ثقافة وأدب

الشاعرة سمية علوني والعزف على مقام البوح

د. مصطفى عبد القادر

أديب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

في ظل تراكم (ركام) المجموعات الشعرية التي تلفظها دور النشر دون توقف، تنتابنا حالة من التيئيس والنفور،وذلك نظرًا لهزالة المحتوى،وهبوط السوية والمستوى،ومع كثرة هذا الكم الهش نجد بين الحين والآخر مايلفتنا ويستوقفنا،بل مايستجرنا إلى متابعة القراءة بشيء من الاستملاح والاستمتاع…
مؤخرا وقع بين يدي مطبوع معنون ب(فراشة ونور)للشاعرة سمية علوني يقع في مائة صفحة من القطع المتوسط صادر عن دار صائب للنشر.ضمت المجموعة بين درفتيها جملة من النصوص المحتشدة بالحنين والوجد والحزن النابع من واقع(محنظل)كان له الدور الكبير في إطلاق تلك الزفرات الشعرية الحارقة بموسيقاها المنغمة التي لم تنبثق من الألفاظ ذاتها بقدر ماتشكّلت من خلال سياق شعري منسوج بحرفنة،وارتباط خفي بما حوله من نقوش صيغت بقلم خبير، فتدفقت تلك المعاني الموحية دون تشويه أو تشخيص.ص 7/أعصر لب ّالشوق فأمطره على صحيفة قلبك فيضًا ومدرارًا…وأستنشق من ماء عينيك مسكًا يفيض بجنة خلدي عيونًا وأنهارًا/
لقد حاولت الشاعرة الابتعاد قدر الإمكان عن المفردات القاموسية،والزخارف المعجمية،فانسابت نصوصها انسيابًا سهلاً ممتنعًا،وجرت بمجراها دون فائض مجاني حيث اعتمدت الشاعرة في بعض نصوصها على الترميز المبطن الموحي،وفي بعضها الآخر على الوضوح الأقرب للمباشرة المغلفة ب(سيلوفان) التصوير الذي اقتضته ضرورة السياق حيث لايكتمل النصّ إلا بالاستجلاء البين المبرز للمرامي بعد دفق متسق ينظمه خيط متين لاغنى فيه لما سبق عما أعقب ص 27/سأفرش خدي بساط وجد…وأحلم بمروركم كنسمة أيلول تصافح قلبي…ويطلع القمر من لب أرواحنا لنعود ونولد من جديد/.
واللافت أيضا في (فراشة ونور)تزاحم الصور الشعرية الموظفة توظيفا حسنًا عبر تشفير مفتوح قابل للفكّ والتأويل ،فاكتست النصوص برونق جمالي حسي استطاع جذب القارىء وفق ربط عضوي بين التضمير الحقيقي للصورة الشعرية ومعناها المجازي المرسل ،حيث قامت تلك الصور بأداء عدة وظائف بآن واحد منها: التعبيري..الإيحائي..الجمالي..والعاطفي ص45/ أسرج أصابعي قناديل نور في ثغر بوحي..فتتسابق نبضات وجدي لترتشف شهدًا معتقًا بالذكريات يشع أملا.ً.أغذيه رحيق لهفة الشوق ..عانقت أخيلة وأفصحت بابتسامة تسبح في نهر سحر الأمنيات/
وعلى صعيد الإيقاع نلمح ذلك التنوع(البانورامي) الكاسر للرتابة(المونوتونية)حيث شكّل إحدى خصائص(التمبو)الشعري المقارع لملل القارىء،والمحافظ على التلاحم الداخلي المتين للبناء المعماري الشعري المعتضد بعضه برقاب بعض ،فكان الارتقاء والاندغام ببن الموسيقا والمعنى في وئام إيقاعي حقق غاية المرسل،وأثّر في نفس المرسل إليه.
من خلال الآنف ذكره ،يتبدى لنا أن المفهوم الشعري لدى سمية علوني هو أشبه بممارسة عملية ارتطام مياه البحر بالصخور الناتئة،والكتابة لديها هي المعادل الموضوعي المرتبط ارتباطًا وثيقًا بمعاناة فاقت الحدّ الفاصل
بين التسلط والمعاناة
بين الحزن والفرح
بين الحب والكره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى