مقالات

قراءة في علس جوكر نظام الملالي !

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

في بداية السنة الجديدة 3 كانون الثاني 2020، وبتوجيه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب،  قام الجيش الأميركي -بواسطة طائرة مسيرة بالقرب من مطار بغداد الدولي – بعملية اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس والمسؤول عن وحدة العمليات الخارجية والسرية في الحرس الثوري الإيراني والمهندس المسؤول عن تنفيذ تمدد النفوذ الايراني في المنطقة العربية ، كما استهدف وقتل معه في الضربة الجوية أبو مهدي المهندس نائب رئيس ما يسمى هيئة الحشد الشعبي ، والقائد الفعلي لها ولكتائب حزب الله في العراق الموالية لإيران فضلاً عن أشخاص آخرين.

وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنّ سبب قتل قاسم سليماني يعود إلى أنه كان يطور بدأب خططاً لمهاجمة دبلوماسيين وعناصر عسكرية أميركية في العراق والمنطقة.

ولكن السؤال الذي يطرح:  لماذا اتخذت الإدارة الأميركية قراراً بتصفية قاسم سليماني جوكر نظام الملالي في هذه المرحلة الراهنة ولاسيما أنه كان على الرغم من العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوربي ، ومن الإدارات الأميركية يصول ويجول كما يشاء في العراق وسورية ولبنان واليمن ، ويوجه ويقود ميليشيات محلية خارجة عن القانون تقوم بذريعة الحرب على داعش بالابتزاز السياسي والقتل والتهجير الطائفي، ومن ثم تمهد الطريق للتمدد الايراني في المنطقة العربية بعلم ورضاء الولايات المتحدة وتحت بصرها وحماية قواتها وفي ظل تغطية طائراتها الحربية ورصد طائراتها المسيرة واستخدام صواريخها الموجهة ؟

نظام العقوبات

إن النظام الدولي الثنائي القطبية الذي كانت تقوده الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من بعد الحرب العالمية الثانية 1945 وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991، ومن ثم خلفه النظام الاحادي القطبية الذي أصبح يقوده الولايات المتحدة إلى اليوم يشبه من ناحية استخدام العقوبات التأديبية نظام دوري كرة القدم ،حيث تخضع فيه جميع الفرق إلى قانون اللعبة المفروض من قبل إدارة الدوري لمواجهة اللعب الخشن أو الخروج عن الروح الرياضية من قبل اللاعبين ،ولذلك هناك التنبيه الأولي ومن ثم البطاقة الصفراء والبطاقة الحمراء ،فضلاً عن الحرمان من اللعب مدى الحياة .

ولكن بعد أن أصبحت الولايات المتحدة صاحبة القرار والفعل في الساحة الدولية ، ومن أجل ضبط الحركة فيها فقد اتبعت سياسة ردع أو تعديل سلوك اللاعبين الدوليين ، سواء كانوا نظمًا سياسية لدول كبرى أو إقليمية أو عادية أو جماعات وأفراد في حال خروجهم أو تجاوز حدود ما هو مرسوم ومسموح لهم ، أو اصطدام أفق مشاريعهم وأبعاد توجهاتهم مع المصالح الأميركية، فقد وضعت لمعارضة الدول الكبرى اجراءات عقابية خاصة بهم، ولمواجهة شغب أو تمرد النظم السياسية للدول الإقليمية أو العادية أو شغب الجماعات التي تعدها ارهابية ، فقد وظّفت لتأديبهم قواعد القانون الدولي ،واجراءات المحكمة الجنائية الدولية ،وقرارات مجلس الأمن ،فضلاً عن استخدام القوة الناعمة الدبلوماسية والثقافية والاعلامية والاقتصادية والتجارية ،أو استخدام القوة الصلبة العسكرية بغطرسة ومن دون قيود إن تطلب حسم الأمر بإسقاط النظم المناوئة، أو تصفية قيادة الجماعات المتطرفة.

سياسة توظيف واستخدام الصديق والعدو 

إن التخطيط الاستراتيجي الأميركي ، يقوم على مبدأ أن النظام السياسي الصديق أو الخصم ،وكذلك الجماعات الارهابية وقادتهم يوظفون ويستخدمون ويستغلون جميعهم بعلم ودراية ، أو دونهما في الاسهام في تنفيذ وتحقيق الأهداف والمصالح الأميركية.  

وفي حيّز ما يسميه الغرب منطقة الشرق الأوسط، فقد كان هناك نظام الملالي الشيعي المتطرف في ايران، والنظام الطائفي العلوي في سورية، والنظام البعثي في العراق، ونظام طالبان السني المتشدد في أفغانستان ، فضلاً عن جماعات وحركات اسلامية يُطلق عليهم في توصيف أدبيات السياسة الخارجية الأميركية دول مارقة وشريرة أو جماعات ارهابية خارجة عن القانون ، لأنها حسب تقييمها نظم سياسية وجماعات معادية ومعارضة للولايات المتحدة.

ومن حيث واقع العلاقات فقد كان النظام البعثي في العراق إلى جانب نظام طالبان السني المتشدد في أفغانستان يشكلان قوتين رادعتين تطوقان وتشغلان نظام الملالي المتطرف في إيران ، هذا النظام الذي يسعى ويعمل إلى تصدير تجربته -ولاية الولي الفقيه – إلى الجوار ، ويكادان يطبقان على أنفاسه ،ويقفان عقبة كأداء أمام تمدده على الرغم من اختلاف توجهاتهما الفكرية وأهدافهم السياسية، فضلاً عن أن نظام البعث في العراق بمشروعه القومي على الرغم مما رافقه من اقتراف الأخطاء ،إلا أنه كان القوة الواعدة لنهضة العرب ،والقوة الحقيقية الرادعة لإسرائيل ، واللاجمة للنفوذ الإيراني ، والمقلقة للولايات المتحدة  ، ولذلك قطعت الاف الأميال لإسقاطه واجتثاثه وتدمير الدولة العراقية وتحويلها إلى دولة فاشلة يقودها العملاء والجهلة ، في حين كان النظام في سورية الذي يحكم بالطائفة والطائفية ،والاستبداد والفساد ويغطي عليها بادعاء الإيمان بالعروبة ، ورفع شعار الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة لأميركا ، صديقاً لنظام الملالي المتطرف في إيران ومعادياً لنظام البعث في العراق ولكنه متعاون في تنفيذ الكثير من السياسات الأميركية وبخاصة بمهمة القيام بحماية أمن اسرائيل من التهديدات ، ولذلك عندما ثار عليه الشعب السوري لإسقاطه من أجل قيام دولة المواطنة ، قام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية غضت النظر عنه الولايات المتحدة وبقيت ولا تزال تقف بإصرار-  يفتقد الأخلاق والانسانية – إلى جانبه ،وتعمل وتسعى بخطى حثيثة على بقائه واستمراره في السلطة رغم أنّه سقط بالشرعية الثورية بوصف الشعب مصدر السلطات .

ومن منطلق المضي قدماً في تحقيق الأهداف والمصالح الحيوية الأميركية في المنطقة ، ولا سيما قضية حماية أمن إسرائيل وقبولها،  فقد استغلت الولايات المتحدة تلك الحالة بذريعة هجمات 11 أيلول 2001  لتحويل اتجاه الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع طائفي ، وذلك من خلال تمكين نظام الملالي الشيعي المتطرف في ايران بالسماح له بالتمدد في المنطقة وتوسيع دائرة نفوذه بتذليل العقبات أمامه ، ليصنع هلالاً شيعياً يخدم المصالح الأميركية ، حيث قامت بغزو أفغانستان وإسقاط نظام طالبان السني المتشدد بزعامة الملا عمر في 2001، ومن ثم غزو العراق وإسقاط النظام البعثي ممثلاً بالرئيس القوي صدام حسين في 2003 ومن إعدامه 2006 ، مع أن النظامين – وبخاصة نظام الرئيس صدام حسين – كان كلاً منهما يمثلان قلقاُ أمنياً لنظام الملالي المتطرف في ايران ، ويشكلان فكي كماشة ومن ثم سداً منيعاً أمام تحقيق طموحاته العنصرية الإمبراطورية،  ونشر نوازعه الطائفية ، لا سيما أنه منذ وصوله إلى السلطة كان يزايد بأسلوب مبتذل في عداء الولايات المتحدة الأمريكية ،ويعدها دولة معادية ، ويطلق عليها “الشيطان الأكبر” ومع ذلك فقد قام بتقديم المساعدة لها للإطاحة بهما، وقد أكد ذلك محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، في أن بلاده قدمت الكثير من العون إلى الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان والعراق، وأنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة، وقد اعترف الرئيس الإيراني السابق محمد أحمدي نجاد أن النظام العراقي والنظام الأفغاني كانا يمثلان تهديداً مباشراً لإيران ، ولذلك كان اسقاط نظام طالبان السني المتشدد في أفغانستان، والنظام البعثي القوي في العراق من قبل الولايات المتحدة خطوة مدروسة من أجل الإخلال بالتوازن الإقليمي ، ومن ثم التمهيد لفتح الطريق أمام تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة ذات الأغلبية السنية لإنشاء ما يسمى الهلال الشيعي، ولذلك كانت فرصة اللواء قاسم سليماني وسطوع نجمه في ايران والمنطقة والعالم بعد إسقاط نظام الرئيس صدام حسين في نيسان 2003، بحيث تمكنت إيران من فرض سيطرتها على العراق ثم امتدت بسيطرتها إلى لبنان وسورية واليمن وغزة ،فأصبحت برغبة ومساعدة الولايات المتحدة اللاعب الأكثر تأثيراُ ونفوذاً فيها ، وهذا ما دفع وزير الاستخبارات حيدر مصلحي في حكومة محمود أحمدي نجاد إلى القول  منتشياً : إن إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية !

ومن الجدير بالإشارة هنا أن التعاون الأمني والاتصالات بين نظام الملالي المتطرف والادارات الأميركية لم تنقطع على الرغم من التوصيفات السلبية المتبادلة بينهما ، فبعد هجمات 11 أيلول 2001 ، تعاونت الإدارة الأميركية مع فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني ، حيث التقى في جنيف المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية ريان كروكر مع ضباط إيرانيين بغطاء دبلوماسي كانوا يعملون تحت إشراف اللواء قاسم سليماني بهدف التعاون لإسقاط حركة طالبان الأفغانية ، وقد كان نتيجة اللقاء إعطاء الأهداف التابعة لحركة طالبان ، وتحديد أماكن بعض زعماء القاعدة من أجل دقة القصف ، وفي القبض على العناصر الرئيسة في تنظيم القاعدة.

وفي 2009 ، ذكرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية أن كريستوفر ر. هيل، والجنرال ريموند ت. أوديرنو ، وهما من كبار المسؤولين الأميركيين في بغداد في ذلك الوقت ، قد التقيا قاسم سليماني في مكتب الرئيس العراقي جلال طالباني.

وفي 2015 نتيجة تحرك قاسم سليماني في العراق وسورية ولبنان بتغطية الطائرات الأميركية ، فقد عرضت مجلة ذي ويك البريطانية رسمًا كاريكاتورياً لقاسم سليماني في السرير مع العم سام الأميركي .

وعندما كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رئيساً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية ، فقد أكد أنّه قد بعث برسالة إلى قاسم سليماني وزعماء إيرانيين آخرين يحملهم فيها المسؤولية عن أي هجمات على المصالح الأميركية من جانب الميليشيات الخاضعة لسيطرتهم.

ممارسة ازدواجية المعايير والابتزاز

على الرغم من أن نظام الملالي منذ وصوله إلى السلطة يقف وراء اندلاع الصراعات الطائفية والاضطرابات في المنطقة ، وكان على الدوام ولا يزال نظاماً راعياً للإرهاب الدولي في قائمة وزارة الخارجية الأميركية ، إلا أن المفارقة العجيبة في أن السياسة الأميركية قد مارست المعايير المزدوجة معه ، ومع بعض النظم السياسية لدول المنطقة ، بحيث أسهمت بسياسة مدروسة من خلال غض النظر وافتعال الأزمات في تضاعف قوة إيران العسكرية غير التقليدية ، ومن ثم تنامي تمددها ونفوذها السياسي في المنطقة من أجل اشغال واخضاع العالم العربي لمشيئتها ولاسيما لتهديد وابتزاز نظم دول الخليج العربي الثرية وبخاصة المملكة العربية السعودية ، بغية طلب الحماية ، وزيادة مشتريات السلاح من الولايات المتحدة ، ولهذا السبب ، تغاضت عن طموحات نظام الملالي ، ودخلت معه في لعبة مفاوضات حول برنامجه النووي استمرت لأكثر من عقد ، وقد تمّ التوصل إلى اتفاق نهائي في تموز 2015 ، ثم ما لبث -لاستمرار اللعبة – والايحاء على أن نظام الملالي لا يزال يشكل خطراً من أجل زيادة ابتزاز نظم دول الخليج العربي الثرية ، أن أعلن الرئيس دونالد ترامب في أيار 2018 عن انسحاب بلاده منه مع إعلانه في الوقت نفسه عن بقاء يده ممدودة لهم، في حين لم تمنح هذه اليد والفرصة الذهبية  للنظام البعثي وللرئيس صدام حسين في العراق ، ولم تسمح له بامتلاك ناصية العلم وأسباب القوة، وقطعت آلاف الأميال لغزوه وتدميره وإسقاط نظامه بذريعة امتلاك أسلحة الدمار الشامل مع أن العراق بناء على شهادة سالم الجميلي الضابط الكبير في المخابرات العراقية في زمن النظام البعثي ، وكذلك ما أكده المحقق السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون نيكسون، إنه خلال التسعينيات من القرن الماضي  حاول العراق التواصل مع الولايات المتحدة ، حيث أرسل رسائل من خلال الأمم المتحدة والسفير العراقي في واشنطن نزار حمدون ، طلب فيها فتح خط تواصل لحل مشكلات البلدين ، وكان فحوى تللك الرسائل هي : أن هناك الكثير من الأمور التي يمكن للعراق أن يساعد الولايات المتحدة بها وأنه أيضاً يحتاج لمساعدتها للخروج من طائلة العقوبات ، وأحد الأمور التي عرض الرئيس صدام حسين المساعدة فيها مسألة مواجهة الارهاب الدولي ، ولكن الجانب الأميركي لم يجب على تلك المحاولات لأنه لم يكن على استعداد للتواصل مع العراق وقبول يده الممدودة .

وفي جانب آخر لسياسة ممارسة المعايير المزدوجة فقد كان الاعلام الأميركي لا يسمح لمسؤولي النظام البعثي في العراق بمخاطبة الرأي العام الأميركي، في حين يسمح بهذا لمسؤولي نظام الملالي فقد كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مقالة في صحيفة نيويورك تايمز ينتقد فيه النظام السعودي والوهابية ، كما ما انفك المسؤولون الأميركيون عن الإعلان أن العقوبات على إيران لا تهدف إلى تغيير النظام ، إنما إلى تغيير سلوكه ، وكان الرد من قبل الملالي أن العقوبات لن تنجح في تقييد سياسة ايران الإقليمية، وكذلك عندما قام نظام الملالي  في 8 كانون الثاني 2020 بالرد على مقتل سليماني بهجوم صاروخي أبيض على قاعدتين أميركيتين في العراق ، فقد كان الرد الأميركي على تلك الهجمات ناعماً حيث وجه الرئيس دونالد ترامب دعوة للحكومة الإيرانية للتفاوض من أجل الوصول إلى تسوية ترضي الطرفين.

المهندس المشرف على التمدد   

كان قاسم سليماني قائد فيلق القدس والمسؤول عن وحدة العمليات الخارجية والسرية في الحرس الثوري الإيراني ، وهو المهندس الفعلي والمسؤول عن تنفيذ تمدد النفوذ الايراني في المنطقة العربية ذات الأغلبية السنية المطلقة لصنع ما يسمى الهلال الشيعي، وهذا ما ترغب به الولايات المتحدة من أجل خلق حالة عداء مع العرب الشيعة من قبل العرب السنة ، ومن ثم دفعهم إلى مقارنة الخطر العقدي الإيراني مع الخطر الاستيطاني الإسرائيلي ما يضطرهم إلى القبول بوجود إسرائيل بين ظهرانيهم ، ويبدو أن اختياره لهذه المهمة قد جاء لمؤهلات ومواصفات ، واعتبارات خاصة به ، فهو من أنصار الثورة الايرانية 1979، ومن مريدي آية الله الخميني والمؤمنين بنظريته ولاية الفقيه وتصديرها إلى المنطقة ، فضلاً عن أنه واحد من أهم عتاة الفرس العنصريين الكارهين للعرب الذين يعملون لإحياء الامبراطورية الفارسية المنقرضة ، وقد ظهر ذلك من خلال مقابلة تلفزيونية في أثناء الحرب العراقية الإيرانية كما كان قاسم سليماني من الشخصيات المؤثرة والقريبة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ومحل ثقته ، ومكان تقديره ، وقد أكدّ على أنه على علاقة وثيقة به ، ووصفه بالشهيد الحي عندما تم في 24 كانون الاول 2011 ترقيته إلى رتبة لواء من قبله.

 وفي خطوة غير مسبوقة وقبل اغتياله بشهور نتيجة لتفانيه في قيادة تنفيذ تمدد المشروع الايراني في المنطقة،  فقد منحه وسام “ذو الفقار” أعلى وسام عسكري في إيران ، وهذه هي المرّة الأولى التي يُمنح فيها هذا الوسام لمسؤول عسكري كبير، وقد جاء تقديراً لشجاعته ونجاحه في القيادة ، وفي بيان التعزية بمقتله فقد وصفه بأنه لواء الاسلام العظيم، وشامخ القامة الذي كان يقارع الشياطين وأشرار العالم ، والأنموذج البارز للناهلين من فيض الإسلام ومدرسة الإمام الخميني ، ولذلك لمكانته الاعتبارية في مشروع تمدد ولاية الفقيه فقد زار المرشد الخامنئي منزله لتقديم التعازي لزوجته وابنته.

وكان قاسم سليماني منذ أن استلم قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري في 1998 قد شرع في إنشاء وتعزيز شبكة نفوذ لنظام الملالي في المنطقة ، ولقيامه بهذه المهمة في لبنان والعراق وسورية واليمن وغزة – فلسطين ، فقد أصبح من خلال الإعلام الإيراني شخصية مشهورة وملهمة تمثل رمزاً لقوة إيران وهيمنتها ونفوذها وهيبتها ، وبخاصة أن الدعاية الإيرانية قد أظهرته وجعلته من أجل التعبئة والحشد الجماهيري حول النظام الذي فقد بريقه بطلاً يذكرهم بأبطال ملحمة الشاهنامة الفارسية للفردوسي ، فالإعلام الإيراني قدمه على أنه شخصية ثورية بطلة وشجاعة وجسورة ومحبوبة من مدرسة ثورة الامام الخميني فهو رمز جهادي ضد الهيمنة وقوى الاستكبار العالمي لأنه كرس حياته من أجل الدفاع عن الاسلام والمضطهدين في العالم ومحاربة الاعداء.

ولذلك عده بعضهم ثاني أقوى شخصية عامة في نظام الملالي بعد المرشد الأعلى آية الله على خامنئي ، ولاسيما أنه كان مرشحاً محتملاً لمنصب قائد الحرس الثوري أو رئيساً للجمهورية ، ولكن لزيادة بريقه والهامه على الدهماء أكد بأنه سيبقى دائماً جندياً بسيطاً يخدم إيران والثورة الإسلامية ونظراً إلى هذه المكانة الاعتبارية التي صنعت له فقد كانت فترة الحداد عليه من قبل الحكومة الايرانية هي الثانية من نوعها بعد آية الله الخميني قائد الثورة الإيرانية.

وحول سيرته بعد انتصار الثورة الايرانية 1979 وسقوط الشاه محمد رضا بهلوي وتولي أية الله الخميني السلطة فقد انضوى عامل البناء قاسم سليماني جندياً في الحرس الثوري وكان أول مهمة له المشاركة في قمع الانتفاضة الكردية، وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في 1980، شارك فيها من خلال قيادته لمجموعة من مسقط رأسه في مقاطعة كرمان، ثم تدرج في أثناء الحرب حتى وصل إلى منصب قائد الفرقة الحادية والأربعين التي تسمى ثأر الله في الحرس الثوري، وبعد الحرب أصبح قائد الحرس الثوري في مقاطعة كرمان، ثم عين في 1998 قائداً لفيلق القدس والمسؤول عن وحدة العمليات الخارجية والسرية في الحرس الثوري الإيراني ، وبعد تعينه كان أول نشاطاته تعزيز قوة حزب الله في لبنان من خلال زيادة الدعم المالي له ومده بالسلاح النوعي والاشراف على تطوير قدراته العسكرية والسياسية والاعلامية والمخابراتية ، ليكون دولة داخل الدولة اللبنانية بذريعة مقاومة اسرائيل ، وكان دائم القدوم إلى لبنان للإشراف الميداني عليه كونه ذراع إيران الرئيسة في المنطقة  .

 وبعد الاحتلال الأميركي للعراق ، أصبح قاسم سليماني دائم التردد على بغداد باعتباره الموجه الأول للقوى الشيعية الموالية لإيران التي سيطرت على مقدرات الدولة العراقية بتمكين أميركي ، فضلاً عن قيامه بتشكيل الميليشيات المسلحة وتدريبها وتسليحها، لتكون تابعة له وتأتمر بأمره،  فجمعها فيما بعد- بذريعة مواجهة داعش- وأطلق عليها قوات الحشد الشعبي لكي تكون على غرار الحرس الثوري الإيراني ، وقد نقل الإعلام العراقي والإيراني إلى أن قاسم سليماني كان يشرف على الميليشيات الشيعية ، ويقدّم المشورة للقوات العراقية والقوات الكردية ضد داعش ولكن المفارقة في أنه كان يتحرك بتغطية من الطيران الأميركي.  

وبعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011 ، ومن أجل مساندة وإبقاء النظام العلوي الحليف الرئيس لنظام الملالي في العالم العربي في السلطة،  فقد تولى قاسم سليماني وضباط من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني قيادة وادارة المساندة والدعم الإيراني ميدانياً ، بغية إجهاض الثورة من خلال استدعاء حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية عراقية وافغانية وباكستانية، كما إنه كان وراء تعزيز نشر حركة التشيّع في سورية بشراء الذمم فضلاً ، عن دعم بناء المراقد الرمزية فيها وإنشاء المؤسسات لها .

كما أن قاسم سليماني، كان وراء تمكين جماعة الحوثي في اليمن من الاستيلاء على السلطة ، وذلك من خلال توليه الاشراف على تدريبهم في ايران أو اليمن او في المناطق التي تخضع لنفوذ ايران،  ومدّهم بالسلاح النوعي والدعم المالي ،كما أنه ساعدهم بالمشورة والتوجيه بعد عملية ما يسمى عاصفة الحزم من خلال القدوم إلى اليمن بين الحين والأخر للإشراف ميدانياً على اعداد الخطط العسكرية لمواجهة السعودية ، واستهداف منشأتها النفطية وبناها التحتية من خلال استخدام الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيّرة .

كما أشرف قاسم سليماني من خلال قيادته لفيلق القدس على بناء قاعدة قوية لإيران في فلسطين – قطاع غزة-  من خلال تعزيز وترسيخ العلاقات مع حركتي الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الاسلامية حماس،  وعمل على دعمهما بالمال والسلاح والخبرات العسكرية والأمنية ، حتى وصلت العلاقات بينهم إلى درجة عالية من التعاون والتنسيق، وبخاصة مع حركة الجهاد الإسلامي القريبة من التشيّع التي أصبحت من خلال ذراعها العسكري سرايا القدس الذي يعد نفسه جزءًا  نما يسمى محور المقاومة أداة لإيران في قطاع غزة.

عوامل وظروف مهدت للتصفية

تجمعت وأسهمت عدة عوامل في خلق الظروف المؤاتية التي شجعت إدارة الرئيس دونالد ترامب على القيام بعملية (علس جوكر الملالي ) اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس ،والمسؤول عن وحدة العمليات الخارجية والسرية في الحرس الثوري الإيراني والمهندس المسؤول عن تنفيذ تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية ، بعد أن تجاوز الخطوط الحمر المرسومة له ،وأصبح عبئاً على مكانة وقدرة الولايات المتحدة ، وكان أول العوامل المشجعة حالة الاحتقان العامة ضد نظام الملالي ، والاحتجاجات الشعبية الإيرانية التي اندلعت ضد السياسات الداخلية والخارجية له التي كان من تبعاتها السلبية تشديد قبضة الاستبداد الأمنية ، وتراجع المستوى المعيشي ولاسيما أن نظام الملالي قد أصيب بالترهل والتكلس وفقدان الحيوية ، بحيث كانت حالة الاحتقان والاحتجاجات الشعبية الأخيرة فرصة أمام الإدارة الأميركية للتخلص منه .

كما كان المشجع الأكبر للإدارة الأميركية على القيام بالعملية ازدياد الشعور المعادي لنظام الملالي في العراق ، فقد اندلعت احتجاجات شعبية غير مسبوقة يقودها العرب الشيعة في العاصمة بغداد  ومدن الجنوب والفرات الأوسط ، ضد اجرام وفساد وتخلف نظام المليشيات الموالية لإيران الذي يقود الدولة العراقية الذي أعادها إلى عصر ما قبل الصناعة،  وضد المحاصصة الطائفية والعرقية فارتفعت الشعارات المعادية والمناهضة لنظام الملالي في ايران ، وبشكل خاص ضد اللواء قاسم سليماني المسؤول الأول عن توجيه المليشيات في قمع الحراك الاحتجاجي ،حيث قتلت المئات، وجرحت الآلاف من المحتجين،  ولاسيما ميليشيا كتائب حزب الله وميليشيا بدر وميليشيا عصائب أهل الحق ، ما دفع المحتجون إلى إحراق مقراتهم في عدد من المدن العراقية ، وتمزيق وحرق صور الخميني والخامنئي وقاسم سليماني ،ومهاجمة القنصلية الإيرانية في كربلاء وحرقها ،وقد كشف الحراك الاحتجاجي تجاوز حالة الانقسام المجتمعي على أساس طائفي ، تلك الحالة التي فرضها الاحتلال الأميركي على العراق ، وعززتها الفصائل الشيعية الموالية لنظام الملالي ، ورسخها الأخير كما كشف أيضاً عدم جدية الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانب المحتجين في فرض التغيير ، وحرصها على استمرار المليشيات في حكم العراق ، وكالعادة ذرت واشنطن الرماد بالعيون بفرض عقوبات لا قيمة ولا تأثير لها في الواقع على أشخاص قالت إنهم يعملون بأمرة وتوجيهات قاسم سليماني .

كما كان من العوامل المشجعة للولايات المتحدة للإقدام على (علس قاسم سليماني) حالة اندلاع الاحتجاجات في لبنان ضد النخبة السياسية الحاكمة ، ولاسيما ضد حزب الله الموالي لنظام الملالي الذي أصبح يسيطر على مقدرات الدولة فيه، فضلاً عن زيادة حالة التذمر والحنق والغضب في العالم العربي من سياسة نظام الملالي ، السياسة القائمة على استباحة أوطانهم ، والاعتداء على حرماتهم وسيادة بلدانهم، ولاسيما في العراق ولبنان وسورية ولبنان واليمن وفلسطين غزة وخاصة أن قاسم سليماني كان اليد المدبّرة والمنفذة لهذه السياسة العدوانية.

وكانت الذريعة القانونية بيد الإدارة الأميركية حالة العقوبات الدولية المفروضة على قاسم سليماني من قبل مجلس الأمن ،ولا سيما القرار ١٧٤٧ الذي اتخذه في جلسته ٥٦٤٧ المعقودة  في ٢٤ آذار ٢٠٠٧، والقرار 2231 الذي اتخذه في جلسته 7488 المعقودة في 20 تموز 2015 باعتباره من الأفراد الذين يشتركون في أنشطة إيران الحساسة من حيث الانتشار النووي ، وفي تطوير منظومات إيصال الأسلحة النووية ، و يرتبطون ﺑﻬا مباشرة أو يقدمون لها الدعم فضلا عن عقوبات مفروضة عليه منذ 2011 من قبل دول الاتحاد الاوربي وسويسرا ، وكذلك عقوبات من قبل الولايات المتحدة نفسها وكان أخرها في نيسان 2019، حيث وضعت إدارة الرئيس دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني رسمياً على لائحة المجموعات الإرهابية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش رفع في 10 كانون الأول 2019، إلى مجلس الأمن تقريره حول تنفيذ القرار 2231 الذي اتخذ في 20 تموز 2015، حيث تناول فيه الانتهاكات الإيرانية للقرار ولاسيما الأمر المتعلق بمنع قاسم سليماني من السفر خارج إيران، فقدم أدلة تظهر اغفاله للمنع بالاعتماد على ما تنشره وسائل الاعلام الإيرانية والسورية والعراقية التي تظهره في ساحات المعارك في سورية والعراق فأكدّ أنه قام بأسفار تخالف أحكام حظر السـفر الواردة في القرار واستنادًا إلى وسائل الإعلام العراقية فإنه سافر عدة مرات إلى بغداد في تشرين الأول 2019وإن الأمانة العامة حاولت الحصول على توضيحات من البعثة الدائمة للعراق ولذلك دعا جميع الدول الأعضاء إلى بذل العناية الواجبة في تنفيذ التدابير التقييدية المفروضة على الأفراد والكيانات الايرانية المدرجة في القائمة عملاً بالقرار 2231.

ومع ذلك فقد أكد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إنه كان على موعد مع قاسم سليماني صباح مقتله ، وكان من المقرر أن يحمل له رسالة من الجانب الإيراني رداً على الرسالة السعودية التي أوصلها للجانب الإيراني للوصول إلى اتفاقات وانفراجات مهمة في الاوضاع في العراق والمنطقة.

أسباب التصفية

ليس للولايات المتحدة صديق تثق به في المنطقة سوى إسرائيل، ولكن ضيق أفق ساسة نظام الملالي بعد غض النظر الأميركي عن تمددهم في المنطقة أنهم قرأوا الموقف الأميركي من سياساتهم وتصرفاتهم وتجاوزاتهم بشكل مغلوط فذهب بهم الخيلاء والوهم أن خيّل إليهم أنهم قد أصبحوا قوة ندية وشريكة للولايات المتحدة في المنطقة ، ومن ثم لهم كلمة فصل فيها إلى جانبها بل وصل بهم قصر النظر السياسي إلى الطلب من الولايات المتحدة مغادرة المنطقة التي تعدها في استراتيجيتها أهم منطقة استراتيجية لها في العالم ،ولديها الاستعداد للدخول في حرب عالمية من أجل النفط والغاز الذي فيها ، في حين بالحقيقة أن نظام الملالي ليس شريكاً إنما أداة تستخدمه الولايات المتحدة كفزاعة ضد العالم العربي وخاصة اتجاه نظم دول الخليج العربي الثرية من أجل ابتزازها.

وفي السياسة الأميركية ، إن تجاوز أي نظام سياسي أو مجموعة أو فرد الخطوط الحمر المرسومة له من قبل الولايات المتحدة ، ولاسيما إن كان أداة في استراتيجيتها ، فستكون عقوبته الإسقاط أو التصفية الجسدية، ولهذا تمّت تصفية قاسم سليماني لتجاوزه الخطوط الحمر المرسومة لنظام الملالي في المنطقة.

وقد كانت فكرة تصفية قاسم سليماني والتخلص منه من قبل الولايات المتحدة حاضرة دائماً على طاولة الرؤساء في البيت الأبيض ، وعلى طاولة مراكز الأبحاث والدراسات القريبة من صناع القرار الأميركي ففي نيسان 2019، عقد معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى اجتماعاً مغلقاً حول طاولة مستديرة لمناقشة التأثير والخسائر المحتملة لنظام الملالي في حال غياب قاسم سليماني.   

وقد جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باغتياله لأنه كان وراء سلسلة من الهجمات على الأصول والمصالح الأميركية في العراق والخليج العربي ، والتي جاءت رداً على إعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015 وإعادة العمل بالعقوبات المفروضة على طهران ففي العراق ، قامت الميليشيات التابعة له ، ولاسيما كتائب حزب الله التي يقودها أبو مهدي المهندس وعصائب أهل الحق التي يقودها قيس الخزعلي بشن سلسلة من الهجمات الصاروخية على قواعد أميركية ففي 7 تشرين الثاني 2019، تم إطلاق عدد من الصواريخ على القاعدة الأميركية في القيارة وفي 9 و11 كانون الأول 2019، أُطلِقت عدة صواريخ على قاعدة مطار بغداد ، وفي 28 كانون الأول 2019، سقط وابل من الصواريخ على القاعدة الأميركية في كركوك ما أسفر عن مقتل مقاول أميركي وإصابة عدة أميركيين وكان هذا أول ضحية أميركية على أيدي الميليشيات الموالية لإيران منذ مقتل جندي أميركي في 1 تشرين الأول 2017 بالقرب من تكريت ،وقد  كان الرد الأميركي في 29 كانون الأول 2019، قاسياً حيث وجهت ضربة انتقامية موجعة ضد كتائب حزب الله الموجودة على الحدود العراقية السورية التي يقودها أبو مهدي المهندس جندي إيران في العراق ،والذراع اليمنى لقاسم سليماني ، فقتلت عددًا كبيراً من قياداته ، وقد أكدّ الجانب الأميركي أن الهجوم كان مبرراً ودفاعياً ولاسيما أنه قد تم ابلاغ الجانب الرسمي العراقي في 7 أيار 2019 من أن الولايات المتحدة سترد بقسوة على المليشيات في حال الاعتداء على الأفراد أو الأصول والمصالح الأميركية ، وجاء هذا التحذير بعد زيادة الهجمات الصاروخية التي تشنها الميليشيات الموالية لنظام الملالي على القواعد الأميركية في العراق ، ولذلك كان الهدف من توجيه الضربة الانتقامية الموجعة أن الموت سيكون العقوبة لكل من يستهدف الأفراد أو الأصول والمصالح الأميركية في العراق.

ولكن المليشيات الموالية لنظام الملالي المنضوية في هيئة الحشد الشعبي التي تتلقى التعليمات والتوجيهات من قاسم سليماني ،ولاسيما كتائب حزب الله ،وعصائب أهل الحق ،ومنظمة بدر وميليشيا الخراساني هاجمت واقتحمت البوابات الخارجية لمجمع السفارة الأميركية في بغداد ، وقامت بإحراق مقرات الحماية الخاصة بالسفارة /وقد قاد الاقتحام فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، وأبو مهدي المهندس قائد كتائب حزب الله، وقيس الخزعلي قائد عصائب أهل الحق، وهادي العامري قائد منظمة بدر، وحميد الجزائري قائد ميليشيا الخراساني.

وعلى أثرها حمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظام الملالي مسؤولية الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية في بغداد ، وأكدّ مهدداً بأنهم سيدفعون الثمن باهظاً وخاصة إن اقتحام السفارة الأميركية في بغداد أعاد إلى أذهان الإدارة الأميركية مأساة حالة اقتحام السفارة الأميركية في طهران في 1979، واحتجاز 52 أميركيا كرهائن ولذلك لن يسمح الأميركيون بتكراره ثانية ولذلك حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران متوعداً من أن الولايات المتّحدة قد حددت 52 موقعاً ايرانياً ستضربها بسرعة وقوة كبيرة إذا ما هاجمت إيران أهدافاً أو أفراداً أميركيين وإن الرقم 52 يمثل عدد الأميركيين الذين احتجزوا رهائن في السفارة الأميركية في طهران.

كما أن نظام الملالي- ومن خلال قاسم سليماني وبواسطة وكلائه -قد تجاوزوا الخط الأحمر الرئيس لدى الأميركيين عندما شكلوا مخاطر على السلعة الاستراتيجية من خلال تهديد امدادات تدفق النفط والغاز العصب الرئيس للطاقة، وخاصة أن الولايات المتحدة هي المسيطرة والمشرفة والمتحكمة والمسؤولة عن استقرار تدفق إمداداته ،ومن ثم لديها كل الاستعداد في حالة تهديد منابعه أو تشكيل الخطر على امداداته الدخول في حرب عالمية فكان نظام الملالي ممثلاً بقاسم سليماني ومن خلال وكلائه في المنطقة ولاسيما جماعة الحوثي وراء سلسلة من الاعتداءات على ناقلات نفط ، وعلى خط أنابيب نفط سعودي والهجوم على شركة النفط السعودية ارامكو ففي 13 أيار 2019 تعرضت أربع ناقلات نفطية 2 إماراتيتين، و 2 سعوديتين في مضيق هرمز لهجوم ، فاتهم جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي إيران بالضلوع في الهجمات، وفي 14 أيار 2019 هاجم الحوثيون بالطائرات المسيرة خط أنابيب للنفط فاتهمت الرياض طهران بالوقوف وراء الهجوم وفي 13 حزيران 2019 تعرضت ناقلتا نفط لهجمات في خليج عمان وقد اتهم وزير الخارجية مايك بومبيو إيران بتنفيذ العملية، ونشر فيديو يظهر التورط الإيراني وفي 20 حزيران 2019 أسقطت إيران طائرة أميركية مسيرة مدعية أنها تخطت الحدود الإيرانية، وفي 14 أيلول 2019 أعلنت جماعة الحوثي في اليمن استهداف مصفاتي بقيق وخريص في شركة أرامكو السعودية بعشر طائرات مسيرة وكان هذا التطور الخطير على منشئات النفط السعودية السبب الرئيس لتصفية قاسم سليماني لأنه قد هدد إمدادات الطاقة حول العالم فالهجمات أوقفت انتاج نحو 5.7 ملايين برميل يوميا، وهو ما يمثل نصف الإنتاج السعودي و5% من إمدادات النفط في العالم فأكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن إيران هي من نفذ الهجوم فشدد على انه لا تسامح مع سلوكها في المنطقة في حين كشف الرئيس دونالد ترامب أن الحرب هي الخيار الأخير ولديه خيارات عديدة في الرد على الهجمات. وكالعادة نفت نظام الملالي هذه الاتهامات ،ووصفها بأنها أكاذيب باطلة وغير لائقة.

كما كان وراء تصفية قاسم سليماني حالة -ربما أصبحت عرفاً – من أجل الفوز بولاية رئاسية  ثانية في الولايات المتحدة ، وهي القيام باغتيال وتصفية القادة التي تصنفهم الولايات المتحدة كإرهابيين، فمن الانجازات المهمة لدى الناخب الأميركي قيام الرئيس باراك أوباما في أيار 2011، بأمر قوات أميركية خاصة بقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن العقل المدبر لهجمات 11 أيلول 2001، ما جعلته يبقى في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية ولذلك أن قيام الرئيس دونالد ترامب بتوجيه قتل قاسم سليماني الذي تتهمه الولايات المتحدة بانه وراء قتل العديد من الأميركيين هو من أجل تحقيق طموحه في الفوز بولاية رئاسية ثانية.  

ومن أسباب تصفية قاسم سليماني محاولاته الدؤوبة نقل صواريخ بالستية بعيدة المدى إلى وكلائه في المنطقة، لتنفيذ ضربات ضد القواعد الأميركية ،ودول الخليج العربي ،بهدف ابتزاز الولايات المتحدة ،ودفعها إلى مشاركة نظام الملالي في تقاسم المصالح علنية في المنطقة ،ولهذا تقوم الطائرات الإسرائيلية والاميركية بين الحين والآخر بغارات على المواقع الإيرانية في سورية والعراق لتدمير هذه الصواريخ أو أي سلاح نوعي ربما يكون خطراً على أمن إسرائيل .   

ولذلك كانت كل تلك الاسباب وراء قيام الولايات المتحدة باغتيال وتصفية قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، هذا الشخص الذي أنشأ شبكة من الوكلاء أصبحت تمثل رمزاً لقوة إيران ومكانتها ومجال نفوذها وهيبتها في المنطقة ما دفعه إلى فقدان توازنه ، فحسب بعقلية القائد القاصر الذي يفكر وما زال يعيش زمن العالم الثالث أن باستطاعة دولة اقليمية أن تكون نداً لدولة عظمى !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى