنّ الموقف الأمريكيّ مساند للأتراك من حيث الشّكل دون فعل عسكريّ أو تحرك ميدانيّ، لأنّ الموقف الأمريكيّ موقف حرج في عدم وقوفه مع الجانب التركيّ، مقابل الجانب الرّوسيّ الإيرانيّ، ولم يرتبك المشهد الدّوليّ كما ارتبك عند التّدخّل التّركيّ نظراً لعمق الخلاف والاختلاف مع المشروع التّركيّ ممّا فهّم أرودغان بأنّ الغرب لن يقبل بالتّدخّل الترّكي العسكريّ، وهذا ما جعل الأتراك يندفعون منفردين ولكن ضمن استراتيجيّة الحفاظ على العلاقة مع روسيا من خلال دبلوماسيّة المرونة القصوى المحكومة بالبراغماتيّة والثّنائيّة المصلحيّة بين الطّرفين على حساب الاستحقاقات الثّوريّة والإنسانيّة والسّياسيّة للشّعب السّوريّ.

ومن المعلوم أنّ المطالب التّركيّة من الناتو كالدّعم العسكريّ ومنطقة حظر الطّيران لتحييد قوات النّظام لم يتحقّق منها شيء، كما أنّ وعود تركيا بإرجاع النّظام إلى ما بعد خطوط سوتشي لم يتحقّق بعد أن قضم النّظام والرّوس نصف الأرض المحررّة في ريف إدلب وحلب، وهذا يجعلنا ندرك بأنّ التّصعيد بين الأتراك والروس هو تصعيد تفاوضيّ لا تصعيد صراعيّ حيويّ لأنّ التّباين في الملفّ السوريّ لن يهدم المصالح المشتركة من التّعاون التّجاريّ والاستثمارات وخط غاز استراتيجيّ وملفات أخرى في البحر المتوسّط وأوكرانيا.

فالطّرفان التركيّ الروسيّ لهما مصلحة في إبقاء سوتشي- أستانة، لمنافسة مسار جنيف والضّغط على الغرب حتّى في شرعيتّه الدّوليّة، ولكن يبقى خيار ضاغط لدى الأتراك هو تسليح فصائل المعارضة كما حدث بإسقاط الطّائرتين للنّظام السّوري، ولكن إلى إي مدى يسمح بوتين بهذه اللّعبة التّي تخلّ بالتّوازنات وتهدّد هيبة روسيا إقليميّاً ودوليّاً ؟.

إنّ الاتّفاقات السّابقة منذ  /2017/ لم تحُل بين التّوسّع من جهة النّظام وروسيا في كلّ العمليّات العسكريّة الماضية، وكأنّ الروس يرسمون دائماً إستراتيجيّة الاتّفاق الجديد لا القديم من خلال إدراكهم لضعف أوراق اللّاعبين الإقليميّين والدّولييّن في الحقل السّوريّ، ممّا يمكنهم من الانقضاض على إدلب وباقي ما بقي في أيدى الفصائل المقاتلة، لأنّ الجانب الرّوسي يدرك معادلة أنّ اليد الأقوى فاعليّة ووجوداً هي اليد الرّوسيّة في الواقع السّوريّ وعلى الآخرين القبول بالحلول والتّسويات المطروحة روسيّاً، والأتراك يريدون تحصين وتحصيل الاستحقاقات والمصالح دون الاصطدام مع الرّوس ممّا يضعف الإرادة ويوهن إرادات الصّراع الحقيقيّ لهم، ويجعل إمكانيّة ضرب إدلب وتهجير المدنيين مرةً أخرى احتمالاً ممكناً وخياراً قائماً، فبوتين صاحب معادلة الاتّفاق أوّلاً ثمّ التّوغّل والتّدمير ثانياً في أغرب مفارقات الصّراع السّياسيّ العسكريّ المعاصر في القرن الحالي، بهذه الخارطة المعقّدة والمضطهِدة للشّعب السّوري وطموحاته وحقوقه وكرامته يضيع صاحب الحقّ ويختلف المقاولون على الحصص والشّراكات! والسؤال المحوريّ في هذه المعادلة هل من الممكن أن يحل السّلام في شريط حدوديّ ضيّق مع تركيّا وتُترك السّاحة الجغرافيّة السّياسيّة في سوريا محلاًّ للتدمير والتّفتيت في عالم انهيار القيم وسقوط الحقوق وخاصّة لدى الغربيّين، وإدمان شركاء النّظام من الرّوس والإيرانيين الولوغ في الدّم السّوريّ والزّيادة من نسبة الاستهداف في إدلب وريفها رغبةً في الاستيلاء على إدلب وإرجاعها للنّفوذ المشترك، بينما يستحوذ الأمريكان في الطّرف الآخر وشركاؤهم الأكراد على ما بقي من شرق الفرات في معادلة طويلة وبعيدة لعدم رغبة الأمريكيين في حلّ حقيقيّ وقريب ورفضهم إعطاء الرّوس تنازلات في مواقع أخرى فأمعن الرّوس في زيادة تمزيق وتدمير الورقة السّورية ومصادرتها لتأسيس أعماق مستقبليّة ومصالح إستراتيجيّة قادمة، وهنا يأتي المشروع التّركي ليدفع الخطر الإرهابيّ عن نفسه دون أن يكون قادراً عن دفع التّدمير والقتل عن السّوريين في حقل شراكته مع الرّوس والإيرانيين ودون أن تنجب المشاريع السّياسيّة المطروحة حمايةً للشّعب السّوريّ، ومن آخرها مشروع اللجنة الدّستوريّة الّذي جاء إنقاذاً لعورة وعجز المجتمع الدّوليّ عن تطبيق مقرّرات الشّرعيّة الدوليّة لا لحماية المدنيين وإيقاف إجرام النّظام وحلفائه، ممّا بلغ بالمهزلة حدّاً فضيعاً أنّ الرّوس يطلبون أن لا تتضرر المفاوضات في شأن اللّجنة الدّستوريّة بالقصف في إدلب! والمعادلة المطروحة إقليميّاً ودوليّاً ما هو الثّمن المقابل لسوريا في اللّعبة الدّولية والصّراع الجيوسياسيّ في المنطقة بين الّلاعبينِ الدّوليينِ الكبيرينِ إضافة للّاعبينَ الإقليميينَ، فهناك أثمان دائمة في الحقل السّياسيّ، ولكن يبدو أنّه لا يوجد ثمن لدم الشّعب السّوريّ في الصّراعات والمصاولات في المشهد الدّوليّ، بل إنّ رغبة اللّاعبين الإقليميين والدّوليين هي مزيد من التّوغّل في الصّراع وتحصين الأوراق الأكثر فاعليّة وقوّةً مع غياب السّلام الحقيقيّ أمام السّوريين لتكون النتيجة ازدياد وتوسيع آفاق الصّراع وإغلاق بوابات وآفاق السّلام.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تفاصيل الصراع في سوريا تشير بوضوح الى وجود قرار أمريكي بالدرجة الأولى، واوروبي ثانيا، بالعمل المكثف لتدمير مقومات المجتمع السوري لكي لا تقوم له قائمة..بوتين في خطابه أمام دورة الامم ال متحدة 28 ايلول 2015 قال إن روسيا لن تزج بقواتها في سوريا، ولكنه بعد اجتماعه مع اوباما بدأ التدخل الواسع في 30 ايلول.ايضا بيان جنيف 1(30-6-2012) صاغته أمريكا بعد اجتماع اوباما مع بوتين في المكسيك..المهم أمريكا ليست مستعجلة على حسم الملف السوري ولا يزعجها المزيد من التدمير والتشريد والتهجير لتعليم السوريين معنى المطالبة بالحرية..أما تركيا فمصلحة الأمن القومي تعلو فوق كل شعارات طنانة رنانة، وخشيتها الأساس من الكانتون الكردي الذي يحظى بحماية امريكية مباشرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى