مقالات

هستريا الكورونا والتلاعب بالشعوب

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

مع الأحداث الكبرى والخطيرة يحار المرء غالباً من أين يبدأ. يحار من كثرة المعطيات وكثرة الأولويات بَيْنَها: هل هو جند من جند الله؟ هل هو حرب بيولوجية؟ كيف ظهر فيروس الكورونا؟ لماذا ظهر؟ ما مصدره؟ هل أمريكا هي المسؤولة عنها فعلاً؟ ما مدى صحة التهويل في التعاطي مع الكورونا؟ هل هو خطير فعلاً إلىٰ الحد المناسب لهٰذا التهويل العالمي؟ وهل لذٰلكَ علاقة بالربيع العربي؟ وما العلاج؟ هٰذه المسائل كلها سنعالجها من خلال العناصر التالية:

ـ معطيات الموقف المرعبة

ـ كيف انتقل الكورونا وانتشر؟

ـ حقيقة كورونا والفضيحة الأولى

ـ حقيقة كورونا والفضيحة الثانية

ـ حقيقة كورونا والفضيحة الثالثة

ـ هل الكورونا جند الله؟

ـ هل الكورونا حرب بيولوجية؟

ـ من المستفيد من وباء الكورونا؟

مهما كانت القناعة التي ستكونها بعد قراءتك هٰذا المقال، ومهما كانت قناعات كاتب هٰذا المقال في الموضوع، وعلىٰ الرَّغْمِ مما ستجده من معلوماتٍ صادمةٍ في هٰذا المقال، فإنَّ ظاهرة الكورونا ليست بالأمر العادي بحال من الأحوال.

تعالوا لنفكك ونناقش هٰذه الأسئلة كلها وما يرتبط بها قدر الإمكان والمتاح، وما هو متاح وممكن كاف وأكثر من كاف في حقيقة الأمر بما في ذٰلكَ الوقاية ورُبَّما العلاج وفق بيانات الأطباء والمختصين.

معطيات الموقف المرعبة

مع كتابة سطور هٰذا المقال يوجد أكثر من تسعمئة مليون طالب متعطلون عن الدراسة بسبب إغلاق المدارس والجامعات احترازيًّا وتخوفاً من تفشي فيروس الكورونا. هٰذا الحد الأدنى المعلن عنه في وسائل الإعلام وليس ما لم يعلن عنه بمدرج في ذٰلكَ، وما هو غير معلن قد لا يقل عن المعلن.

هٰذا أمر بسيط فيما يبدو للشباب، ولٰكنَّهُ دلاليًّا ينطوي علىٰ مخاطر هائلة، ويدل علىٰ مدى الفزع والهلع من انتشار هٰذا الفيروس. فهٰذا الرقم ليس سهلاً بحال من الأحوال ويمكنك أن تستنتج منه أنَّهُ يشمل عشرات الدول، بل تستطيع القول إن نحو مئة دولة علىٰ امتداد قارات الأرض قد أغلقت المدارس.

الأمر الأخطر أنَّ نحو مئة دولة علىٰ امتداد قارات الأرض قد أغلقت حدودها كليًّا أو جزئيًّا وأصاب الشلل مطاراتها والحركة فيها كليًّا أو جزئيًّا. ولك أن تتخيل أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية أغلقت حدودها مع سائر الدول الأوروبيَّة! حاول أن تتخيل مدى خطورة الموقف ومدى ما ينجلي عنه من نتائج خطيرة علىٰ مختلف الأصعدة والمستويات. الأمر أصعب من أن تتخيل مدى خطورته ونتائجه ودلالاته. الطرفة الوحيدة علىٰ مستوى العالم في إغلاق الحدود أن النِّظام السُّوري أعلن إغلاق حدوده مع الدول المجاورة كلها وكلها خالية من الفيروس ما عدا لبنان، ولم يغلق حدود سوريا مع إيران التي هي مصدر الكورونا إلىٰ الشرق كله!!!

الأمر الأكثر خطورة أنَّ أكثر من دولة قد حجرت علىٰ كل مواطنيها وأعمالها مثل إيطاليا التي يبلغ عدد سكانها ستين مليون نسمة؛ ستين مليون نسمة تحت الإقامة الجبرية. وكثير من الدول تكاد تقترب من الحالة الإيطالية في حالة الهلع والحجر علىٰ المواطنين والأعمال.

والأكثر من ذٰلكَ أنَّ هٰذا الفيروس لم يتوقف عند المواطنين والفقراء والمساكين وحسب، مثل بقية الأوبئة السَّابقة رُبَّما عبر التَّاريخ كلِّه، بل قرع في الأيام الأخيرة صدور الأثرياء، والعلماء، والفنانين، والمشهورين، وكبار المسؤولين من برلمانيين، إلىٰ رؤساء مؤسَّسات ورؤساء أندية عالمية، ونواب وزراء،  ووزراء أوروبيين وأمريكيين وآسيويين، ونواب رؤوساء… نائب الخامنئي ذاته، بل والمرجح إلىٰ درجة تقترب من القطعيَّة أنَّ الرئيس الأمريكي شخصيًّا لم ينج من فيروس الكورونا.

وبعد عصر الملح علىٰ الجرح ونفاد الصبر لم تستطع منظَّمة الصِّحة العالميَّة إلا أن تعلن أنَّ الكورونا قد تحول إلىٰ وباء. وأي وباء؟ وباء عالمي. وهٰذه رُبَّما المرة الأولى التي يكون فيها وباء عالمي علىٰ مستوى الكرة الأرضية كلها وليس في بيئة محلية أو إقليمية أو حَتَّىٰ قارية فقط. ومع إعلان الكورونا وباء عالميًّا تصاعدت الأرقام تصاعداً مذهلاً في أرجاء العالم من ناحية الإصابات والوفيات ومدى الانتشار.

شلل عام يهيمن علىٰ نحو نصف البشرية أو اقل قليلاً من ناحية عدد البشر، ولٰكنَّهُ يقترب من ثلثي البشريَّة علىٰ مستوى عدد الدُّول وقيمة هٰذه الدول وحضورها السياسي والاقتصادي، وعلىٰ مستوى الاقتصاد العالمي بمختلف ميادينه. خسائر بالمليارات يوميًّا تتعرض لها القطاعات الاقتصادية العالمية؛ التِّجاريَّة، والخدميَّة، والاستثماريَّة، والإنتاجيَّة… وركود اقتصادي لم يتحوَّل بعد إلىٰ كارثةٍ اقتصاديَّةٍ، ولٰكنَّهُ قد يتحوَّل قريباً إلىٰ كارثة اقتصادية بشرية.

كيف انتقل الكورونا وانتشر؟

نتابع الأخبار والتصريحات علىٰ البساطة كما يقولون. وفجأة وجدنا اليوم في آخر الأرقام أنَّ الفيروس قد احتل 117 دولة هي دول أوروبا كلها تقريبا وأكثر دول آسيا وآكثر أمريكا وقليلاً جدًّا من إفريقيا. ولم نتساءل كيف انتقل الفيروس هٰذا الانتقال الهائل السرعة إلىٰ هٰذا العدد الهائل من دول العالم ناهيك عن الأعداد المتزايدة؟! تقبلنا الأمر تقبلاً عاديًّا وكأنه الفيروس سحابة تعبر الأجواء وتمطر العدوى من دون حسب أو رقيب. بل المضحك أنَّ الدول أكثرها تتعامل مع الكورونا علىٰ هٰذا الأساس؛ تعطل المدارس والجامعات والأعمال لمجرد احتمال أن سحابة الكورونا قد مرت أو قد تمر من فوقهم. ولا تسأل عن الشاهد فالشواهد كثيرة حسبك مثلاً أنَّ أوكرانيا التي ليس فيها سوى ثلاث إصابات قد قرَّرت السُّلطات فيها وضع البلاد كلها تحت الحجر الصِّحِّي… كلها يعني كلها.

لنعد إلىٰ المشهد من بداياته. ظهر الكورونا في مدينة ووهان الصينية في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2019م، وظل الأمر عاديًّا لا يستحق الذكر حَتَّىٰ تساعد انتشاره وبدأت تكثر عدديًّا حالات الوفاة بسببه بعد شهر من ذٰلكَ تقريباً، وبقيت الصين وحدها المبتلاة بهٰذا الفيروس، والعالم كله يتداول أخبار الكورونا… بما يعني أنَّهُ قد ولد الحذر وشيء من الاحتياط بالضرورة لدى مختلف دول العالم.

بعد شهر صرنا نسمع عن حالة كورونا في هٰذه الدولة أو تلك، ولٰكنَّ الصين كانت في حومة المعركة مع الفيروس إذا وصل عدد المصابين في أكثر من ولاية صينية إلىٰ نحو 75 ألفاً، بَيْنَما الوفيات أقل من بضع مئات.

وفجأة ومن دون سابق مقدمات تحولت إيران إلىٰ بؤرة هائلة لانتشار الكورونا وخاصة في مدينة قم، وبالتوازي معها تحولت أم الفاتيكان إيطاليا إلىٰ بؤرة هائلة لانتشار الكورونا وتفشيها. فصرنا أمام ثلاث بؤر كبرى في آسيا اثنتان وفي أوروبا واحدة. وعلىٰ نحو متسارع صارت إيران وإيطاليا تصدران الكورونا إلىٰ مختلف دول العالم. الصين التي هي المصدر لم تصدِّر ما صدرته إيران وإيطاليا. وفجأة صار العالم أكثره موبوءا بالكورونا.

إلىٰ هنا تبدو الأمور منطقية حسب الصورة السابقة. ولٰكنَّها صورة خطيَّة ذات بعد واحد. والسؤال الذي يفرض ذاته كيف انتشر الفيروس في مختلف دول العالم هٰذا الانتشار الوبائي علىٰ الرَّغْمِ من علم العالم بانتشاره وعدواه ومخاطره والاحتياطات التي اتخذتها الدول وحَتَّىٰ الأشخاص لعدم الإصابة بهٰذا الوباء؟

هٰذا هو الأمر المربك للعقل في حقيقة الأمر. الكورونا لا ينتقل بالهواء عشاوئيًّا ومزاجيًّا، لا بُدَّ من وساط ناقلة، لا بُدَّ من الملامسة اللازمة والشرطية لانتقال العدوى. فكيف يمكن تفسير هٰذا الانتشار في أرجاء العالم بدوله ومدنه؟

دعك من الحالات التي قيل إنها أصيبت بالكورونا من دون تحقق شروط العدوى. سنعتبرها كاذبة أو خاطئة، وهي قليلة واستثنائية علىٰ أي حال حسبما توافر لدينا من معلومات. ما الذي يفسر هٰذا الانتشار الوبائي وكأن الكورونا هي الطاعون بصيغة جديدة… الطاعون ينتقل بالهواء ولا يحتاج إلىٰ وسائط نقل. فهل الكورونا هكذا؟ أمر يستحق البحث والتفكير في حقيقة الأمر: قبل يومين من الآن بالضَّبط كان مجمل المصابين في العالم مئة ألف. اليوم حاكم ولاية أوهايو الأمريكية يعلن أنَّ في ولايته فقط أكثر من مئة ألف مصاب، وأنَّهُ بات من المستحيل إجراء الفحوصات بسبب كثرة أعداد المصابين.

بات من شبه المحال تتبع الحالات كلها ومصادر إصاباتها بالكورونا. ولٰكنَّ تفسيرها بالانتقال الطَّبيعي عبر السَّفر من مكان موبوءٍ إلىٰ مكانٍ غير موبوءٍ أمرٌ أو تفسيرٌ لا يبدو لي مقنعاً، كان الانتقال عشاويًّا ومتسارعاً في وقت قصيرٍ علىٰ نحو يثير التَّساؤلات. كان هٰذا في فترة الانفجار السريع الأول وحَتَّىٰ الآن لم يزل يتكاثر انشطاريًّا بطريقة غير قابلة للتفسير المنطقي. دعك من الكثير من التَّساؤلات وقف عند سؤال واحد:

ـ لماذا لم يتم هٰذا الانتقال السَّريع والشَّامل لفيروس الكورونا في الشهر الأول منه عندما استشرى في الصين ولم يكن هناك أي احتياطات أو حذر منه؟

ـ لماذا فجأة صرنا نسمع كل خمس دقائق أو كل ساعة في خبر عاجل عن ظهور حالة في كل دولة؟

رُبَّما هي شكوك فقط، رُبَّما نقص في المعلومات المتوافرة بَيْنَ أيدينا. مهما يكن من أمر فإنَّ الحالة والصورة كلاهما تستدعي أن نعلِّق هٰذه التَّساؤلات والشكوك علىٰ جدار الملاحظات.

كتب بعضهم قائلاً: «كورونا ركب الطائرات من دون تذاكر، وتجاوز نقاط التفتيش ولم يستطع إمساكه أحدٌ، ودخل الدول التي شاء من دون جواز سفر ولا ختم دخول، وعبر القارات مع كلِّ ما اتخذته الدول من تدابير شديدة وتدقيق شديد لمنع دخوله».

لتبق هٰذه التساؤلات في بالنا لأنها ستلزمنا فيما سيأتي من تساؤلات محاور حقيقة الكورونا وطبيعتها… علىٰ الأقل ستلقي لنا بعض الأضواء علىٰ ما نحاول فهمه فتعزز جهة دلاليَّة أو تقلل من قيمتها.

حقيقة كورونا والفضيحة الأولى

بعد المسائل السابقة كلها ينبثق السؤال الأكثر أهمية والأكثر ترقباً من الناس جميعاً: ما حقيقة خطر كورونا؟ هل هو خطير فعلاً علىٰ النَّحو الذي تصوره وسائل الإعلام، وعلىٰ النَّحو الذي تتعاطى معه الدول؟ أم هو محض زوبعة في فنجان والعالم أو بعض مؤسسات أو أطراف معينة يهولون فيه هٰذا التهويل لمصالح معينة وأهداف في رؤوسهم؟

لننظر الآن في الفضيحة الأولى:

حَتَّىٰ كتابة هٰذا المقال في ذروة الهلع العالمي من فيروس كورونا، ولا ندري إن كانت ستزداد حدة الهلع أكثر، فإنَّ أقصى حدٍّ لعدد الوفيات جرَّاء الكورونا لا يصل إلىٰ خمسة آلاف ضحية بحال من الأحوال، وعدد المصابين لا يتجاوز مئة وعشرة آلاف مصاب. دعك من التهويل والتوقعات الاستنفارية لأغراض استثمارية مثل ما قال حاكم ولاية أوهايو الأمريكية بأن لديه احتمال مئة ألف مصاب، الأمر الذي مر معنا قبل قليل… ودعك من هٰذا التهويل بالاحتمالات… الحالات الموثقة في أرجاء  العالم مئة وعشرة آلاف حالة.

ماذا يعني هٰذان الرقمان؟

هٰذان الرقمان يعنيان أننا أمام مسرحية هزلية سخيفة لا يجيد ممثلوها التمثيل. وإليك الدليل:

انظر في قائمة الوفيات في العالم في أول شهرين من العام 2020م، حسب بيانات جامعة هامبورغ،  أي قبل نحو أسبوع فقط من الآن.

ـ 2360 بسبب فيروس الكورونا.

ـ 69602 بسبب نزلة البرد العادية.

ـ 140584 بسبب المالاريا.

ـ 153696 بسبب الانتحار.

ـ 193479 بسبب حوادث الطرق.

ـ 240950 بسبب فقدان المناعة المكتسبة (HIV).

ـ 358471 بسبب الكحول.

ـ 716498 بسبب التدخين.

ـ 1177141 بسبب السرطان.

هٰذه الوفيات بسبب فيروسات وأمراض فيروسية أو جرثومية. فما مدى خطورة الكورونا بَيْنَ هٰذه الأمراض؟

مهما كانت مجادلتك ومهما كانت ذرائعك لا يمكن أن تجد ما يعكس الحقائق ويقلبها للوصول إلىٰ القول بأن الكورونا أخطر بل حَتَّىٰ محض خطير مقارنة مع نزلة البرد البسيطة العادية فقط.

هٰذا لا يعني أني أقول إن فيروس الكورونا محترم وبسيط حباب ويجب أن نفتح له الأبواب. ولا يقلل من خطورته. الحذر منه واجب بالضرورة. وإنما بالمقارنة نجد أنفسنا أمام تساؤلات.

حقيقة كورونا والفضيحة الثانية

دعك من ذٰلكَ، دعك من وفيات الفيروسات التي سيقول بعضهم إنَّ البشريَّة اعتادت عليها وهٰذا الفيروس الكوروني طارئ جديد. ما رأيك إذا علمت أنَّ قتلى الكورونا منذ البداية إلىٰ الآن أي نحو خمسة آلاف في الحد الأقصى قد قتل عبد الفتاح السيسي أكثر منهم في ساعة واحدة تحت جنازير الدبابات والمدرعات وإطلاق النار في مجزرة فض الاعتصام؟

من المؤكد الآن أن الكثير من الأمثلة قد تداعت إلىٰ ذهنك، أكثر من عدد ضحايا الكورونا حَتَّىٰ الآن، عبر ثلاثة أشهر قتلهم القصف الأمريكي في ساعة واحدة في دير الزور قبل نحو سنة… أكثر من مليون قتلهم النظام السوري، وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، ومينمار، والهند… السلسلة طويلة.

السؤال الذي لا بُدَّ من طرحه: هل القتل علىٰ أيدي الأنظمة حلال، مسموح به؟

هٰذا يعكس العقلية البشرية لا العقلية السياسية وحسب. في حين لا يريد أحد الالتفات إلىٰ قتل المسلمين بلا رحمة ولا شفقة بل بوحشية قذرة في أكثر من عشر دول، وبالآلاف، فإن البشرية استنفرت لمواجهة فيروس ورصدت إلىٰ الآن أكثر من مئة مليار دولار لمحاربة الفيروس.

مئة مليار دولار، وكلها في الحقيقة التي لو انكشفت الأسرار لأدركتم أنَّها كذب وهدر ولمصالح محددة وبلا جدوى للمساكين. وهنا تأتي المصيبة الثانية:

هل تعلم، وفق تقارير الأمم المتحدة، أنَّهُ كل 4 ثوانٍ يموت واحد من الفقر. أي كل ساعة يموت 900 إنسان من الفقر، أي في اليوم يموت 21600 شخص من الجوع. أي نحو 8 ملايين شخص يموتون سنويا من الجوع. بينهم ثلاثة ملايين ومئة ألف طفل… ولا أحد يسمع عنهم شيئاً، ولا أحد منهم كلهم يفعل لمحاربة الموت من الفقر شيئاً.

هٰذه عقلية الإنسان. يحق له أن يقتل بأنانيته وإيثاراً لنفسه، ولا يحق لأحد أن يتربص له بالتهديد.

حقيقة كورونا والفضيحة الثالثة

وهنا أيضاً لن نجتهد برأي أو استننتاج، سنعرض الحقيقة كما هي. وفق نصائح الأطباء المختصين وتعليماتهم، ووفق معطيات منظمة الصحة العالمية فإنَّ فيروس كورونا بليد، بطيء الحركة، بطيء التأثير، قابل للعطب بسهولة، والوقاية منه من أسهل ما يكون، وعلاجه ليس بالمستحيل بل ليس بالصعب. خلاف الفيروسات الأُخْرَىٰ القاتلة كالأيدز علىٰ سبيل المثال… وكلاهما ينتقل بالعدوى. بل خلاف فيروس الجريب (نزلة البرد العادية) التي لا مجال لتلافي العدوى منها، ولا مجال لعلاجه إلا التَّخفيف من حدته، حَتَّىٰ يأخذ مداه لأسبوع في العرف السائد، وفوق ذٰلكَ فإنَّ ضحاياه أضعاف ضحايا الكورونا.

الطريف هنا أنَّهُ من شدة بساطة إجراءات الوقاية صرنا أمام آلاف الاجتهادات والخلط بَيْنَ العلاج والوقاية. في حين أنَّ الصين وأمريكا وأوروبا مجتمعين ومتفرقين يقررون أنهم لم يصلوا إلىٰ علاج لفيروس كورونا، فقد وجدنا آلاف الفيسبوكيين الذين لا تعرف أكثرهم إن كان يجيد القراءة والكتابة أم لا يجيدهما أحدهما أو كليهما يوزعون الوصفات الطبية لعلاج الكورونا… علاجات من مختلف الأنواع والأشكال والألوان والاحتمالات وبمختلف اللهجات العربية.

المهم هنا والخطير في الأمر أنَّهُ علىٰ الرَّغْمِ من الإقرار العالمي من مختلف الأطراف بأنَّهُم لم يصلوا إلىٰ علاج لفيروس الكورونا فإنَّهُم جميعاً يعلنون عن شفاء الأكثرية المطلقة من المرض… في الصين الآن يبدو أنهم يكادون يقولون إِنَّهُم عالجوا الجميع وتمت السيطرة علىٰ الحالة… وفي كثير من الدول بدأ الكلام علىٰ تشافي الكثيرين من المرض. وها ما ينسجم مع المعطيات التي تكلم ويتكلم عنها المختصون.

إذن من جديد ينتصب السُّؤال: لماذا هٰذه الهستريا والتهويل والاستنفار العالمي من مرض يشفى بالبقاء في البيت لمدَّة أسبوعين في الحدِّ الأقصى ورُبَّما من دون علاج أو أدوية؟؟؟! وهٰذا ما يوحي به الجميع طريقة للعلاج؟!

من المهم والجدير بالذكر هنا، وهٰذه مسألة جديَّة تامَّة، وهي أنَّهُ وفق تقارير منظمة الصحة العالمية والأطباء الغربيين الذين دبجوا النصائح الوقائيَّة والعلاجيَّة فإنَّ النَّظافة والطَّهارة علىٰ الطَّريقة الإسلاميَّة لمن يلتزم بالعبادة هي أنجع الطرق للوقاية والعلاج معاً من فيروس كورونا. وهٰذا أمر استنتجه الكثيرون بوضوح، حَتَّىٰ باب من شبه القطعي أنَّ الكورونا لن يجد التربة الخصبة ولا المناسبة للتفشي بَيْنَ المسلمين. هٰذا لا يعني أنَّهُ لن يوجد في بلاد المسلمين ولا أنَّهُ لن يصاب به مسلم.

هنا يخطر في البال السؤال الأبرز: ألا يحتمل أن يكون فيروس الكورونا جنداً من جند الله؟!

هل الكورونا جند الله؟

عندما استفحل الكورونا في الصين ولم يخرج منها بعد كثر القائلون بأن هٰذا الكورونا جند من جند الله يعاقب به الصينيين علىٰ ما فعلوه ويفعلونه في المسلمين من تنكيل وإكراه في الدين. وفي الوقت ذاته كثر المعترضون فبعضهم اعترض بأَنَّهُ بسبب أكلهم الحيوانات حية، وأكل الكلاب وأكل الخفافيش وهلم جرًّا، وبعضهم اعترض بأنه خطة صينية لشراء الشركات الأجنبية بأسعار رخيصة، وبعضهم قال بأنه صناعة المخابرات الأمريكية وحرب من أمريكا علىٰ الصين، وقد ظهر هٰذا الاحتمال مؤخراً، قبل أمس، علىٰ لسان مسؤول صيني، والطريف أنَّهُ في اليوم ذاته أعلن الخامنئي الإيراني أنَّ الكورونا هجوم بيلوجي من أمريكا… ولا تستغرب أن تجد الإعلام السعودي قد اتهم قطر بنشر هٰذا الفيروس في السعودية، والإعلام المصري اتهم تركيا بنشر الفيروس…

دعك من السُّخف المصري والسعودي، ولنسأل: أين الحقيقة في ذٰلكَ كله؟

بداية لنكشف اللبس عن عقائد باطلة وخاطئة يعتقدها الناس في جند الله، والعقاب الإلهي في الدنيا. باستثناء القلة النادرة فإن الأكثرية يعتقدون ويتصورن أنَّ العقاب الإلهي لا يكون إلا علىٰ غرار الطير الأبابيل؛ كائنات غير أرضية، استثناءات غير أرضية تفعل فعلها العقابي في البشر. وهٰذا وهم وباطل. فما هو الشيء الذي ليس من خلق الله، أو ليس من جند الله؟! «وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ». (سورة الرعد ـ الآية 11).، وتذكر أيضاً قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُوْدَ رَبِّكَ إلاَّ هُو». وكيف أهلك الله النمرود وجنده؟

إذن مهما كان منبت الفيروس وأصل نشأته وطبيعتها فهٰذا لا يمنع أن يكون جنداً من جند الله. بل ومهما كانت الغاية من التهويل والمبالغة وسرعة الانتشار إن كان كانت بشرية الأدوات، فإنَّ هٰذا لا يمنع أنَّهُ جند من جند الله: دب الرعب في القلوب، أرغم الناس جميعاً علىٰ تذكر الله والتضرع لله، قلَّت الرذيلة بنسبة هائلة خوفاً من العدوى… ووقف العظماء أشخاصاً ودولاً هلوعين جزوعين أمام فيروس لا يرى بالعين ولا بالعدسات المكبرة، بالمجهر العادي… يحتاج مجهراً إلكترونيًّا ضخماً حَتَّىٰ يمكن أن يُرى… وتلاشت عنجهية العظمة أمام هٰذا الفيروس.

وعلىٰ أي حال، تذكر أنَّ الكافرين مهما بلغت المعجزات قوة ووضوحاً فإنهم يؤولونها بما يزيدهم كبراً وتجبراً وعدم اعتراف بها، وهٰذا شاهد من القرآن الكريم: «فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ». (سورة الأحقاف ـ الآية 24).

إذن من هٰذه الناحية لم يعد من المهم أن نعرف إن كان طفرة بيولوجية، أم إنتاجاً مخبريًّا، أم حرباً بيولوجية… فكل الطرق تؤدي إلىٰ نتيجة واحدة.

هل الكورونا حرب بيولوجية؟

قرأت تعليقاً أضحكني في هٰذا السياق يقول التعليق: «لا يمكن أن يكون هٰذا الفيروس إنتاجاً بشريًّا، فالبشر لا يمكن أن يخلقوا فيروساً». الكلام صحيح ولا اعتراض عليه، ولٰكنَّ الذي أضحكني أنَّهُ لا يوجد قط من يزعم أن البشر خلقوا هٰذا الفيروس أو حَتَّىٰ غيره. عندما يقال إنَّ هٰذا الفيروس صناعة بشرية فلا أحد يقصد أن البشر خلقوه وإنما نتج من عمليات مخبرية في التجريب علىٰ فيروس معين من أجل العلاج علىٰ سبيل المثال أو من أجل حرب بيولوجية، وهٰذا أمر غير معقد وفي الوقت ذاته غير سهل. وفيروس الكورونا هو نسخة معدلة من فيروس الجريب أو الإنفلونزة. ولا فرق في أن يكون قد تطور ذاتيًّا أو مخبريًّا. ففيروس الجريب العادي قد تطور في الثلاثين سنة الأخيرة وصار أكثر مناعة وأشد فتكاً بسبب تأقلمه مع  المضادات الحيوية واكتسابه قدرات مقاومة للمضادات.

هٰذا يعني أن من المحتمل أن يكون الفيروس من إنتاج عسكري بغرض الحرب البيولوجية. ولٰكنَّ المتهم هنا هو المشكلة. من المتهم؟

الإيرانيون والصينيون يتهمون الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الأشهر والأطول باعاً في هٰذا المجال، وباعتبار أن الهدف كان الصين. ولٰكنَّ هٰذا لا يمنع أن تكون الصين ذاتها متهمة في إنتاج هٰذا الفيروس.

هنا أضحكني أيضاً تعليق سياسي أمريكي علىٰ قناة الجزيرة أمس، ردًّا علىٰ هٰذا الاتهام إذا قال: «هٰذه تهمة سخيفة، كيف نكون نحن مصدر الفيروس وقد انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية ويهددها مثل غيرها».

هٰذا الرَّد سخيفٌ جنائيًّا ولا يعتد به دلاليًّا ولا برهانيًّا. فكم من مرتكب حماقة ضدَّ خصم عادت عليه بالضرر أكثر من خصمه!!! وقد قالت العرب قديماً: «علىٰ نفسها ـ أو علىٰ قومها ـ جنت براقش». بل حسبك قوله تعالى: « وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ». (سورة فاطر ـ الآية 43).

إذن حَتَّىٰ ولو كانت حرباً بيولوجية أو طفرة جينية أو غلطة مخبرية أو غير ذٰلكَ فقد يسر الله تعالى لهٰذا الفيروس أن يكون وبالاً عالمياً، وبالاً ووباء، فتح العيون علىٰ دروس وعبر كبيرة وكثيرة وخطيرة… انفتحت العيون فعلاً، ولٰكنَّ الإنسان العجيب سرعان ما سينسى ويعود سيرته الأولى.

مع بداية انتشار الكورونا انتشرت الكوميديا والتعليقات الساخرة والنكات علىٰ هٰذا المرض، وعندما استفحل وبدا أنَّهُ انفلت من العقال تحول الجميع إلىٰ ناقل للنصائح للوقاية والعلاج والدعوة إلىٰ العودة إلىٰ الله… وسرعان ما سيعودون إلىٰ سيرتهم الأولى. تذكر أنَّ المسيح عليه السلام سينشر السلم والسلام والإسلام في أرجاء الأرض فلا يكون في أرجائها غير مسلم… وما إن يموت حَتَّىٰ يعود الهرج والمرج والكفر.

من المستفيد من وباء الكورونا؟

هنا المفارقة الكبرى. والكوميديا العجيبة التي لا تخطر في البال.

تخيل أنَّ إيران والأنظمة العربية عامة والتي تعيش وضعاً قلقاً هي فقط وفقط هي المستفيدة من هٰذا الوباء العالمي، إلىٰ درجة أني أتساءل: أيمكن أن تكون هٰذه الحرب البيولوجية من أجل القضاء علىٰ الحراك العربي وتعزيز سلطة الأنظمة التي ثارت عليها شعوب والأنظمة المحتمل أن تثور عليها شعوبها؟

بطبيعة الحال لا يوجد رابح في العالم علىٰ الإطلاق من هٰذا الوباء، ولا يوجد مستفيد، الكل خسران خسائر فادحة… تخيل أن خسائر شركات الطيران وحدها إلىٰ لحظة كتابة هٰذه السطور بلغت ثلاثين مليار دولار… وفي الأيام القليلة القادمة سيبلغ المبلغ الضعف تماماً. هٰذه فقط شركات الطيران. وضف إليها مئة مليار خصصتها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتغطية تكاليف كرونا من فحوصات وإسعافات وأدوية وهلم جرًّا. ناهيك عن الركود الاقتصادي وفراغ شوارع أكثر مدن العالم من الناس…

فقط الأنظمة العربية التي تثور عليها شعوب ويحتمل أن تثور هي التي استفادت…

ولٰكن لن تنتهي الحكاية هنا. أتوقع مزيداً من التعقيد. وأسأل الله الخير لمن آمن به حق الإيمان، والهدى لكل بني الإنسان. والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى