مقالات

“كورونا الجديد” وحرب العمالقة 3 من 3

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

في الجزئين السابقين تحدثت عن الأسباب التي أوصلت الدكتور طلال أبو غزالة لتوقّع الحرب بحلول 2021، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة والصين وحلفائها على الجهة المقابلة، وهو يقول:” أنا لا أتنبّأ، ولا أنجّم، وإنّما أنا مجرّد تلميذ يدرس، أقرأ وأحلّل ثم أستنتج”.

وفي محاولة من الدكتور أبو غزالة للإجابة على تساؤلات الأمريكيين أنفسهم حول هذه الحرب الوشيكة، وبعد أن وضع لها المقدمات المناسبة عن واقع الأزمة الاقتصادية العالمية، يخلص للقول بأن الحرب ستبدأ من هنا، وهو يشير إلى المكان الذي يقف عليه في القاعة التي كان يلقي فيها محاضرته في قطر، وهو يقصد أنّها ستبدأ من الخليج العربي، ويشرح للحضور الأسباب التي دفعته لإستنتاج ذلك، مبتدئاً بعبارة:” لا تجزعوا، بل تفائلوا”.

فهو يرى في الحرب العالمية القادمة فرصة تاريخية للعرب إذا ما استطاعوا اقتناصها، وطبّقوا النظريات الحديثة في أسلوب إدارة الأزمة والقدرة على الإستباق، وإلّا سيقتنصها غيرنا من اللّاعبين الإقليميين وتضيع علينا أثمن فرصة للتخلّص من حالة التردّي التي نعيشها، والنهوض بالأمة من جديد نحو النمو و الازدهار، اللذان سيشهدانها العالم في القرن الحادي والعشرين بعد الحرب.

و يضيف د.أبو غزالة قائلاً: “صحيح أن الحرب سوف تبدأ من هنا بحكم وجود القواعد الأمريكية و الأساطيل البحرية، و لكنها سرعان ما ستنتقل إلى الشرق الأقصى من آسيا حيث الصين”.

و لعل سبب تفاؤله يكمن في المقارنة مع ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، عندما دعا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (روزفلت) يومها إلى إعادة إعمار أوروبا، فكان مشروع (مارشال) هو أكبر مشروع إعمار في التاريخ ساهمت فيه معظم الدول التي خرجت منتصرة في الحرب.

و بما أن عالمنا العربي اليوم يتعرض لأطول عملية تدمير رافقت ما يعرف بالربيع العربي، حتى أصبح يشبه ما حلّ بأوروبا من خراب، فليس هناك في العالم منطقة تعرضت للدمار مثل ما حصل في عالمنا العربي، فهناك دمار في ليبيا و اليمن و سوريا و من قبلهم العراق.

إن عملية إعادة الإعمار هي التي ستعيد التوازن للاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من عجز كبير و تراجع في معدلات النمو، و قد سبق أن تكلمنا عن ذلك في الجزئين السابقين، فمكانة الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمي باتت على المحك و لا منجاة من ذلك سوى الدخول في مشروع بحجم مشروع مارشال، و لن تسمح لكل من الصين و روسيا بالمشاركة في هذا المشروع الكبير.

إن الوفرة الهائلة من الموارد و المواد الخام التي يتمتع بها العالم العربي و الأموال اللازمة لإعادة الإعمار يجعل من هذا المشروع فرصةً ذهبية.

يقول البروفيسور (فيليب زيلكو) أستاذ التاريخ في جامعة فيرجينيا:

“صحيح أن أوروبا قد استفادت كثيراً من مشروع مارشال لإعادة الإعمار، و لكن الفائدة الأكبر كانت من حصة الشركات الأمريكية، و من خلال ذلك المشروع استطاعت أمريكا أن تنعش إقتصادها و تتخلص من آثار الكساد العظيم الذي عانت منه طوال ثلاثينات القرن الماضي”.

لذلك نجد أن د.أبو غزالة يعِدُ المنطقة بفترة إزدهار كبير، على غرار ما حصل لأوروبا منذ منتصف الخمسينات و ما بعدها من القرن الماضي، مع تراجع كبير للدكتاتوريات أمام الديمقراطيات و القوى الليبرالية، و ربما هذا ما كان يرمي إليه رغم أنه ذكر في أكثر من مناسبة بأن الديمقراطية التي نعرفها اليوم لم تعد صالحةً بوجود ديمقراطية أوسع و تكاد تكون مطلقة من وجهة نظره، ألا و هي (ديمقراطية الإنترنت).

من خلال رؤية د.أبو غزالة يمكننا تفسير كل ما رافق الربيع العربي من إنتكاسات و كوراث، على أنه صراع بين الإمبراطوريات الاقتصادية التي وجدت في إنتفاضة الشعوب العربية فرصتها للتدخل و فرض أجندتها، و هذا ما يقودنا إلى الإعتقاد بما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، و هو حتمية التصادم المباشر بين القوى العظمى و التي ستقود إلى نشوب حرب عالمية ثالثة بشكل واسع، بعد أن حاولت تلك القوى تفاديها على مدى عقد من الزمن، و استبدالها بحروب عالمية مصغرة راح ضحيتها الشعب العربي الذي انتفض مطالباً بالحرية و الكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى