مقالات

هل انتهت سلفية الحويني وحسان؟

مجدي شلش

أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر الشريف
عرض مقالات الكاتب

منذ يومين رأيت تسجيلا للشيخ محمد حسان يعتذر فيه عن بعض ما صدر منه أو صدر ممن ينتمي إلى تياره السلفي، بخصوص الخطاب الديني، وبعض الممارسات الأخرى، لكن يبقى اعتذار الشيخ الحويني هو الأوضح لاكتمال الصورة السلفية التي أنشأها وتبناها معه الشيخ حسان ويعقوب والمصري وغيرهم، صحيح بينهم بعض الاختلاف في بعض التصورات الجزئية، وبعض المسائل الفقهية، لكن تبقى الصورة العامة للسلفية التي أتكلم عنها مرتبطة بهم جميعا.

السلفية التي تبناها الحويني وجاهد من أجلها، قامت على الهوى والتشهي والشهرة في المنهج الفقهي، والتعامل مع بعض الأحاديث بالتصحيح أو التضعيف بصورة متسرعة، فالرجل اعترف بأنه لم يكن متمكنا من علم الأصول، فجاءت بعض الفتاوى أو الأحكام على غير صحة وبينة، أما العقيدة فمنهج الشيخ لم يعتذر عنه، وإنما براه صوابا موافقا لصحيح الكتاب والسنة.

اعتذار الرجل وغيره من أتباع سلفيته لا شك محمود في الظاهر، وهذا ما أُمرْنا به، والله يتولى السرائر، فالله أعلم بها، لكن تبقى كلمة مهمة مستفادة من هذه الصورة السلفية تكون فيها العبرة والعظة لمن يريد أن يسلك سبيل السلفية الحقيقية لا السلفية المصنوعة لفترة زمنية، فإذا انتهت مهمتها تأتي الاعتذارات، وتنشأ منهجية أخرى تعيش نفس الخطأ المعتذر عنه، ولذلك وجب الحذر، لأن الفتوى دين لا شهوة، وحُكْم لا نزوة وشهرة.

الحالة العامة للأمة الإسلامية الآن مرشحة بظهور أمثال الحويني وحسان لكن بصورة جديدة خادمة للأهداف العامة التي تتبناها الأنظمة الفاسدة، ولعل هذا سبب هجوم بعض الإعلاميين على اعتذار الشيخ، لأنه هدم الصورة التى حاول بكل قوة أن تتبناها الأنظمة الفاسدة ولو لبعض حين، حتى لا تتمدد الرؤية الفقهية الصحيحة التي يُدَرِسها الأزهر الشريف بصورة نظرية، وتعمل بها جماعة الإخوان المسلمين على أرض الواقع والتطبيق بصورة عملية.

من هنا جاء الهجوم، لأن اعتذار الشيخ كلفهم إنشاء صورة جديدة لا صلة لها بالتفكير الفقهي النظري أو العملي، صورة للدين محدودة الفكر والعطاء الإنساني، قاصرة على قضايا ليست أولوية للأمة الإسلامية، إنما أولوية للأنظمة المجرمة التي تعي أن عنصر الدين ما زال رغم كل الكيد والمكر فاعل ومؤثر في توجيه الطاقات نحو غد أفضل، بعيد عن العلمنة الفجة، والمادية المسعورة.

السلفية ليست حكرا على أحد بعينه، ولا مرتبطة بزمن معين، ولا مسجد دون مسجد، وهذا ما جاهد من أجله بعض شيوخ السلفية الذين ربطوا السلفية بأشخاص معينة وزمن محدد، وأماكن معلومة، السلفية الحقيقية هي التي تتأدب بأدب القرآن والسنة، وتتحلى بالصبر والحكمة، وتقرأ الواقع بتحدياته وفرصه وأزماته، السلفية ليست غلق العقل عن النقل، ولا الدنيا عن الدين، إنما السلفية هي: منهج القرآن في فهم حقائق الوجود، والسنة النبوية في حسن التعاطي مع الواقع.

الصورة السلفية التي رسمها الحويني وأتباعه صورة قاصرة المنهج والتفكير، والمعرفة السلوك، والأدب مع الغير القديم والمعاصر، ما زال أمام عيني الآن مشهد لبعض تلامذة الشيخ وهم يقولون عن أبي حنيفة النعمان ـ الإمام الذي اجتمعت على إمامته الأمة ـ أنه أبو ليفة، لأنه قال بصحة زكاة الفطر نقدا، وأما كلام الشيخ وأتباعه عن المعاصرين من أمثال الدكتور القرضاوي والشيخ الغزالي فمعلوم ومعروف، ووصل ببعض الأتباع إلى حد التكفير والتبديع والتفسيق، كل ذلك بلا علم راشد، ولا فقه واع، ولا منهج صحيح، إنما الشهرة والشهوة، وما خفي الله أعلم به.

سلفية الحويني وأتباعه اتسمت بالآتي:
أولا: أنها سلفية قائمة على الأشخاص لا على المنهج، على الصورة والمظهر لا على الحقيقة والمخبر، سلفية عظمت من المندوب والمستحب على حساب الواجب والفرض، سلفية عادت من أجل الخلاف الفقهي المعتبر، وكافحت لفرض صورة الشخص الملتزم دون عمق وفهم وتأصيل وتبصرة، حقا كما قال الشيخ: إنها سلفية الشهرة والمزاج والشهوة.

كنت أدرس في المرحلة الثانوية الأزهرية، وكان بعض الطلاب الذين تحولوا من يوم وليلة من طلاب غير ملتزمين يفعلون المنكرات، إلى دعاة وحماة عن الإسلام والشريعة، ناظرت كثيرا منهم وألزمته الحجة، فاتحا أمامهم كتب المتقدمين من أهل العلم، في القضايا المختلف فيها، لكنهم يقولون: لكن مشايخنا لم يقولوا بذلك، ويسمون الحويني وحسان وبرهامي وغيرهم.

كتبت مقالا عن المندوب في مجلة الرسالة وذهبت فيه إلى أن اللحية من المسائل الفقهية التي اختلف فيها أهل العلم، وذكرت بعض القرائن على ندبيتها، مع احترامي لمن قال بوحوبها، فقامت ضدي عاصفة سلفية الحويني وحسان، فرد على أحد الأتباع بمقال سماه: “السهم المصيب في كبد من تكلم بالمندوب” ووزع المقال على كل الشباب، وكان فيه من قلة العلم والفقه والأدب الكثير، فرددت على مقالهم ببحث صغير سميته: ” نصيحة الحبيب صاحب السهم المصيب”

ثانيا: سلفية الشيخ الحويني قدمت ملء العقل من حفظ بعض المتون والاهتمام بحفظ الأحاديث على علم القلب، أقصد أنها اهتمت بالثقافة والمعرفة الذهنية لبعض المسائل الفقهية والحديثية على جانب التزكية والتربية،. وفي ذلك مخالفة لأدب القرآن الكريم، حيث قدم التزكية على العلم ثلاث مرات في سورة البقرة آية رقم ١٥١، وفي سورة آل عمران آية رقم ١٦٤ وفي سورة الجمعة آية رقم ٢.، فالتربية والتزكية علم يصاحب الاهتمام بالحفظ، إن لم يسبقه، وشواهد السبق كثيرة، مع أهمية الكل.

ثالثا: سلفية الشيخ الحويني تماهت كثيرا مع السلفية الوهابية السعودية التي صنعت المؤسسات الدينية المدجنة بأفكار العلو والاستعلاء بالمذهبية الوهابية، ورسخت للاستبداد والاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي الذي يتبناه ولي الأمر، حيث الطاعة المطلقة واجبة لهم في كل الأحوال، حيث الخروج على الحكام الظلمة والفسقة والعملاء بدعة وضلالة، نسبوا ذلك زورا وبهتانا للسلف الصالح، والسلف الصالح من ذلك بريء.

رابعا: سلفية الشيخ الحويني وحسان ما موقفها من الجهاد والقتال في سبيل الله؟ هل منهج السلف الصالح حقا؟ أو سلفية الشيخ الحويني وحسان القائمة على الشهرة، والمناضلة من أجل ترسيخ أقدام المفسدين من الحكام المجرمين، ما موقفها من الجهاد والقتال في فلسطين السليبة؟، ماذا قال الحويني ويعقوب وحسان والمصري وغيرهم عن قتال الصهاينة، موقفهم معلوم ومعروف.

لست بالخب ولا الخب يخدعني، رأينا هذه السلفية مقيتة الفكر، قاصرة العقل، قليلة الإدراك، عابثة بأهم القيم والفرائض التي من أجلها أرسل الله الرسل، ليست سلفية المنهج الرباني، إنما صناعة الأدوات التي تلعب بها السياسة العالمية في مجال الصراع العالمي والإقليمي في الحرب الباردة والساخنة.

الشيخ في أواخر العمر تذكر أن المنهجية الفقهية كانت خاطئة، وأن عوامل النفس الطبيعية كانت مؤثرة، وهو القارئ للقرآن الكريم الذي حذر من القول على الله بغير علم، بل جعل ابن القيم رحمه الله عند كلامه في آية سورة الأعراف القول على الله بغير علم أشد من الشرك، حيث الآية في نظر ابن القيم جعلت مراتب المحرمات أربع، أولها ـ وهو الأقل في الحرمة ـ إتيان الفواحش ما ظهر منها وما بطن،ثم أعلى من ذلك المرتبة الثانية: الإثم والبغي، ثم المرتبة الثالثة وهي الشرك، وأعلى مراتب الحرمة في اجتهاد ابن القيم رحمه الله: “وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون”.

نعم كثير من علماء الأمة السابقين أخطأوا في الفتوى، ولهم أجر الاجتهاد، والحديث صحيح في ذلك، لكن هذا في من توافرت فيه شروط الاجتهاد، وعلى رأسها دراسة علم أصول الفقه الذي أقر الشيخ أنه أفتى وكتب دون أن يتقنه، وهذا قاله الإمام النووى رحمه الله حيث نبه على أن حديث الأجر عند الخطأ واقع على من توافرت فيه شروط الاجتهاد، أما العامي الذي لا يحسن أصول الفقه فصوابه عند الاجتهاد خطأ، وخطؤه جريمة يحاسبه الله عليها.

خامسا: سلفية الحويني وحسان ما موقفها من دماء المسلمين في كل مكان، ما النظري والعملي من اضطهاد المسلمين في غالب بقاع الأرض، يرفعون قضية الولاء والبراء في أقل المسائل التي قد تقبل الخلاف والاجتهاد فيصيحون بأعلى صوت عند بعض المنكرات، أما موالاة أعداء الله فهو من حق الحاكم، هو من باب السياسة والمصالح، يتركون الحمار ويضربون بكل قسوة البردعة.

هل هذه سلفية أهل العلم والسبق من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم؟ أو أنها صناعة التدين الذي يكون حربا على الأقرباء سلما وبردا على الأعداء، سلفية الشيخ حسان سلفية أمنية دنيوية شهوانية، اتخذت من الدين ستارا للأهواء، ومن الشريعة منفذا لطغيان ألد الأعداء، زرنا الدكتور محمد المختار المهدي رئيس الجمعية الشرعية في مرضه الذي مات ـ رحمه الله ـ فيه، حيث أدلى بشهادته أمامنا وكنا أربعة وخامسنا ولد الشيخ، حكى لنا ما فعله محمد حسان عند زيارتهم للسيسي بعد الانقلاب، وطلبنا من ولد الشيخ توثيق الشهادة صوتا وصورة وكتابة حتى لا تنسى مع الأيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى