هولوكست القرن الحادي والعشرين
لقد عانى اليهود معاناة كبيرة على أيدى المتعصبين الأوربيين، كما عانى المسلمون وكثير من المسيحين الشرقين ذات المعاناة، فمن لم يقرأ التاريخ أو من قرأ ما زيف منه لن يعلم قدر العنصرية التى عاشها اليهود على يد النازى، ولن يدرك معاناة المسلمين واليهود على يد محاكم التفتيش برعاية الكنيسة الكاثولكيه.
ومن لا يعيش الحاضر لا يعلم مدى معاناة كل هؤلاء وعلى الأخص المسلمين من دعاوى العلمانية الجاهلة التى حولت العلمانية لديانة مستغلة عنصريه تكره الجميع وتٌكرههم أن يكونوا صورة مشوهة منهم، وإلا فلا حياة لهم، وهى ذات المعاناة التى عاناها ويعانيها المواطنين الأصليين للأمريكيتين وأستراليا على يدى ذات المجموعات من العنصريين المتخفين وراء الكنيسه الكاثوليكيه، ذات الكنيسة التى تخفى ورائها زعماء الحركة النازية.
إلا أن هلوكوست القرن العشرين على يد النازى ظل هو الوحيد المسيطر على عقول البشريه وكأن ضحايا هتلر كانوا من اليهود فقط، ونسى العالم كله أن ضحايا الحرب العالمية قد تعدوا العشرين مليون. ونسى أو تناسى الجميع أن ضحايا العنصرية والكراهية أضعاف ذلك ولكن لا ذكر لهم.
ولم يكن إهمال كل هؤلاء الضحايا فى العالم والتركيزعلى ضحية واحدة من قبيل المصادفة بل كان عمل مبيت ومقصود بغرض إستعطاف السذَج ليقبلوا بالمشروع الصهيونى الذي بدء تنفيذه بمؤتمر بازل عام 1897 ثم وعد بلفور 1917، مشروع خلق على الأرض واقع جديد بإحلال مجموعة من المهاجرين محل السكان الأصليين من الشعب الفلسطينى وإستخدام كل سبل البطش لإبعاد ذلك الشعب الذي أصبح مُطالب الأن أن يقبل بالفتات من أرضه وبيته وثرواته، ثم تأتى ما عرف بصفقة القرن كمرحلة ثالثة لتقنين مشروع الاغتصاب والإتاحة بما بقى من ذلك الفتات.
لقد ساهمت التجارة بأهوال هلوكوست القرن العشرين فى تغييب عقول البشروجعلهم يقبلون أن يتحول سلالة الضحية لغول شرس بلا قيم يبتز العالم بأثره، ويجبرهم على أن يُعينوهم على إرتكاب جرائم لا حصر لها فى حق شعب مسالم، فتصبح أهوال هلوكوست القرن العشرين مبرر لجرم أبشع من سابقه، تحول الضحيه بموجبه لقاتل ومدبرلهلوكوست القرن الحادي والعشرين والذى أستمرت صناعته على مدار ثلاثة قرون.
إن الهولوكوست الذى عانى منه يهود الغرب أمر حقيقي ومؤلم ويستحق كل أشكال الإدانه، ولكن لا يحق للحركة الصهيونيه ان ترثه لتبتز العالم به، فما تمارسه الحركة الصهيونيه هو أقذر وأحط منه، وسجلات المجتمع الدولي مليئه بالأدلة الدامغه.
لقد صدق “مارك أون جونز” فى مقاله* المنشورعلى “ميدل ايست أى” والذى عنونه بــ “جاريد كوشنر: العقلية الاستعمارية وراء ما يسمى (خطة السلام)” بأن صفقة ترامب صممت بشكل يجعل من المستحيل أن يقبله أى فلسطيني، وكان ذلك جزءًا من الخطة لتعزيز دولة إسرائيل، والهدف إظهار الفلسطينين على أنهم رافضين للسلام، بالإضافة لما قاله “مارك أون جونز” فإنه من المؤكد أن تلك لم تكن المحاولة الأولى فكل مشروعات الإستسلام وضعت بشكل لا يمكن الرد عليها بغير الرفض الذى يتيح لبلطجى المنطقة أن يستمر فى التوسع.
رغم كل ذلك فلا أنكر سعادتى بمواقف المدعوا ترامب وخاصة ما سمى بصفقة القرن لأنها وكل مواقفه تمثل الوجه الحقيقي للرجل الابيض الذى لم يتوقف حتى الأن عن التعصب والتفرقة والكراهية، ولعلى أتفق مع كوشنر فى شيئ واحد هو أن القيادة الفلسطينيه فاشله ولكن السبب مختلف عما يدعيه هو، وإذا أرادت القيادة الفلسطينيه إثبات عكس ذلك فعليها أن تسلك طريق التحرير وليس طريق الإستسلام، ولكنها مازالت تسلك الطريق الخطأ.
لقد توقف الأستاذ محمد سيف الدولة أمام صمت الشعب العربى فى مصر وتساءل “ماذا حدث للمصريين تجاه قضية فلسطين؟” وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نعممه أولا ليصبح ماذا حدث للعرب تجاه حقوقهم وتجاه قضية فلسطين ؟
والإجابة الصحيحة على هذا السؤال هى أن قطاع المثقفين من الشعب المصري وغالبية النخب والقيادات القومية والعربية تنازلوا عن حقوقهم وحق مصر بالاستجابه لإنقلاب 3 يوليو 2013 وترويجه وترويج أكاذيبه، بل أن الكثير منهم شاركوه جريمة الانقلاب التى كان هدفها الأول هو الخلاص من الإرادة الشعبية وتعميق الانقسام بين صفوف القوى الوطنية والانقسام الطائفى، لتسيهل دور عملاء الصهيونية والامبرياليه الذين يقُودون الصف العربى ليفرضوا الخوف ويمرروا مشروعات الإستسلام ولتصفية حلم القومية العربية والحق الفلسطيني، فلا عجب أن يتنازل الجميع عن الحق الفلسطيني.
لم يبقى ما يُبكى عليه، وأصبح من واجب القوى الوطنيه أن تقف موقفا مبدئيا وأن ترفض ما لا يقبله المنطق فلا تقبل الاعتراف بيهوديه الدولة المغتصبه على أرض فلسطين، ولا تقبل تقنين الفصل العنصري المفروض علينا بحكم مشروع عصابة الأربعة زايد- سلمان- نتانياهو-السيسي وتوابعهم.
ولكن كيف نُسقط صفقه القرن ونسترد الحق المسلوب وعصابة الأربعة قابعة على صدورنا، الطريق الوحيد هو رفض هذه العصابه ومقاومتها، وعلى الجانب الفلسطيني أن يسقط كل ما تنتمى أليه هذه العصابه، وأن يبدأ بإلغاء أوسلوا، وإلغاء كل الاتفاقيات الموقعة مع الكيان وأن تُحل السلطة الفلسطينيه، وإلغاء ما عرف بمبادرة السلام العربية من القبول بدولة على حدود 1967، والتنازل عن إقامة دولة مستقله والإندماج الجبرى تحت قوة الإحتلال فى الكيان القائم، فالدولة الواحدة هى الحل.
لا يجب أن نقبل بإستمرارالغاصب فى تمثيل دور الضحية ليستمر فى أغتصاب الأرض وتبديد ثرواتها، فهم ليسوا ضحايا هم مجرمين يستغلون معاناة اجدادهم ليحلبوا بقرة بلهاء تقف بجانب الغاصب إستكمالا لمشروعها العنصرى.
* https://www.middleeasteye.net/opinion/trump-kushner-deal-all-about-stigmatising-palestinians
تعليق واحد