مقالات

في قواعد التحالف السياسي

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي
عرض مقالات الكاتب

تركية والثورة السورية أنموذجا … حول محاولة البعض تعكير ماء الصداقة
وللتحالفات السياسية بين الأطراف ، دولا كانت ، أو قوى ، أو منظمات وهيئات ، قواعدها التي تقوم عليها ، وتنضبط بها ، ويتم تقويم كل خطوة في إطار هذه التحالفات على أساسها . والجهل بهذه القواعد ينشئ عادة الكثير من سوء الفهم ، ومن التشاكس ، ويودي بهذه التحالفات ، بل ويهدمها ، ويفوت المصالح المتحققة منها على أطرافها . وكثيرا ما يعمد المتضررون من هذه التحالفات ، إلى اللعب على بعض التناقضات في طبيعة المواقف، أو على ما تجره المواقف العملية من تناقضات جزئية أو محدودة .. تقوم الحسابات السياسية دائما على حساب المحصلة العامة ، هل أنا رابح أو خاسر من هذه العلاقة ؟
مثل بسيط على طبيعة التحالفات السياسية نضربه ، بأخوين شقيقين يفتتحان متجرا شراكة بينهما ؛ ومع بساطة المثل ومباشرته إن لم تكن قواعد الشراكة واضحة في كل أبعادها ، ما أسرع ما تنهار ، بل تخسر أحيانا ، وينزغ بين الشقيقين الشيطان .
في الفضاء السياسي العام يجب أن نعلم أن التحالفات السياسة تكون بين المتطابقين ، وبين المختلفين . وتكون بين الأصدقاء وبين الخصوم ، وأحيانا بين الأعداء ، وتكون على أمر كلي ، وتكون على أمر جزئي ، وتكون على استراتيجيات كلية أو جزئية ؛ وإن إدراكنا لطبيعة أي تحالف سياسي هو السبيل الأمثل لاستدامته وللاستفادة منه والحفاظ عليه .
وهناك أمر آخر ينبغي توضيحه ، المشاعر الطيبة ، والحب القلبي ، والرغبة الصادقة في تقديم المساعدة والعون ، ليست من معايير تقويم التحالفات السياسية . فكثيرا ما يرى الأخ أخاه ، والصديق صديقه في أزمة أو في ورطة ، ويتحرق لهفة لمد يد العون له ومساعدته ، وإنقاذه مما هو فيه ، ولكنه حسب طاقته وقدراته لا يجد إلى ذلك سبيلا . وليس من فراغ صاغ الناس مثلهم السائر : العين بصيرة واليد قصيرة .
وبعد كل هذا نعود إلى التأكيد على بعض الركائز فيما نسميه استراتيجية الصداقة التركية للثورة السورية .
وبكل الصراحة والوضوح والمسئولية أقول إن العلاقة التركية – مع قوى المعارضة السورية ، لم ترق إلى مستوى من الندية يضعها في مرتبة هذا الحليف السياسي بعدُ ؛ ولذلك عدة أسباب منها ه قصور المعارضة السورية ، وتشتتها وتنافسها أحيانا . كان المأمول من قوى المعارضة أن تبلغ مستوى من النضج والتجسد يتيح لها أن تبنى تحالفات سياسية واعية مع أطراف كثيرةعلى أسس وقواعد واضحة ، ولكن كل ذلك لم يكن .
إن الذي القائم في الساحة اليوم هو موقف تركي إنساني أخلاقي سياسي تسبق إليه الدولة التركية في مد يد العون والمساعدة للشعب السوري في الأطر الإنسانية ، والسياسية وغيرها .وتتشابك عدة عوامل في صناعة هذا الموقف منها الثقافة والتاريخ والجغرافيا أيضا .
إن الذي يجب أن لا ينساه أي سوري هو ما يلي ..
إن القرار التركي محكوم أولا بمعادلة القدرة التركية ، في وسط شديد التعقيد ، تتصارع فيه قوى كبرى . وعلى صانع القرار التركي أن يجيد إعادة حساباته عند كل خطوة ، لأن المتربصين من حوله كثر . ولا أحد يقبل أن يلحق الضرر بمن يساعده ، لينزلق معه إلى حيث لا يحمد المقام .
وثانيا إن القرار التركي محكوم بمعادلة مصلحة الدولة التركية . وإن رئيس أي دولة يقدم مصلحة أي طرف آخر ، على مصلحة دولته وشعبه له اسم في عالم السياسة لا يليق .
ليس من اللائق أن يطلب الشقيق من شقيقه أن يلحق الضرر بنفسه لينفعه . كما يتشدق البعض بكلام لا يرضاه عاقل .
وإن الذي يجب أن نعلمه كسوريين نطمع أن يكون صديقنا حليفنا حاملا لكل همومنا معبرا عن كل ما نريد أن ما كل ما يتمنى المرء يدركه . لأن الأمور لا تجري على ما يشتهي السفن .
عمليا لقد تكشف عنوان ” أصدقاء الشعب السوري ” عن خدعة كبرى ، وهذا الذي يجب أن ندركه جيدا . ولم يبق لنا من الأصدقاء إلا القليل . وعلى رأس هذا القليل هو الصديق التركي الذي يعمل الكثيرون على حرماننا من دعمه ، لكي نبقى بلا صديق .
ويرد عليك متنطع إن التركي يعمل على مصالحه ، نعم إنه يعمل على مصالحه المتطابقة مع مصالحنا في حدود قدراته وطاقته ، وعلينا أن نستثمر في محيط المصالح المشتركة التي تجمعنا ..
ما رأينا لو ذهبت الدولة التركية مع المشروع الروسي في سورية بالمطلق ، كما تفعل دولا عربية يجمعنا معها الدين والرحم أيضا ؟!
إن الذي يجب أن نعيه كسوريين أن الصديق التركي لا يخطئ حين يقيم معادلته على ساقي مصالحه وإمكاناته باذلا كل جهد يستطيعه لمساعدتنا ، وقد تخلى عنا العالم أجمع ، وأشقاؤنا الأقربون وتُركنا كالأيتام أمام آلة القتل الروسية .
وإن الذي يجب أن نعيه كسوريين أن من واجبنا أن نستفيد أقصى ما يمكن من الدور التركي وأن نتعاون معه في حدود المصلحة المشركة ، وفضاء هذه ممتد وواسع ، وان ننسق معه على ذلك . وعندما تفترق المصالح علينا أن نمتلك اللغة الدبلوماسة المناسبة لاستدامة الصداقة وتقديم العذر .
وينبغي أن يكون لنا في الوقت نفسه استراتيجيتنا ومشروعنا الذي يزيدنا قوة ذاتية إلى قوة حلفائنا أو أصدقائنا . من المعيب أن نحمّل مسئولية ضعفنا وترددنا لصديق يبذل ما يستطيع لنصرتنا .
في تقديرنا أن الذي خرجوا بالأمس في تجمعات للتنديد بالدور التركي هم واحد من رجلين : قصير النظر عاطفي لا يدرك أبعاد خروجه وتداعياته ولا يعرف من يقف وراء الدعوة إلى هذا الخروج . وآخر مدفوع به أو له ليجرد الثورة السورية من آخر أوراق قوتها .
على الذين ينددون بالدور التركي في سورية أن يتأملوا قول شاعرهم القديم :
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم ..أو فسدوا المكان الذي سدوا ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى