دين ودنيا

وجيز التفسير في مظاهرة المجرمين

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي
عرض مقالات الكاتب

” قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ” / 17 – القصص
والقول في سورة القصص محكي عن سيدنا موسى عليه السلام .
وقد أوقع فريقا من المفسرين في الاضطراب ، كون القول قد صدر عن سيدنا موسى قبل الوحي والرسالة ، فاختلف هؤلاء المفسرون في تفسير معنى النعمة في قول سيدنا موسى “بما أنعمت عليّ “، فذهب قوم إلى أن النعمة كانت بالعلم والحكمة ، في قوله تعالى من قبل ” فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما . وأنه أدرك هذا بطبعه الشريف ، من تأمله في حال الناس ، وما كان عليه فرعون من الظلم والطغيان .
وذهب قوم إلى أن النعمة كانت بالمغفرة في الاستجابة لدعائه عندما قال ” قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ” وتساءل الأولون ، وكيف عرف أنه غفر له وهو لم يكن نبيا بعد ؟! وتكلف الآخرون الجواب فقالوا أقوالا لا يؤبه كثيرا لها ..
والأولى أن يساق قوله : رب بما أنعمت علي من الحكمة وحب الخير والأنفة من الظلم . إذ لم يكن قد خوطب بالرسالة حين قال هذا القول . وهو قد كان من أهل خاصة فرعون يجلس بجلوسه ، ويخرج بخروجه ويركب بركوبه فأنف مما يصاحب ذلك من ظلم من استذلال الناس والاستخفاف بهم فرفضه ورفض فرعون معه …
وليس كبعض من كنا نظنهم أبعد الناس عن عتبات السلاطين حتى إذا أزلفت لهم علمنا أنهم من ثعالي مزدوجة العنب وحلب !!
ذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ..أفاويق حتى ما يدر لها ثعل

ثم قوله تعالى : فلن أكون ظهيرا للمجرمين
أي لن أكون معينا وسندا وتابعا ومؤيدا وداعما لهم ، ومكثرا لسوادهم . واختلفوا في هذه المظاهرة فقال قوم : المعنى فلن أكون معينا لهم على إجرامهم المباشر ، من قتل وفتك وغصب وسرقة وسلب وتجاوز لحدود الله في أقوامهم أو في أشخاصهم .
وقال قوم : بل… لن أكون معينا لهم مطلقا على أي أمر من أمورهم العامة والخاصة ؛ حتى في خياطة ثيابهم. وطهو طعامهم ، وسياسة خيلهم ، وحجابة أبوابهم ، وضبط حساباتهم ، أو رعاية جندهم أو دخلهم وخرجهم . ولن أخالطهم أو أقاربهم وسأظل معتزلا لهم ، محذرا من شرورهم ، منددا بإجرامهم وجرائمهم .
وأفتى أصحاب القول الثاني ،بتجنب العمل في دواوين بني أمية وبني العباس ، تأمل الكلام عن بني أمية وبني العباس ، وهم خيرة الخيرة من ملوك الإسلام بعد الراشدين ، فامتنعوا عن العمل لهم ولو فيما ظاهره البر والمباح . فلا يكتب لهم ، ولا يحسب لهم ، وعليه رفض أبو حنيفة تولي القضاء لأبي جعفر المنصور . وقال المأمون : لابن أبي دؤاد : ناولني الدواة من قبلك ، فأجابه : لا ، قال المأمون : ولم ؟! قال أخاف أن تكتب بها ظلما ..!!
ثم اختلفوا مرة أخرى في قوله تعالى : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين :
فقال قوم : ..إنها خرجت من سيدنا موسى عليه السلام على سبيل الدعاء بمعنى : فلا تجعلني ظهيرا للقوم المجرمين ..قالوا وبه قرئ.
وقال قوم : بل خرجت على سبيل العهد مع الله ، فكأنه قطع العهد على نفسه بما وجده من طمأنينة المغفرة ؛ بأنه لن يكون أبدا فيما يلي من الأيام ظهيرا للمجرمين . واسترسل هؤلاء فقالوا : ولأنه لم يستثن أي لم يقل فلن أكون بعون الله أو بإذن الله ظهيرا للمجرمين ابتلي باليوم التالي بالعبراني يستصرخه من جديد ..!!
الملفت في قوله تعالى : فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، أنه لم يقل ظهيرا للكافرين !! فالمجرم أعم من الكافر . قال صاحب التحرير والتنوير : المجرمون هم الذين يستذلون الناس ويظلمونهم . وما أكثر ما رأينا المجرمين ومظاهريهم على سدد الحكم ومنصات العلم ومحاريب المسلمين !!
على سبيل الدعاء والرجاء نقول : ربنا بما أنعمت علينا فلن نكون ظهيرا للمجرمين . وعلى سبيل العهد والبيعة وطلب العون من الله على الوفاء نقول : ربنا بما أنعمت علينا فلن نكون ظهيرا للمجرمين .
وقال أهل اللغة : والظهير تقال للمفرد والجمع ، واستدلوا بقوله تعالى : “وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ”
ولكل ظهير للمجرمين ظاهر علينا بشار الأسد نقول : فإن الله هو مولانا وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ..
آملين في الله غير متألين عليه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى