مقالات

في عيد الحب أمريكا ترفض الحرب

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

مع صبيحة عيد الحب أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانوناً ينص علىٰ منع الرئيس الأمريكي المقصود حالياً هو ترامب ولٰكنَّهُ ينسحب علىٰ أي رئيس أمريكي من شن أي حرب ضد إيران، ضد إيران بالاسم وليس أي حرب خارجية.

نص القانون مثير للدهشة. القانون جزئي وخاص ومحدد وهو منع أي رئيس أمريكي من شن أي حرب حَتَّىٰ محدودة أو جزية ضد عدوٍّ واحد محدد هو إيران.

المضحك أن تبريرات مقترحي القانون والمصوتين عليه تستند إلىٰ رغبة الشعب الأمريكي في السلام، وعدم استخدام القوة، والمحبة… وعدم رغبة الشعب الأمريكي بخوض الحروب في الشرق الأوسط، وعدم إرسال الجنود الأمريكان للحروب الخارجية، وأن جنودهم ذهبوا في حروب ولم يعودوا من ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل… الشعب الأمريكي شعب مسالم لا يحب الحروب ولا يريدها…

يعني إذا أرخيت لهم رسن المشاعر قليلاً ستحمل منديلاً وتمسح دموعهم من شدة تصدع قلوبهم شفقة ورحمة وإنسانية…

أي متابع لا ينتبه إلىٰ متن القانون ومدى سرياليته فهو أحمق بالضرورة. أي متابع يصدق هٰذه الذرائع ويسير في ركابها فهو بالضرورة أحمق. وهام المحللون علىٰ شاشات التلفزة يتسابقون في هٰذه الحماقة الآن تعليقاً علىٰ هٰذا القانون.

إذا كانت هٰذه هي الأسباب فلماذا ما زالت أمريكا تحارب في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي أفغانستان… علىٰ الأقل.

ولا يقولن أحد إنَّهَا لا تحارب في هٰذه الدول فعلىٰ امتداد بدء أعمالها العسكرية في هٰذه البلدان بالكاد يمكن أن يمر أسبوع لا تقوم فيه الولايات المتحدة الأمريكية بعملية أو عمليات عسكري في كلٍّ من هٰذه الدول.

ولا يقولون أحدٌ إنَّهَا تقاتل إرهابيين أو جنوداً أو ما جرى في هٰذه المجاري. فدائماً ودائماً تكون تزيد نسبة الضحايا المدنيين الأبرياء بالضرورة عن 95 بالمئة من نسبة الضحايا.

منذ ثلاثين سنة فقط حربان بالمواجهة خاضتهما الولايات المتحدة الأمريكية ضدَّ أفغانستان والعراق، مع عدم التوازن المرعب بالقوى، لٰكنَّهَا حربا مواجهة اصطلاحاً، وإلىٰ جانبهما ومعهما خاضت الولايات المتحدة الأمريكية لا عشرات بل مئات الحروب العدوانية عسكريًّا من طرف واحد ضد المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي… ولم نسمع في أي منهما عن رغبة الشعب الأمريكي بالسلام، ولا عن تشريعات في الكونجرس أو مجلس الشيوخ لمنع الرؤساء من شنِّ هٰذه الحروب العدوانية علماً بأنَّ ضحاياها من المدنيين الأبرياء بالضرورة دائماً يتجاوز نسبة 90 بالمئة من الضحايا. هٰذا إذا كان الكونجرسيون أو الشيوخ إنسانيين فعلاً كما يزعمون في تشرعهم هٰذا الذي يمنع الرئيس الأمريكي من أي عدوان علىٰ إيران… وحدها إيران التي حظيت هٰذه الحظوة الاستثنائية في تاريخ العسكريتارية الأمريكية.

للأمانة والتاريخ ثَمَّة استثناء آخر انتفض به الكونجرس ومجلس الشيوع الأمريكي لمنع الرئيس من شن حرب في الخارج وهي عندما زعم باراك أوباما أنَّهُ يريد أن يوجه ضربة عسكرية للنظام السوري بسبب استخدامه السلاح الكيماوي. النظام السوري هو الوجه الآخر لإيران.

وللأمانة والتاريخ فإنَّ الرئيس أوباما ذاته والبرلمان الأمريكي ذاته وفي الفترة ذاتها كان يخوض الحروب في اليمن ضدَّ من يسمونهم الإسلاميين من دون اعتراض من أحد. وفي أفغانستان ويقتلون المدنيين بلا شفقة ولا رحمة من دون أن يعترض أحد أو يرفع أي كونجرسيٍّ رأسه أو يمد لسانه لتقديم مشروه يمنع الرئيس من الحروب في اليمن أو أفغانستان أو غيرهما من بلاد المسلمين… وفي الفترة ذاتها والرئيس ذاته والبرلمان ذاته خاضت الولايات المتحدى ما سمتها أكبر الحروب والملاحم وأكثرها تكلفة عبر تاريخ الحروب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ولم يحتج الرئيس الأمريكي إلىٰ تفويض، ولم يطلب أيُّ تفويض، ولم يفكر أيُّ برلماني أمريكي بأيِّ مشروع قانونٍ لمنع الرئيس أوباما من خوض حروب في الشَّرق الأوسط وهو الرئيس الذي انتخبه الأمريكيون علىٰ أساس أنَّهُ سيعيد الجنود الأمريكيين من الحروب الخارجيَّة ولن يخوض الحروب…

فقط إيران والنِّظام السُّوري استثناء عند الكونجرس ومجلس الشيوخ: خط أحمر، لا يجوز خوض أي حرب ضدهما، علماً أن أمريكا تخوض حروباً ضد السوريين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولٰكنَّهَا حروب ضدَّ السوريين وليست ضدَّ النِّظام السُّوري. هم أيضاً يميزون بَيْنَ النظام والشعب؛ الحرب علىٰ الشعب حلال، الحرب علىٰ النظام حرام.

وبالتَّساوق مع هٰذه الصُّورة من المفيد أن نذكر ونتذكَّر أن الولايات المتحدة تحديداً هي التي حالت ولم تزل دون دخول تركيا علىٰ خط دعم المعارضة ضدَّ النِّظام السُّوري، فهٰذا أمرٌ لا يخرج عن سياق ما سبق. وفي امتداد الأمر ذاته سمحت أمريكا (لأعدائها الألداء)؛ إيران وحزب الله وروسيا بالانتشار في أرجاء سوريا للدفاع عن النظام ولم تزل، وكلما تقدمت تركيا لفعل خطوة أي خطوة ضد النظام تشن الولايات المتحدة عليها أشنع الحروب النفسية والسياسية والاقتصادية حَتَّىٰ إنها كما يعلم الجميع بالعلن قالها ترامب: سأدمر تركيا… ودمر اقتصادها بتدمير قيمة الليرة التركية… والقصة طويلة فإنما أتكلَّم علىٰ مشهدٍ واحدٍ صغيرٍ والبقية أكثر بكثير…

ما هٰذه المعادلة؟

من البداهة بمكانة بعد هٰذه الحقائق التي لا تقبل الشَّك والتي نعيشها لحظةً بلحظةٍ علىٰ الهواء مباشرة بالمعاينة الشَّخصيَّة لا بالتَّناقل ولا قيلاً عن قال… فإِنَّهُ ما من أحدٍ إلا وسيقول ثَمَّة سرٌّ في الموضوع.

والسِّرُّ مع أنَّهُ بات مفضوحاً أكثر مما هو متوقَّع فإنَّ المحللين، إلا ما ندر، ما زالوا يحلِّلون علىٰ أساس يقال إِنَّهُ منطقيٍّ من قبيل صراع تاريخي، وتوازن قوى، وظروف سياسية، وظروف اقتصادية… من دون الاقتراب من الحقيقة البارزة بروز جبل وسط الصحراء، وهي أنَّ إيران وأمريكا ليسوا أعداء ولا يمكن أن يكونوا أعداء، ولا يمكن أن تنشب بينهما أي حرب، كما كان حال الغرب من قبل وإيران.

القانون الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي قبل قليل، وهو المحكوم من الحزب الجمهوري أي حزب الرئيس ترامب، والذي يمنع الرئيس الأمريكي من شن أي حرب حَتَّىٰ محدودة ضد إيران بالاسم وليس ضدَّ أي طرف في الشرق الأوسط أو غير الشرق الأوسط يقطع دابر ايِّ شك بالتآخي الأمريكي الإيراني وأن إيران لأمريكا أكثر أهمية من إسرائيل ذاتها. 

كلما تكاثر الغبار أمام الأفهام ومالت بها الظنون إلىٰ القول بوجود احتمالات صراع بَيْنَ أمريكا وإيران يشاء الله تعالى أن يفضحهم أكثر ويعريهم أكثر ويقطع بالأدلة الجديدة أنَّ ما بَيْنَ أمريكا وإيران وإسرائيل وإيران أكثر من محض تحالف عابر…

هٰذه الإنسانية الأمريكية وحب السلام والمحبة التي تجلت في عيد الحب بالقانون الذي يمنع الرئيس الأمريكي من الاعتداء فقط علىٰ إيران يعري السياسة الأمريكية ويزيد في فضحها. صحيح أن شعوب العالم أكثرها ترى هٰذا الانفضاح وتدركه ولٰكنَّ السؤال الذي رفض ذاته: ألا يرى الأمريكيون كم هم عراة أمام العالم؟ ألا يرون مدى تناقضاتهم  التي تزيد في كره العالم لهم وحقدهم عليها؟!

القوة العمياء غرور أعمى بل الغرور بطبيعته أعمى. تسير بصاحبها بخيلاء ناظراً إلىٰ هدفه غير مدرك ما يدوس وهو يمشي إلىٰ هدفه. هٰذه هي الولايات المتحدة الأمريكية، وهٰذا هو الغرب من قبل. نسخة طبق الأصل. ولا يصح ذٰلكَ علىٰ حضارات المسلمين بحال من الأحوال. بشهادة المنصفين من الغربيين لم يعرف التاريخ محاربة أرحم من المسلمين… بل من العار مقارنة أخلاق المسلمين في حروبهم ضدَّ أعدائهم بحروب الآخرين ضد المسلمين.

اعترض كما شئت، فهٰذه هي الحقيقة التي تفقأ عين الجاحد والمعترض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى