ثقافة وأدب

هكذا سحرت باية محي الدين “بيكاسو” وذائقة الأوربيين

فضيلة بودريش

كاتبة صحافية من الجزائر
عرض مقالات الكاتب

الموهبة الصارخة وحدها، مكنت التشكيلية الجزائرية باية محي الدين، من أسر إعجاب الأوربيين وجعلت الفنان العالمي “بيكاسو”، يتحمس لموهبتها ويلقنها أسرار الفن التشكيلي لعدة أشهر، وبعد ذلك تأثر بفنها الذي يحمل سحر الروح الشرقية، كتاب وشعراء فرنسيين لامعين، فكتبوا عنها بتقدير كبير، واستطاعت أن تفجر من خجلها وتواضعها طريقة  تعبيرية راقية، مستلهمة على المساحات البيضاء الناصعة من بساطتها عمقا في الأداء، جعلها نجمة الشرق تسطع في سماء الغرب، الذي كان قد سجل تطورا واستحدث عباقرة فنه مدارسا ثرية في الفن التشكيلي، وإبداعات تنافس الآلة التصويرية في تخليد صور الحياة الدقيقة.

إبداع من طين

يعرف أن التشكيلية باية محي الدين لديها شهرة واسعة في أوروبا خاصة فرنسا وإيطاليا حتى بعد وفاتها، إلا أن ذات الصيت لم يأخذ حقه في الوطن العربي، على خلفية أن العديد من أعمالها مازالت محفوظة في مجموعة الفن الساذج ب”لوزان” السويسرية. إنطلاقة باية أو “فاطمة حداد” اسمها العائلي قبل زواجها، علما أنها ولدت بالعاصمة عام 1931، رغم أصولها الامازيغية حيث تنحدر من منطقة القبائل، تربت يتيمة الوالدين وعكفت على رعايتها جدتها، وكانت تصطحبها لدى معمرة فرنسية تشتغل لديها، تنبهت صاحبة المزرعة “مارغريت كامينة” لموهبة هذه الفتاة الفطرية في تشكيل تماثيل صغيرة من الطين  ل”حيوانات” وشخصيات نسجتها من خيالها، فشجعتها وقدمت لها أدوات للرسم من أقلام وألوان تراها لأول مرة، وبذلك فتحت لها الأبواب لتطل على عالم الفن التشكيلي الباهر، وحضيت بعد ذلك باهتمام النحات الفرنسي “جون بيريساك”، الذي عرض رسوماتها على “أيمي مايغت” تاجر التحف الفنية ومؤلف ومنتج أفلام معروف شهير، وأخذت أعمالها الإبداعية وريشتها الفنية بالانتشار بعد عرضها على الفرنسيين عام 1947، حيث أبدوا إعجابا كبيرا بما تقدمه، وتناولها النقاد بالثناء والتشجيع وتلقت عرضا بعد  لقائها الفنان العالمي “بابلو بيكاسو” ليعلمها مبادئ الرسم، وبقيت إلى جنبه لمدة أشهر ونهلت كثيرا من تقنياته، فتناقل الإعلام صورها وأعمالها، والتقت في تلك المرحلة بالتشكيلي “جورج براك” أحد مؤسسي المدرسة التكعيبية واحتكت بروح إبداعاته، علما أن باية تزوجت من الموسيقار الجزائري الأندلسي الحاج محفوظ محي الدين، وأوقفت مسارها الإبداعي خلال ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي.

الضحكة القنبلة ل”شهرزاد”

واصلت الفنانة التشكيلية الجزائرية أو شهرزاد الرسم الجزائري كما كانت تلقب، إبداعها بعد استقلال الجزائر، واشتهرت بعد ذلك بصاحبة الضحكة المميزة القابلة للانفجار، حيث ركزت على النحت والخزف واللوحات، مستمدة أفكار صورها من خيالات ذاكرة الطفولة، لتسترجع صور الحيوانات والازهار مفجرة زخم الطبيعة في مختلف أعمالها، إلى جانب نقل وترجمة جزء مهم من الآلات الموسيقية متأثرة بفن زوجها العريق النابع من الغناء الجزائري الأصيل، ولم تترك فرصة إلا وجسدت المرأة في لوحاتها الزيتية فتارة تركز على ثوبها وتارة أخرى على وجهها، واعتبرتها رمزا حقيقيا للحياة والاستمرارية، حتى أنها شجعت “بيكاسو” كما يؤكد على رسم لوحته الشهيرة “نساء الجزائر”، واتفق النقاد من بينهم أحد أعلام المدرسة الفنية الغربية “بريتون” أن باية تنساق نحو الفن “السوريالي” الممزوج بروح الاستشراق والفهم الغرائبي. ولا يخفى أن لوحات باية تتقاطع فيها الثقافات البربرية والرومانية والعربية وتقنيات التجسيد الأوروبي ولمسات معظم المدارس الأوروبية، التي اطلعت على أسلوبها التعبيري ووهجها الإبداعي. رحلت باية محي الدين أو فاطمة حداد التي لم تمنع أميتها وعدم التحاقها بالمدرسة من تحقيقها لتفوق كبير على أبرز الفنانات الغربيات، من خلال تفرد نظرتها التشكيلية وقوة موهبتها، يوم 9نوفمبر1998 تاركة ورائها أعمالا ترتبط بعرفان أبرز عباقرة المدارس التشكيلية في العالم. لكن الوطن العربي مازال لم يتذوق فنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى