بحوث ودراسات

بين الدولة والنظام والوطن “بشار نموذجاً”

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

كثير من المؤيدين للأنظمة الديكتاتورية القمعية كانوا يتغنون بمناقب الرئيس فهو الطبيب الأول والمهندس الأول والمعلم الأول والمحامي الأول والعامل الأول والفلاح الأول ولولاه لما وُجد الكهرباء والماء والانترنت وكل متطلبات الحياة هو وراء وصولها إلى المواطن، ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك بأنه سقف الوطن وسماؤه، فمتى انهار هذا السقف انهار الوطن كله وتداعى لأن الشمس ستحرقه والمطر سيغرقه، لذلك سال على ألسنة (المحبكجية) شعار يعيش القائد إلى الأبد وشعارات أخرى على شاكلة هذه المعزوفة التي تثير التقزز والغثيان، ولكن بعد الانفجار التكنولوجي الذي حصل للعالم في العقدين الأخيرين لم تعد هذه الخطابات والشعارات مجدية لأن العالم والدول انكشفت على بعضها وأصبح العالم قرية صغيرة واحدة ويتحرك تحت الشمس ومن دون مظلات، فطلت الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان برأسها من جميع أطراف الدنيا وبات من ينكرها أو يتجاهلها أو لا يتعاطاها مصنفاً ضمن عباءة البرابرة والهمج، مما اضطر الأنظمة المستبدة الطاغية بإلقاء تعليمات جديدة على أتباعهم وأبواقهم وعبيدهم، بأن يخففوا من تقديس القائد الأوحد ويغيروا اللفظ والمصطلح بتقديس الدولة أو الوطن الذي هو في حقيقة الأمر مختزل بشخص الزعيم النادر الفريد الفذ.

لو نظرنا إلى مصر لوجدنا أن السيسي يسيطر على جميع مقاليد الدولة ويعتقل كل من ينتقده ولو بكلمة، فولد من رحم هذا القمع شريحة إعلامية ودينية وتعليمية وطبية تسبح بحمده، فلا يتورع أحد المشايخ بتشبيهه بالنبي موسى عليه السلام، ولكن فيما بعد تأتي التعليمات بأن يصبح الثناء والإطراء للدولة والوطن الذي هو قائده، فينبري فريق من هذه المرتزقة لتغيير أسلوبه ورفع عقيرته متغنياً بالوطن والدولة.

ولو نظرنا إلى ابن سلمان السعودية وابن زايد وبوتين وكيم كورية وبشار وكل الطغاة في العالم لوجدنا الأمر ينسحب عليهم جميعاً فهم جميعاً يرمون عن قوس واحدة وهم في حقيقة الأمر مخادعون ومجرمون سفاحون لا يهمهم سوى تحقيق مآربهم الشخصية والهيمنة الكلية على مقدرات الدولة.

والآن بعد إلقاء الضوء على ممارسات الزعماء الساديين في كيفية قيادتهم لشعوبهم وزرع الرعب بين جوانحهم لا بد من الوقوف عند المصطلحات التي أوحوا لأتباعهم من المثقفين والإعلاميين وكل المطبلين والمزمرين ووجهوهم لمعاقرتها وهي كما أسلفت استخدام كلمة الوطن والدولة وهجر كلمة الدفاع عن القائد أو عن النظام.

فماهي الدولة وما هو الوطن وما هو النظام؟

الدّولة: جمع كبير من الأفراد، يقطن بصفة دائمة إقليماً معيّناً، ويتمتع بالشخصية المعنوية وبنظام حكومي وبالاستقلال السياسي.

   الوطن: مكان إقامة الإنسان ومقرّه، وإليه انتماؤه وُلد به أو لم يولد.

ويعرّف المفكر الألماني ماكس ويبر الدولة بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين الأراضي.

كما عرّفت موسوعة لاروس الفرنسية الدولة بأنها مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة.

في حين رأى العديد من فقهاء القانون الدستوري أن الدولة: كياناً إقليمياً يمتلك السيادة داخل الحدود وخارجها، ويحتكر قوى وأدوات الإكراه.

وقد عُرّفت الدولة أيضاً: بأنها مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعّالة على أراضيها وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى.

ويرى سبينوزا (في مفهوم الدولة) أن غاية الدولة تتمثل في ضمان الحماية للأفراد، وليس في ممارسة السلطة، بل إن على الدولة أن تضمن الشروط الموضوعية التي تمكنهم من استخدام عقولهم والعمل على تنميتها.

ومن ثم يؤكد الفيلسوف أن الحرية هي الغاية الأساسية من وجود الدولة.

أما النظام السياسي فهو كما يرى الدكتور علي هادي الشكراوي ترتيب الأمور على نحو معين، لتحقيق هدف محدد.

وتتركز افتراضات النظام في النظرية العامة للنظم بما يلي:

  1. إن النظام هو مجموعة من الأجزاء المترابطة.
  2. إن أجزاء النظام تتفاعل فيما بينها.
  3. إن كل جزء من أجزاء النظام يمكن أن يتصف بدرجة معينة من الاستقلال عن الأخرى المرتبطة به.

ويذهب ديفيد أيستون إلى تعريف النظام السياسي بأنه:

مجموعة من التفاعلات والأدوار التي تتعلق بالتوزيع السلطوي للقيم.

أما روبرت دال: فيعتقد أن النظام السياسي هو نمط مستمر للعلاقات الإنسانية يتضمن إلى حد كبير القوة والحكم والسلطة.

أما هارولد لا سويل فيعرف النظام السياسي بأنه النفوذ وأصحاب النفوذ على أساس مفهوم القوة مفسرة بالجزاء المتوقع.

وأما كمال المنوفي فيرى أن النظام السياسي هو مجموعة تفاعلات وشيكة معقدة من العلاقات الإنسانية، تتضمن عناصر القوة أو السلطة أو الحكم.

يقول ماكس فيبر: إن النظام الحاكم يكون شرعياً عند الحد الذي يشعر مواطنوه أن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة.

والآن بعد أن استعرضنا التعريفات والإضاءات لكبار المفكرين والسياسيين حول الوطن والدولة والنظام، يمكننا أن نتحول إلى مرحلة تطبيقية لتلك التنظيرات، فلو أسقطنا تلك التعريفات على واحد من أولئك القادة الطغاة بل إنه أكثرهم إجراماً وسفكاً وقتلاً ومروقاً، وهو بشار أسد لوجدنا مفهوم الدولة والوطن بريء منه براءة الذئب من دم يوسف.

فقد جاء في تعريفات الدولة والوطن التي سبق الإشارة إليها ” أنه يتمتع بالاستقلال السياسي – وأنه يحافظ على الاستقلال الشرعي للقوة – يمتلك السيادة داخل الحدود وخارجها – وأن الدولة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعّالة على أراضيها وإجراء العلاقات الدولية مع الأخرى – وأن غاية الدولة تتمثل في ضمان الحماية للأفراد وليس في ممارسة السلطة – وأن الحرية هي الغاية الأساسية من وجود الدولة.

فهل الدولة السورية تتمتع بالاستقلال السياسي؟!

ثمة احتلال روسي إيراني أمريكي لا يخطئه البصر ولا البصيرة يهيمن على جغرافية الوطن ومفاصل المؤسسات بأسرها.

وهل الوطن يحافظ على الاستقلال الشرعي للقوة؟

إن القوة والأسلحة الموجودة لدى الحكومة لا تتجاوز سلطتها عليها أكثر من حفظها في المستودعات وتوزيعها على الأراضي السورية أما المتحكم الحقيقي في استخدامها وتوجيهها إلى الأهداف الداخلية والخارجية هما المحتلان الروسي والإيراني فإذا أغارت الطائرات الإسرائيلية مثلاً على الأراضي السورية فيتم الاتصال مباشرة بالجنرالات الروسية هل نرد أم لا؟ بل تكون مفاتيح الرد في يد الضباط الروس أنفسهم.

وهل تمتلك الدولة السيادة داخل الحدود وخارجها؟

نعلم أن الدولة الآن مقطعة الأوصال ففي الشمال هيمنة أمريكية وفي الجنوب هيمنة إيرانية وفي الوسط والجنوب الهيمنة الروسية.

 وهل الدولة لها علاقات وقنوات مع الدول الأخرى؟

إذا كان ما يُسمى برئيس الدولة السورية بشار لم يلتقِ برئيس دولة منذ تسع سنوات – سوى سيده بوتين – فأين هذه العلاقات التي تجعلها تتفاعل مع المجتمع الدولي؟!

وهل الدولة تسهر على حماية الأفراد ولا يعنيها ممارسة السلطة؟!

أجل تسعى على حماية الأفراد وسعادتهم ورفاهيتهم، فقد قتلت منهم قرابة المليون واعتقلت ما يزيد على تسعمئة ألف وهجّرت نحو سبعة ملايين مواطناً.

فهي إذاً لا تعنيها السلطة وممارستها إطلاقاً وإنما همها الوحيد حماية الأفراد والشعب، والواقع الذي عاشته سورية منذ تسع سنوات ومازالت تحته خير دليل على ذلك.

وهل الدولة تصرف طاقاتها وجهودها لمنح وتحقيق الحرية لمواطنيها؟!

بلى! تفعل ذلك فما إن انتفض الشعب السوري بهتافات وشعارات تطالب بالحرية والعدالة حتى واجهته الدولة بأعتى أسلحتها وحاولت إسكات وخنق صوت الحرية الذي لا يمكن لأي مدفع أو صاروخ إسكاته وإنما سيُطلق سراحه رغماً عن أنف من أراد اعتقاله مهما طال الزمن.

وفي النهاية يطرح أحد المفكرين السياسيين سؤالاً ويجيب عنه قائلاً:

متى يصبح مفهوم الدولة والوطن يعبر عن مفهوم واحد؟ ومتى يعبر عن شيئين مختلفين؟

إذا كانت الدولة في خدمة مواطنيها وإذا كان النظام السياسي مختار من قبل الشعب، فإن هذه الدولة تمثل الوطن تماماً، وبمنتهى الوضوح نستطيع أن نطلق عليها دولة الوطن.

أما إذا كانت الدولة تضرب وتقتل وتعتقل مواطنيها، وتسرق وتنهب ثروات الوطن، وترسلها إلى الخارج، فهي دولة بوليسية وقحة، بل تتحول من مفهوم الدولة إلى مفهوم النظام السياسي البوليسي والمعادي للوطن والمواطنين أي أن الوطن أصبح مرهوناً لهذا النظام العفن.

فيصبح الوطن بذلك تابعاً للدولة أو النظام وليس وطناً لشرفاء الوطن.                     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى