مقالات

إرشاد الأنام في حكم ادّخار الطعام

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

كما تعلمون أيها القراء الأعزاء، إقبال كثير من الناس على الأسواق والمراكز التجارية منذ أن بدأت هذه الأزمة العالمية، المتمثلة في انتشار وباء كورونا القاتل ،الا لمن شفاه الله أو عافاه ، و يتسائل الكثيرون عن حكم تخزين الطعام و سائر الضروريات والحاجيات ، بل ويعتبر بعض الناس أن هذا التصرف والسلوك أمر مذموم شرعا ، وهو ينِمّ عن ما يسمونه بالحرص الزائد على الحياة !! أو كما يقال عنه في تونس “باللهفة” !! فهل هذا التصرف تصرف عادي وطبيعي ؟ وشرعي؟ أم أنه مخلّ بالأخلاق والمروءة؟؟
والجواب وبالله التوفيق ،
أن تخزين الطعام جائز لا حرج فيه ، بل مطلوب في بعض الأوقات كهذا الظرف بالذات ، الذي لا ندري إلى أين ستؤول الأمور والأوضاع ، وهو من حسن التصرف و سلوك سنة الاستشراف للمستقبل و الأدلة على ذلك ما يلي :

1 – قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام في حسن تأويله و إدارته لشؤون الدولة المالية ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) )
فارشدهم الى الادخار تحسبا لسنوات القحط والجدب ، و هذا ما يسمى بخطة الخمس عشرية في علم الاقتصاد ، وبسياسة الاستشراف والتهيء للأسوأ ، وقد قال تعالى ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ )، والقاعدة الشرعية تقرر : أن شرع من كان قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه .

2 – هدي النبي صلى الله عليه وسلم دل أيضا على ذلك
فعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم )
رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر: قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : فِي الْحَدِيث جَوَاز الِادِّخَار لِلْأَهْلِ قُوت سَنَة، وَفِي السِّيَاق مَا يُؤْخَذ مِنْهُ الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن حَدِيث ” كَانَ لَا يَدَّخِر شَيْئًا لِغَدٍ ” فَيُحْمَل عَلَى الِادِّخَار لِنَفْسِهِ وَحَدِيث الْبَاب عَلَى الِادِّخَار لِغَيْرِهِ , وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُشَارَكَة، لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ الْمَقْصِد بِالِادِّخَارِ دُونه حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدُوا لَمْ يَدَّخِر. اهـ. وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الرَّدّ عَلَى الطَّبَرِيِّ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَاز الِادِّخَار مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ , وَفِي الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخ تَقْيِيد بِالسَّنَةِ اِتِّبَاعًا لِلْخَبَرِ الْوَارِد , لَكِنْ اِسْتِدْلَال الطَّبَرِيِّ قَوِيّ , بَلْ التَّقْيِيد بِالسَّنَةِ إِنَّمَا جَاءَ مِنْ ضَرُورَة الْوَاقِع لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَدَّخِر لَمْ يَكُنْ يَحْصُل إِلَّا مِنْ السَّنَة إِلَى السَّنَة , لِأَنَّهُ كَانَ إِمَّا تَمْرًا وَإِمَّا شَعِيرًا , فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا يُدَّخَر كَانَ لَا يَحْصُل إِلَّا مِنْ سَنَتَيْنِ إِلَى سَنَتَيْنِ لَاقْتَضَى الْحَال جَوَاز الِادِّخَار لِأَجْلِ ذَلِكَ …

3 – من شروط الزكاة أن يحول عليها الحول أي السنة كلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) وهذا دليل جواز الادخار والتخزين ، كما أن جمهور العلماء على أن زكاة المعشّر أن المحصول الزراعي أن يكون مطعوما مقتاتا ، أي طعاما يدخر ، عدا الأحناف جعلوها عامة في كل ما يخرج من الأرض .

فالصواب جوازه ، ولا ينافي ذلك الرضا بقدر الله ، والإيمان بزوال الدنيا .

غير أنني أوصي ههنا بعدة وصايا :

الأولى :

تحذير التجار من الاحتكار ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يحتكر إلا خاطىء ) رواه مسلم. وهو من كبائر الذنوب ومن أكل أموال الناس بالباطل !!

الثانية :
أن لا يغبن التجار المستهلكين ، أي أن يرفعوا في أثمان السلع خاصة ما يعتبر ضروريا لحياة الناس ، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغبن ، ومن فعل ذلك فقد أكل المال الحرام .

الثالثة :

أن يتراحم الناس في ما بينهم ، وأن يتعاونوا ويتضامنوا ، وأن يرحم الغني الفقير ، والقوي الضعيف ، فإن ذلك من أسباب رفع البلاء عنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ارحموا من فى الارض يرحمكم من في السماء ) ، وهذا الظرف العسير ، يتميز به الناس بين راحم و قاسي ،
وإنساني ولا إنساني .

الرابعة :

جواز إخراج الزكاة قبل وقتها بسبب هذه النازلة ، لسد حاجات المحتاجين ، على مستوى توفير الطعام لهم أو تعزيز ما تحتاجه المستشفيات ، وقد تعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة عمه العباس بن عبد عبد المطلب لسنتين “رواه البخاري ومسلم .

الخامسة :

الحذر من الإسراف والتبذير ، وإلقاء الطعام في النفايات ، فهذا ظرف غير الظروف السابقة ، على أن التقليل من الاستهلاك بل الانضباط أولى حتى على مستوى تجنب السّمنة بسبب عدم احتراق الحريرات نتيجة قلة الحركة والقبوع في البيوت .

وأكثروا من دعاء الله تعالى ، والضراعة إليه حتى يكشف الله ما بنا ، واحذروا من الاستهتار والاستخفاف كما نراه في سلوكيات بعض الناس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى