بحوث ودراسات

العلمانيون وثورة الزنج 3 من 7

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

أقوال بعض علماء الإسلام في صاحب الزنج وفتنته:

أبوجعفر بن جرير الطبري: قال في أحداث 255هـ :”وللنصف من شوال في هذه السنة ظهر في فرات البصرة رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وجمع إليه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ ثم عبر دجلة فنزل الديناري”[17]

ويقول الطبري مكذباً ادعاء صاحب الزنج بأنه علوي النسب فيصحح نسبه: “وكان اسمه فيما ذكر: علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه عبد القيس وأمه قرّة بنت علي بن رجب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة من ساكني قرية من قرى الري يقال لها (ورزنين) بها مولده ومنشؤه”[18] .. “ثم إنه (صاحب الزنج) شخص ـ فيما ذكر ـ من سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين فادعى بها أنه علي بن محمد بن الفضل بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، ودعا الناس بـ (هجر) ـ مدينة كانت تابعة للبحرين ـ إلى طاعته واتبعه جماعة كثيرة من أهلها .. فانتقل إلى الأحساء وضوى إلى حي من بني تميم ثم من بني سعد يقال لهم بنو الشماس.. فكان بيهم مقامه.. وقد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي… وقاتلوا أسباب السلطان بسببه ووتر منهم جماعة كثيرة فتنكروا له، فتحول عنهم إلى البادية”[19]

وكان صاحب الزنج يتلون ويغير اسمه حسب القبيلة التي ينزل فيها.. يقول الطبري: “وذكر أنه عند مسيره إلى البادية أوهم أهلها أنه يحيى بن عمر أبا الحسين المقتول بناحية الكوفة، فانخدع بذلك قوم منهم، حتى اجتمع بها منهم جماعة كثيرة، فزحف بهم إلى موضع بالبحرين يقال له الردم، فكانت بينهم وقعة عظيمة، كانت الدائرة عليه وعلى أصحابه قتلوا فيها قتلاً ذريعاً.. فنفرت منه العرب وكرهته وتجنبت صحبته. فلما تفرقت عنه العرب ونبت به البادية شخص عنها إلى البصرة فنزل بها في بني ضبيعة فاتبعه بها جماعة منهم علي بن أبان المعروف بالمهلبي.. ـ وكان قدومه البصرة سنة أربع وخمسين مائتين ـ ومحمد بن رجاء الحضاري عامل السلطان بها، ووافق ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية والسعدية فطمع في أحد الفريقين أن يميل إليه، فأمر أربعة نفر من أصحابه فخرجوا بمسجد عبّاد.. وهم الذين كانوا صاحبوه بالبحرين فدعوا إليه فلم يجبهم من أهل البلد أحد، وثاب إليهم جند السلطان فتفرقوا ولم يظفر بأحد منهم.. فخرج من البصرة هارباً ..فسار إلى مدينة السلام (بغداد) فأقام فيها حولاً وانتسب فيها إلى أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعم أنه ظهر له أيام مقامه آيات وعرف ما في ضمائر أصحابه، وما يفعله كل واحد منهم؛ وأنه سأل ربه آية أن يعلم حقيقة أمره فرأى كتاباً يُكتب له وهو ينظر إليه على حائط، ولا يرى شيئاً”[20]

ويسترسل الطبري في حديثه: “وذكر بعض تُبَّاعه أنه بمقامه بمدينة السلام استمال جماعة منهم جعفر بن محمد الصوحاني، ومحمد بن القاسم، وغلاما يحيى بن عبد الرحيم بن خاقان: (مشرقاً ورفيقاً) فسمى مشرقاً حمزة وكناه أبا أحمد وسمى رفيقاً جعفر وكناه أبا الفضل.. ثم لم يزل عامه بمدينة السلام حتى عُزل محمد بن رجاء عن البصرة، فخرج منها، فوثب رؤساء الفتنة من البلالية والسعدية ففتحوا المحابس، وأطلقوا من كان فيها؛ فتخلصوا فيمن تخلص.. فلما بلغه خلاص أهله شخص إلى البصرة فكان رجوعه إليها في شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين”[21]

أقول: نلاحظ أن صاحب الزنج كل هذه الفترة لم ينضم إليه أي زنجي، فعلى مدار سبع سنوات كان يدعو العرب فقط وكان كل قواده من الأعراب أو بالأحرى كان جل أتباعه من اللصوص وقطاع الطرق والهاربين من السجون والمطاريد!! ثم متى وكيف ضم إليه الزنج وهم جماعة من العبيد من السودان ومن بلاد الحبشة كانوا يشتغلون في استصلاح الأراضي الزراعية والبصرة وضواحيها؟!

ذكر ابن جرير أن أول من انضم إليه من العبيد غلام اسمه ريحان بن صالح: “وفي سنة 255هـ اتخذ صاحب الزنج لواء مكتوباً عليه بحمرة وخضرة الآية 111 من سورة براءة (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله) وكتب اسمه واسم أبيه على هذا اللواء وعلقه في خشبة وأخذ يعد العبيد ويحرضهم على عصيان مواليهم بل أمر هؤلاء الغلمان بضرب مواليهم يقول الطبري في ذلك: “فأمر غلمانهم فأحضروا شطبة (سعف أخضر من جريد النخل) ثم بطح كل قوم مواليهم ووكيلهم فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة”[22]

وهكذا انضم الزنج إلى دعوة هذا المتمرد الخبيث.. “فلما سار إلى القادسية والشيفيا (..) أمر غلمانه بانتهاك القريتين، فانتهب منهما مالاً عظيماً عينيياً وورقاً وجوهراً وأواني ذهب وفضة وسبى منهما يومئذ أربعة عشر غلاماً ونسوة وذلك أول سَبي سُبي”[23]

وفي أحداث 257 هـ يقول الطبري: ذكر خبر دخول الزنج البصرة هذا العام وفيها دخل أصحاب الخبيث البصرة فلما كان في شوال من هذه السنة أجمع الخبيث على جمع أصحابه للهجوم على أهل البصرة والجد في خرابها، وذلك لعلمه بضعف أهلها وتفرقهم، واضرار الحصار بهم، وخراب ما حولها من القرى”[24]

ادعاؤه أنه كان يوحى إليه: “فذكر عن محمد بن سهل أنه قال سمعته يقول اجتهدت في الدعاء على أهل البصرة وابتهلت إلى الله في تعجيل خرابها فخوطبت فقيل لي إنما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها؛ فإذا انكسر الرغيف خربت البصرة”[25]

غدر صاحب الزنج بأهل البصرة:

“ولم يكن في وجهه أحد يدافعه، ولقيه إبراهيم بن يحيى المهلبي، فاستأمنه لأهل البصرة فأمنهم، ونادى مناد إبراهيم بن يحيى: من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم، فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملأوا الرحاب. فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة في ذلك منهم، وأمر أصحابه بقتلهم، فقتل كل من شهد ذلك المشهد إلا الشاذ”[26]

الإعتداء على قوافل الحجاج:

يقول الطبري في أحداث 266هـ: “وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة، فانتهبوها، وصار بعضها إلى صاحب الزنج، وأصاب الحاج فيها شدة”[27]

وفي أحداث 269هـ: “قطع الأعراب على قافلة من الحجاج بين تور وسميراء، فاستلبوهم واستاقوا نحواً من خمسة آلاف بعير بأحمالها وأناساً كثيرين”[28]

وفي أحداث 267هـ: “دخل صاحب الزنج رامهرمز فاستباحها” .. وفي أحداث 264هـ: “دخل الخبيث واسط واستباحها وخربها” .. وفي أحداث 267هـ يقول الطبري: “وظفر أبو العباس برئيسهم ثابت بن أبي دلف، فمنّ عليه واستبقاه، وضمه إلى بعض قواده … واستنقذ يومئذ من النساء اللواتي كنّ في أيدي الزنج خلق كثير، فأمر أبو العباس بإطلاقهن وردهنّ إلى أهلهنّ، وأخذ كل ما كان الزنج جمعوه”[29]

وفي أحداث 267هـ: “استنقذ أبو أحمد (الموفق) من نساء أهل واسط وصبيانهم ومما اتصل بذلك من القرى ونواحي الكوفة زهاء عشرة آلاف، فأمر أبو أحمد بحياطتهم وبالإنفاق عليهم، وحملوا إلى واسط ودُفعوا إلى أهليهم”[30]

اعذار وانذار من الموفق إلى صاحب الزنج:

ذكر ابن جرير في أحداث 267هـ: “ولما نزل أبو أحمد نهر المبارك .. كان أول ما عمل به في أمر الخبييث أن كتب إليه كتاباً يدعوه فيه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ارتكب من سفك الدماء وانتهاك المحارم واخراب البلدان والأمصار، واستحلال الفروج والأموال، وانتحال ما لم يجعله الله له أهلاً من النبوة والرسالة، ويعلمه أن التوبة له مبسوطة، والأمان له موجود، فإن هو نزع عما هو عليه من الأمور التي يسخطها الله، ودخل في جماعة المسلمين، محا ذلك ما سلف من عظيم جرائمه، وكان له به الحظ الجزيل في دنياه.. وأنفذ ذلك مع رسوله إلى الخبيث، فألقاه الرسول إليهم، فأخذوه وأتوا به إلى الخبيث، فقرأه فلم يزده ما كان فيه من الوعظ إلا نفوراً واصراراً، ولم يجب عن الكتاب بشئ وأقام على اغترار، ورجع الرسول إلى أبي أحمد فأخبره بما فعل، وترك الخبيث الإجابة على الكتاب”[31]

أقول: قد يقول قائل إن صاحب الزنج خشي أن يغدر به الموفق… هذا التصور غير صحيح لأن صاحب الزنج يعلم جيداً أن الموفق شخصية دَيّنة هو أخو الخليفة كما أنه الآمر الناهي في أرض الخلافة ولم يثبت من سيرته أنه غدر بأحد من قبل بدليل أن كثيراً من قواد صاحب الزنج لما أرسل لهم دعوته للأمان والرجوع والإنابة رجعوا ولم يفتك بهم بل على العكس صاروا في مقدمة الصفوف يقاتلون صاحب الزنج وأتباعه الذين غدروا بأهل البصرة وواسط والأبلة وعبادان ورامهرمز كما علمنا آنفاً، ونسنزيد من ذلك في الفقرات التالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى