مقالات

الالتزامات القانونية للدول للحد من الاوبئة الناقلة (العراق أنموذجا)

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

تمر في هذه الفترة الحرجة ازمة صحية عالمية تتمثل بأنتشار مرض ناقل مميت وهو ما يسمى ( بالكورونا) واخذ هذا المرض القاتل ينتشر انتشار الهشيم في النار على عدة دول متعددة ولكن تعامل الدول مع هذا المرض مختلف من درجة الاحتراز على ضواء الامكانيات والتطور الصحي والعلمي.
وبما ان الدول حاليا بالافتراض القانوني عليها التزام قانوني اتجاه شعوبها وافرادها في ضمان الحقوق الصحية لذا لاتستطيع ان تسوف او تتكاسل في مواجهة الاوبئة الناقلة والخطرة حيث توقع عليها القوانين الدولية والدساتير اضافة الى التشريعات الداخلية الزامات قانونية جابرة تواجه بها من خلالها هذه الامراض بكل الوسائل المتاحة وتفرض عليها احيانا ان تدخل الدولة في حالة طوارئ قصوى لمواجهة هكذا اخطار.
فوفقا للقانون الدولي فقد نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة الثالثة (لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه) ليدخل حماية الفرد الصحية من الامراض والاوبئة ضمن حقوق الانسان الاساسية واضافة الى الاعلان العالمي حث العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية النافذ عام ١٩٧٦ الدول على الالتزام بمضامنين الحقوق الصحية لمواطنيها بما ضمنها مكافحة الاوبئة الناقلة ونص على ذلك المادة ١٢ من العهد كالاتي :

  1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
  2. تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
    (ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها)
    وبعيدا عن الاطر القانونية وحين نتجه المنظمات المتخصصة نجد ان منظمة الصحة العالمية اوجبت عدة قواعد في دستورها لتعامل الدول مع الامراض المعدية ففي العام 1946 حدد دستور منظمة الصحة العالمية مسؤولية المنظمة بالنسبة لمكافحة الأمراض المعدية. استناداً إلى المادتين 9 و 10 تستطيع منظمة الصحة العالمية استخدام مصادر للمعلومات بشأن الأمراض المتواجدة في الدول الأعضاء. وفي حال كهذه يفترض بالمنظمة أن تعلم البلد المعني عن هذه التقارير غير الرسمية ومحاولة الحصول على تأكيد من قبل البلد العضو قبل اتخاذ أية إجراءات ترتكز على هذه المعلومات. ويُصار بعدها إلى إبلاغ هذه المعلومات لجميع الدول الأعضاء الباقية. ويمكن في الحالات الاستثنائية فقط أن يبقى مصدر المعلومات هذه في الكتمان.
    في حال وجود أية مخاطر كبيرة تتعلق بالصحة العامة وذات أهمية دولية نتيجة لعدم تعاون بعض الدول، تستطيع منظمة الصحة العالمية إعطاء المعلومات المتوفرة إلى البلدان الأعضاء الأخرى (المادة 10 الفقرة 4). تُلزم المادة 11 منظمة الصحة العالمية إرسال جميع المعلومات إلى البلدان الأعضاء بصفة سرية وفي أسرع وقت ممكن. وهناك النسبة لبعض الوثائق شروط إضافية ويطلب من منظمة الصحة .
    فأوجبت المنظمة على الدول تبادل معلومات الامراض والاصابة وتقديم تقارير دورية في حال كان انتشاره على مناطق متفرقة من البلد وعلى دول الاعضاء عدم خرق قواعد التي تنص عليها المنظمة في دستورها.
    *اما لو اخذنا بنظر محدد لدولة عضو بمنظمة الصحة العالمية وهو #العراق فأنه ملزم قانونا اتجاه مكافحة الاوبئة الانتقالية استنادا الى التزمات تفرضه عليه القواعد الدولية ونصوص دستور منظمة الصحة العالمية والدستور العراقي ٢٠٠٥ اضافة الى تشريعاته الداخلية.
  • فقد وجه الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ على ضرورة توفير الخدمات الصحية للمواطن وضرورة تحمل مسؤولية العناية الصحية للافراد وتدعم الدولة انشاء المؤسسات الصحية والمستشفيات ففي ذلك نصت المادة ٣١ :(( أولاً : لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاءمختلف انواع المستشفيات والمؤسسات الصحية . ثانياً :للافراد والهيئات إنشاء مستشفيات أو مستوصفات أو دور علاج خاصة و باشراف من الدولة)).
  • اما ضمن اطار التشريعات الداخلية العراقية فقد تضمن قانون الصحة العامة رقم ٨٩ لسنة ١٩٨١ عدة مضامين وتتوجب على المؤسسات الصحية ان تعمل بها حال حدوث أوبئة ناقلة وقد عّرف هذا القانون في المادة ٤٤ المرض الانتقالي بأنه { هوالمرض الناجم عن الاصابة بعامل معد او السموم المولدة عنه والذي ينتج عن انتقال ذلك العامل من المصدر الى المضيف بطريقة مباشرة او غير مباشرة }.
    فقد اوجب هذا القانون في المادة ٣ (( ثانيا – مكافحة الامراض الانتقالية ومراقبتها ومنع تسربها من خارج القطر الى داخله وبالعكس او من مكان الى اخر فيه والحد من انتشارها في الاراضي والمياه والجواء العراقية )).
    وأيضاً حث القانون على اتخاذ عدة اجراءات في مواجهة انتشار الاؤبئة الناقلة من هذه الاجراءات:
  1. على معهد الامراض المتوطنة والمديريات التابعة له فحص الوافدين الى القطر للعمل للتاكد من خلوهم من الامراض الانتقالية والامراض المتوطنة في القطر وتزويدهم بشهادات تثبت سلامتهم . (م ٣١ ق.ص).
  2. ضمان توافر الشروط والقواعد الصحية في المحلات العامة هو حماية لصحة وسلامة المواطنين والبيئة .
    ان توفير هذه الشروط والقواعد الصحية واجب على اصحاب المحلات العامة والمسؤولين عنها .
    وعليه تمارس الرقابةالصحية من قبل اجهزة وزارة الصحة في جميع انحاء القطر بصورة مستمرة, ليل نهار, على تلك المحلات ضمانا لتطبيق احكام هذا القانون .(٣٢ ق.ص).
  3. وعلى السلطات الصحية في هذه الحالة اتخاذ اجراءات تقييد حركة تنقل المواطنين داخل المنطقة الموبؤة والدخول اليها او الخروج منها. ( ٤٦ ق.ص) .
  4. على سلطات غلق المحلات العامة كدور السينما والمقاهي والملاهي والمطاعم والفنادق والحمامات واي محل عام اخر خاضع للاجازة والرقابة الصحية وكذلك المؤسسات التعليمية والمعامل والمشاريع ودوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط والخاص . ( ٤٦ ق.ص).
  5. منع بيع الاغذية والمشروبات والمرطبات والثلج ونقلها من منطقة الى اخرى واتلاف الملوث منها .( ٤٦ ق.ص).
  6. عزل ومراقبة ونقل الحيوانات والبضائع واي اشياء اخرى ناقلة للمرض .( ٤٦ ق.ص).
  7. على الطبيب المعالج او المشرح وكل مواطن يشتبه بوجود حالة مرضية من الامراض الخاضعة للوائح الصحية الدولية او حدوث وفاة بسببها اخبار اقرب مؤسسة صحية تابعة للدولة فورا بذلك وعلى هذه المؤسسة اتخاذ الاجراءات الفورية اللازمة بما في ذلك اخبار الجهة الصحية المختصة في الوزارة. ( ٥٠ ق.ص).
  8. عند الاشتباه باي شخص كونه حاملا لمسبب مرض اوانه في دور حضانة احد الامراض الانتقالية بما فيها الامراض الخاضعة للوائح الصحية الدولية فللجهة الصحية الحق في اتخاذ التدابير الكفيلة لمراقبته او عزله او حجره لغرض فحصه للتاكد من خلوه من الميكروبات المرضية ومعالجته عند ثبوت كونه حاملا لهذه الميكروبات او مصابا بالمرض لحين سلامته منه .
  9. تقدم وجبات طعام مجانا للمعزول او المحجور وفقا لاحكام هذا القانون في مستشفى او اي محل اخر تحدده الجهة الصحية كمحجر صحي .
  10. يمنع الشخص المصاب باحد الامراض الانتقالية من الدوام في المؤسسة التعليمية او محل العمل للفترة التي تحددها الجهة الصحية المختصة في كل حالة مرضية ويكون الرئيس الاداري مسؤولا عن تنفيذ اوامر الجهة الصحية.
  11. اذا توفى شخص بمرض انتقالي خاضع للوائح الصحية الدولية فلا يجوز بيع مفروشاته وملابسه التي استعملها اثناء مرضه وتتلف من قبل الجهة الصحية المختصة .
  12. اذا حدثت الوفاة بسبب احد الامراض الخاضعة للوائح الصحية الدولية او احد الامراض الانتقالية التي تعينها الجهة الصحية المختصة ببيان, لا يجوز دفن الجثة في هذه الحالة من قبل ذويها وتقوم الجهة الصحية المختصة بالتعاون مع امانة العاصمة او البلديات بدفنها في الاماكن المخصصة لهذا الغرض في مقبرة المدينة التي حدثت فيها الوفاة.
  • ان هذه القوانين والدساتير والقواعد الدولية فرضت مسؤوليات كبيرة على الدول بمن ضمنها العراق لاتخاذ مسؤلياتهم واجراءاتهم حال انتشار الاوبئة الناقلة الخطرة لحماية الافراد والمواطنين من ان تفتك بهم هكذا امراض وبالتأكيد ان الاخلال بالتعامل مع هذه القواعد والقوانين تضع السلطة والحكومات امام خرق قوانينها ودساتيرها اضافة تتحمل مسؤوليتها القانونية امام الاحكام الدولية.
    لذا من المفترض اعلان التأهب من قبل الدول والعراق امام مرض كورنا وعلى وزارة الصحة والحكومة ان تنظر بعين الاعتبار اجراءات عملها لمكافحة هذا المرض وفقا لدستور منظمة الصحة العالمية وقانون الصحة العامة النافذ في المؤسسات الصحية التي تواجه الاوبئة الناقلة.

نسأل الله ان يحفظ الجميع من الاسقام والشفاء للمرضى في كل مكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى