بحوث ودراسات

المأساة السورية.. البدايات وجذور البلاء 3 من 6

معاذ السرّاج

باحث في تاريخ سورية المعاصر وشؤون الحركات الإسلامية
عرض مقالات الكاتب

الطائفية المبكرة (3)

ينبغي أن نعترف ابتداء بحساسية الموضوع الطائفي, وأن نُقِرّ بشعور الحذر الشديد الذي ينتاب الكثيرين عند تناوله, غير أنْ لا أحد يمكنه تجاهل حقيقة تأثيره الحاسم في حياة السوريين وتاريخهم المعاصر, مستقبلهم إلى سنوات وعقود قادمة. يتجسد هذا الحذر حين نعلم أنه يندر أن تجد كتابا أُفرد لبحث المسألة الطائفية, أو دراسة جادة تناولتها, أو ندوة أقيمت لمناقشتها والحوار حولها, وإن حصل فعلى أضيق نطاق, فالحديث في الطائفية من المحرمات, على الرغم من تفشيها وهيمنتها المطلقة على مناحي الحياة في سورية, وسرعان ما يُتهم صاحبها بالطائفية ويُجرّم, ونذكر هنا أن كتاب “بلاد الشام في مطلع القرن العشرين” للدكتور وجيه الكوثراني, مُنِع من الدخول إلى سوريا, مع أنه كتاب توثيقي أكاديمي, بحجة أنه يتطرق للطائفية, وهو حديث ممنوع رسميا, كما ورد في مقدمة الكتاب.

يقول مطاع الصفدي: “إن دراسة الطائفية جذورها التاريخية وتطوراتها وعلاقتها بالعقائد الدينية من جهة, والمصالح الطبقية من جهة ثانية, ودورها في قضايا الصراع السياسي الحديث منذ أيام المسألة الشرقية.. هذه الدراسة لم يقدم عليها أحد من المفكرين لا التقدميين ولا الرجعيين, وهذه الدراسة ما زالت ضائعة مفقودة من ثقافتنا الحديثة”. صفدي 334

ومنذ عام 1964 اعتبر الصفدي (1929-2016) وهو المفكر القومي “أن فقدان الدراسات الطائفية من ثقافتنا الحديثة يكشف عن واحد من أصنام محرماتنا الكبرى”, وحين يتحدث عنها في كتابه “حزب البعث: مأساة المولد.. مأساة النهاية” فإنه يفرد لها فقرة خاصة وتحت عنوان معبر: ” الطائفية عن سابق تصميم وإصرار”. وليس هذا فحسب, بل إن قادة حزبيين كبارا من أمثال سامي الجندي ومنيف الرزاز كرروا طرح هذا السؤال بكل وضوح وبالمعنى ذاته… “الطائفية ذلك الجدار الأصم الذي لم يجرؤ أحد على اقتحامه حتى اليوم”؟!

وينقل عدنان سعد الدين عن توفيق دنيا (وهو معارض علوي مقيم في كندا)، قوله: «تتركز معظم النقاشات الخافتة ، التي يملؤها الخوف منذ زمن طويل وحتى الآن حول الأزمة الطائفية في سورية ومَنْ عمّقها، وما تركته من احتقانات داخل المجتمع، ومدى مساهمتها في شق مجتمعنا السوري عموديًا، مما أمن مصالح النظام واستمراريته ومصالح القوى التي على شاكلته ممن تعتاش على الطائفية من هاجس رهيب لجميع أبنائه، خوفًا من وقوع كارثة عند التفكير في أي مشروع تغيير يتناول شكل نظام الحكم..”

والواقع أنه إذا كانت الدراسات الطائفية قد فُقدت بالفعل من ثقافتنا المعاصرة, ولأسباب مختلفة كما أسلفنا, لكن الحقائق الميدانية التي أوجدتها السياسات الطائفية يزخر بها الواقع المشاهد, وتغلغلت مظاهرها بعمق في الثقافة الاجتماعية والسياسية لدى السوريين, حتى في دقائق الحياة اليومية اللهجة والمصطلحات والأعراف والتقاليد, وكثيرا ما أخذ طابع النقد والسخرية الضمنية.

الشعور بتنامي البيئة الطائفية يعود إلى أيام الاحتلال الفرنسي, وربما قبلها, وكثيرا ما خرج إلى العلن حسب ظروف وطبيعة المرحلة, لكن طبيعة مجتمعات المنطقة, وثقافة التعايش التي ميزتها عبر العصور, كانت تحول دون تفاقم هذه المشاكل, وتجد لها الحلول على الدوام.

ومع كل هذا تبرز العديد من علامات الاستفهام حول الصمت الذي كان يلف مواقف النخب والشخصيات التي قادت تلك المراحل أو شاركت فيها, وخاصة تلك التي تنتسب إلى ما سمّي بالأقليات (وهي تسمية وافدة على مجتمعات المنطقة), وكيف سمحت بتفاقم المشكلة وترسخها دون ردة فعل مناسبة, ولعل من أبرزها تجاهل “اللجنة العسكرية الطائفية”, ونشاطاتها التي استمرت لسنوات.

ولعل من المفيد هنا أن نذكّر هنا بالانسحاب المبكر للاستاذ جلال السيد من “حزب البعث” منذ عام (1955م), وبرره حينها بغلبة النزعة الطائفية, وهيمنة أبناء الطوائف على الحزب, وفي الواقع فإن قليلين اليوم من يعرفون أن جلال السيد هو أحد القادة المؤسسين للحزب, وحذا حذوه, وإن كان متأخرا, العديدون من قادة الحزب وشخصياته الهامة, مثل مطاع الصفدي ومنيف الرزاز وسامي الجندي, وشهادات أمين الحافظ وأحمد أبو صالح وغيرهم, ونستذكر هنا ما ورد في رسالة الاعتذار الشهيرة و (المتأخرة جدا) لصلاح البيطار (عفوك شعب سوريا العظيم) والتي نشرها من باريس صبيحة اغتياله في (21 تموز 1980م).

عديدون تكلموا عن المسألة الطائفية ولكن بهمس وبعيدا عن الأضواء, لكن أحداً لم يجرؤ وحتى اللحظة على الجهر به, والدعوة إلى احتوائه ومعالجته, كأحد أهم وأخطر المعضلات التي واجهتها الدولة السورية منذ تأسيسها.

سامي الجندي يقول على سبيل المثال: “في الفترة التي أتحد ث عنها سألني صلاح جديد مرة: كيف نعالج الطائفية؟ قلت: بحلول ثورية قال: كيف؟ قلت: أصبحت هذه المشكلة سياسية أولا لكنها تتعقد يوما بعد يوم, وستصبح قضية اجتماعية وستعرض البلاد للخطر, وأفضِّل أن تعودوا للمشروع الذي بدأه الجيل العلوي المثقف الذي سبقكم. قال ما هو؟ قلت: نشر الكتب السرية فالطوائف الأخرى تسيئ الظن بكم وتذهب إلى أنكم جمعية. قال لو فعلنا لسحقنا المشايخ. أجبت ثوري وتخشى المشايخ؟ كيف إذن نتعرض للمشكلات الكبرى؟ نقارع الاستعمار ونجبن أمامهم؟  لم يحر جوابا. بدا عليه التفكير, وبدأت منذئذ مشاكلي مع الحكم. وعلمت فيما بعد أنه يدفع الزكاة للمشايخ ويتقرب منهم. تلك شهادة أحد قادة المرحلة سامي الجندي. وهناك ما يشبهه إلى حد تطابق الألفاظ من منيف الرزاز ومطاع الصفدي, بل إن زكي الأرسوزي المنظر البعثي والقومي العلوي, لما سأله د. محمد أحمد الزعبي وكان وزيرا للإعلام وقتها, وعلى علاقة وطيدة بالأرسوزي, عن حقيقة قناعته بأن العلويين يحكمون سوريا لم يتردد بالإجابة بلفظ (نعم). ثم اتبعها بقوله: “إنهم فشلوا في تحرير فلسطين، وبالتالي يتوجب عليهم ترك السلطة لغيرهم”, وكان هذا بعيد هزيمة عام  1967.

وكلام سامي الجندي هنا يتوافق مع ما ذكره الشيخ عيد المجيد المجذوب, الذي كان على صلة وثيقة بالعلويين وزعمائهم وشبابهم, والذي طالما أثنى عليهم وتكلم بحقهم كلاما منصفا, قلما نقرأه عند غيره, يقول الشيخ عبد المجيد المجذوب: “لقد عرفنا منهم غير قليل من الذين شاركوا في الحركة الداعية غلى وحدة سورية, التي كان قد مزقها الاستعمار, فجعل كل محافظة منها دولة قائمة بذاتها”. وأشار في موضع آخر إلى وقفة الشيخ صالح العلي بوجه دعوة سلطة الانتداب إلى إحصاء سكاني تمهيدا “لإعطاء الانفصاليين من قبائل الجبل فرصة لترسيخ القطيعة بين الداخل والساحل”.. وكتاب الشيخ المجذوب “في مواجهة الباطنية”, حافل بالمواقف والذكريات الطيبة والآراء المفيدة حول المسألة الطائفية, ولعلنا نتوسع فيه أكثر, عندما نتناول موضوع “الإسلاميين والطائفية”.

التركيز على أبناء العشيرة التي ينتمي إليها حافظ أسد وزملاؤه بصورة خاصة -عشيرة الكلبية-, كان أخطر هذه الوسائل وأشدها تعصبًا وعنتًا، كما يقول الأستاذ عدنان سعد الدين, الذي كان هو الآخر على علاقة وثيقة بعدد من زعماء العلويين وقادتهم, مثل الشيخ عبد الرحمن الخير, والشاعر أحمد سليمان الأحمد, وغيرهم.

وقد وظف حافظ أسد العامل القبلي لدى العلويين, في استخدام الكثير من هؤلاء كقيادات عسكرية وأمنية، وسلمهم مفاتيح ومفاصل وحدات الجيش الرئيسية وأجهزة الأمن، مما أعطى انطباعًا صريحا بأن الطائفة العلوية تحكم سورية.

ولاشك أن من يراقب أسماء عناصر النظام الرئيسيين في الجيش والأمن يجد أنهم في غالبيتهم العظمى ينتمون إلى أبناء المنطقة الممتدة بين نبع نهر السن، ومفرق قرية القرداحة، وتمتد صعودًا حتى القرى التي تقع في قمة سلاسل هذه الجبال، والتي لا يزيد عدد سكانها عن 240- 270 ألفًا في أقصى تقديرات عام 1996, بمن فيهم سكان جبلة الذين لا يزيد عددهم في تلك الفترة على سبعين ألفًا، أي أن سكان ريف جبلة نصف هذا العدد، وهي المنطقة التي ينتمي إليها أبناء عائلة أسد، ومخلوف، وعلي أصلان، وعلي دوبا، ومحمد الخولي، وغازي كنعان، وعلي حيدر، وتوفيق جلول، وشفيق فياض، وحسن خليل، وهاشم معلا، وأحمد عبود، وعشرات آخرين من كوادر النظام الأمنية والعسكرية, الذين حكموا سوريا بقبضة من حديد.. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، ويتبع هؤلاء الألوف من الضباط والجنود من المرتبة الثانية فالثالثة فالرابعة, كما يذكر باتريك سيل

كانت اللجنة العسكرية من ابرز مظاهر وعلامات التكتل الطائفي الذي استحوذ عليه العلويون في نهاية المطاف بعد أن تخلصوا من رفاقهم وزملائهم من أبناء الطوائف الأخرى. ويعود تشكيل هذه اللجنة لأيام الوحدة بين مصر وسوريا, وتتكون من الضباط محمد عمران وصلاح جديد, وحافظ أسد, وعبد الكريم الجندي, وأحمد المير, وهؤلاء من ضباط الأقليات حصرا, (ثلاثة من العلويين واثنان من الاسماعيليين), ومع أنهم عملوا على توسيعها في إحدى المراحل, لكن هذه المجموعة بقيت تعمل في السر وتتحكم بمقاليد الأمور إلى نهاية المطاف.

لم يكتف القادة العسكريون الذين خططوا مبكراً, بالهيمنة المطلقة على الجيش وحسب, وإنما تعدوا ذلك إلى فرض التوجيه العقائدي عليه, وترسيخ هذا النهج لاحقا, وكان ذلك من أخطر ما فعله حافظ أسد في أولى خطواته بعد استلامه الحكم, واستعان على هذا الدور بالدكتور وهيب الغانم –العلوي الأصل- (1919-2003), والذي كان حافظ أسد يصحبه إلى معسكرات الجيش ليحاضر في الوحدات العسكرية, مستلهما أفكار زكي الأرسوزي –المفكر القومي العلوي الأصل- (1900-1968), بعد أن أخرجه حافظ أسد من عزلته, والذي يرى نفسه كمفكر وفيلسوف, سبق عفلق وغيره في وضع نظريات القومية العربية والوحدة, وإحياء المشاعر القومية, وأن عفلق سرق منه أفكاره ونسبها إلى نفسه.

وهكذا كانت سوريا تحث الخطى بقوة في المسار الطائفي تحت ستار حزب البعث..

وقبل أن نستطرد في البحث نذكر هنا بمقولة ميشيل سورا: “كان الرجال الأكثر سطوة فيما بعد 1963 العلويين وابتداء من عام 1966 صارت وزارة الدفاع التي كان وزيرها حافظ أسد, مسرحا كاملا للاستعمار العلوي”.

نقول هذا ليس تبرئة للبعث ولا لقادته فقد كانوا موجودين وعلى رأس عملهم ووزاراتهم في تلك الفترة, ومن الناحية العملية لم ينته تأثيرهم الفعلي, وإن كان محدودا, إلا بعد انقلاب ما سُمّي بالحركة التصحيحية واستلام حافظ أسد للسلطة في 16 تشرين الثاني 1970.

  1. نماذج من الممارسات الطائفية المبكرة

 الباحث نيكولاس فان دام أن: “زعماء الطائفية العلوية وضباطها البارزين أمثال: محمد عمران وحافظ الأسد وعزت جديد وإبراهيم ماخوس, اجتمعوا لدراسة النتائج المترتبة على محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها الناصريون، في 18 تموز 1963, وقرروا ترفيع عدد من الضابط، إلى رتب دينية.. وتكليف مشايخ الطائفة بحض الشباب على الانخراط بالقوات المسلحة، ومواصلة نزوح العلويين من الجبل إلى المدن الساحلية والداخلية، ولاسيما اللاذقية وطرطوس وحمص”.

مطاع الصفدي: “في سوريا ومبكرا جدا أشعل المخططون حربا طائفية شاملة لم يوفروا فيها وسيلة تذكر إلا واستعملوها, تغذيها أنواع التحديات اليومية في الجيش ودوائر الدولة والمدارس والجامعات والأحياء والمعامل والقرى والجبل والساحل والريف والمدينة … في تخطيط رهيب يستهدف تدمير أسس الحياة الطبيعية في البلاد والقضاء على مكتسباتها ومقاييسها الحضارية”. سامي الجندي: “بدأت قوافل القرويين منذ ما ظهر الحزب على المسرح, تترك القرى من السهول والجبال إلى دمشق.. وطغت القاف المقلقلة على شوارعها ومقاهيها, وغرف الانتظار في الوزارات, فكان التسريح لزاما من أجل التعيين..”137,

والواقع أن توجه القرويين إلى العاصمة دمشق أو المدن الكبرى ليس مشكلة بحد ذاته, لولا انه ترافق بسياسات تعسفية, أدت إلى خلخلة مؤسسات الدولة, وإضعافها, وإفراغها من الكفاءات وأصحاب الخبرة والتجربة, الأمر الذي كانت عواقبه على سورية من أسوأ ما يكون.

خلال السنوات الأولى من حكم البعث, تم تجنيد الآلاف الضباط من أبناء الطوائف, من حملة الثانويات الجدد, ومن المعلمين وصغار الموظفين, بعد إغرائهم بالرواتب, وترفيعهم لعدة رتب ليصبحوا بمصاف الضباط الحقيقيين العاملين في الجيش, مقابل تسريحات بالمئات للضباط من أبناء المدن (ال…) تحديدا, حتى فرغت أسلحة كاملة من ضباطها الرئيسيين, مثل سلاح الطيران والبحرية والآليات, وأصبحت ألوية بكاملها بما فيها ضباطها وضباط صفها وأركانها وجنودها من طائفة واحدة أو طوائف معينة, كاللواء السبعين واللواء الخامس. وبالطبع فقد أُغلقت أبواب الكليات العسكرية بمختلف صنوفها في وجه شباب المدن (ال…). حتى إن دورات كاملة من هذه الكليات قد سرحت من الخدمة جميعها وقبل أن تتخرج, في حين أن دورات أخرى تكاد تغلق بكاملها على أبناء الطوائف.

وتكفي بادرة تجمع بين العسكريين أو محاولة انقلابية وما شابهها لتصفية المئات من الضباط والعسكريين بالإعدام الميداني والتسريح والاعتقال كما حدث في حركة 18تموز 1963 وغالبهم أو كلهم طبعا من (ال…)

ولقد كانت نتائج هذه الأفعال وخيمة للغاية, وسرعان ما ظهرت في هزيمة عام 1967, التي كانت أكبر كارثة على سورية منذ الاستقلال, ولاشك أن السبب الرئيسي فيما حدث يعود إلى ما فعله الحكام الجدد حين أقدموا على تسريح المئات من الضباط الأكفاء, ويستغلون لذلك كل فرصة ومناسبة, حتى بلغت أعداد من تم تسريحهم منذ انقلاب البعث وحتى قبيل الحرب, ما يزيد على ألفي ضابط, وهي فترة وجيزة جدا, ولا يمكن بحال أن تكون كافية لتعويض هؤلاء الضباط, الأمر الذي يحتاج لعشرات السنين.

وما حدث في الجيش ينطبق على سائر المؤسسات الأخرى, والذي يهمنا هنا هو التأكيد على أن الصفة (الطائفية) أصبحت هي المقياس لجدارة الموظف في الترقي واحتلال المناصب الكبيرة.  

ويصبح الأمر أسوأ فأسوأ, عند الحديث عن مؤسسات الإرهاب (شعبة سياسية, مخابرات, حرس قومي) والتي أسندت معظم وظائفها إلى أبناء الطوائف, ويذكر الذين تعرضوا للسجن والاستجواب أن أكثر المحققين والجلادين قسوة وعنفا, كانوا من طوائف معينة, وأنهم كانوا يمارسون التعذيب والشتم بأساليب طائفية..

يذكر سامي الجندي أن سجن المزة, مديره وأكثر مساعديه وفرق التعذيب كانوا علويين ويُظهرون علويتهم بإهانة عقائد المعذبين… أشرس محقق قانوني عرفَته أقبية سجن المزة كان من (ال…) وكان رقيبان أو ثلاثة من (ال…) يمارسون التعذيب اليومي والليلي.

المحافظات التي تكثر فيها التجمعات السنية لابد أن يكون المشرفين على الأمن فيها من (ال…) أولاً ثم (ال…) ثانيا ثم (ال…), و(ال… ) أخيرا.

ومن المسائل المهمة التي اشتهرت ها تلك الفترة هي انتشار الميليشيات الطائفية, التي أصبحت ظاهرة معروفة لدى السوريين, وخاصة في شوارع العاصمة دمشق, ومنها سرايا الدفاع التي تأسست في الستينات على يد رفعت أسد شقيق حافظ أسد, وتبعها لاحقا توسع كبير في تأسيس العديد من الميليشيات الأخرى, مثل الوحدات الخاصة وسرايا الصراع والحرس الجمهوري والفصائل الحزبية وجمعية المرتضى وغيرها.

الميليشيات الطائفية وحدات عسكرية منتخبة ومدربة بعناية كبيرة، ومسلحة بأحدث الأسلحة, بما فيها الطيران السمتي, والدبابات الروسية الحديثة, بعضها وصف بالحرس الإمبراطوري الصارم لنظام حافظ أسد، بلغ تعداد كل منها عشرات الآلاف, وكانت لها ميزانية ضخمة من أموال الشعب السوري, وعلى حساب عرق ابنائه وكدهم.. وكان قادة هذه الميليشيات وضباطها وغالبية عناصرها من العلويين, ومن أشهرهم, رفعت أسد, وعلي حيدر, وعدنان أسد وهاشم معلا وغيرهم.

سرايا الدفاع على سبيل المثال, نفّذت جريمة مجزرة سجن تدمر الشهيرة, التي سقط فيها حوالي الألف شهيد, وشاركت الميليشيات كلها في حصار المدن السورية في أحداث الثمانينات, وتمشيط أحيائها, مثل حلب وجسر الشغور, حماة (في المجزرة الأولى عام 1981), وارتكبت فيها الكثير من المذابح, كما أنها شاركت في مجزرة حماة عام 1982. كما شاركت كذلك في الحرب اللبنانية وارتكبت الكثير من الفظائع والموبقات, وجلبت العار والسمعة السيئة على السوريين, بسلوكيات قادتها وأفرادها المشينة والمتدنية واشتهارهم بالسرقة والتهريب والتعفيش, وتجارة المخدرات والفساد الأخلاقي بصنوفه.

الحديث في الطائفية المبكرة والطائفية بصورة عامة, حديث طويل, وسنأتي على تفاصيل جوانب أخرى منه في أبحاث تالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى