مقالات

سورية .. إلى أين ؟

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

لا ريب أن التفاهمات الإقليمية والدولية قد جعلت من تقسيم الأراضي السورية إلى مناطق نفوذ واقعاً لا مفر منه ، ويبدو أن تلك التفاهمات كانت ولا تزال تنص على إعادة توزيع سورية “ديموغرافياً” ، والمستهدف هنا ليس من ثار ووقف في وجه النظام القمعي العميل فقط .. بل الأمر ينطبق أيضاً على كل من لم يفهم “الرسالة” أكان موالياً أم معارضاً ..!!
ومن لم يستوعب تلك الرسالة من خلال الاعتقالات التعسفية والتعذيب والتغييب و القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة ، فسوف يستوعبها من خلال “جنون الدولار” والخطف والابتزاز والقمع والإهانة والتضييق المعيشي بأشكاله المختلفة .!

● الخارطة الجديدة :
يبدو أن أصحاب “الحل والعقد” وبتوافق دولي قد أقرّوا خارطة جديدة لسورية تمهيداً لولادة “الفيدرالية المسخ” التي تناسبهم ، وليست الفيدرالية بهيئاتها وأشكالها الطبيعية كالتي في ألمانيا أو أوستراليا أو كندا أو ماليزيا أو غيرها من دول العالم التي تتبنى هذا النظام التوافقي ، وأن المرحلة الحالية تهدف إلى العمل على إعادة تموضع وتوزيع ما تبقى من الشعب السوري ليتماهى هذا التوزيع مع ما رُسم للمنطقة .
لا شك أن النظام السوري لن تعجبه كثيراً هذه الترتيبات ، ولا شك بأن الفرع السوري لل PKK لن يحصل على ما كان يخطط للحصول عليه ، وأيضاً من تصدروا مشهد المعارضة السياسية السورية ليسوا بأفضل حظ منهما ، ومن الطبيعي أن نسمع أو نقرأ تذمراً واعتراضاً مشتركاً على هذا المخطط من معظم الفرقاء ، دون أن يكون لاعتراضهم أية قيمة لأنّ ما تم التوافق و الاتفاق عليه أكبر من أن ينتهي باعتراضٍ من هنا أو بامتعاض من هناك ، والذي يدعوا إلى السخرية اليوم هو أن جميع الأطراف الفاعلة في الشأن السوري يتشدقون “إعلامياً” بوحدة الاراضي السوريّة ، بينما يشهد الواقع الميداني على الأرض مباركتهم لبداية التقسيم الرسمي غير المعلن.

●التدخلات الإقليمية والدولية :
واقع الحال يشير إلى أن معظم التدخلات الخارجية في الشأن السوري أكانت مؤيدة للنظام أم لا ، فهي تتحرك ضمن ذاك المخطط الذي ذكرناه ومن غير المسموح لها أن تخرج عن نطاق ذات الفلَك .
وحقيقة الأمر أن تلك التدخلات كانت ولا تزال عبارة عن عامل استدامة للأزمة في سورية ، حيث استفاد منها النظام بشكل مباشر على المدى القريب في إطالة عمره نسبياً ، أما المستفيد الأكبر من تلك التدخلات فهم مجموعة اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين حوّلوا سورية إلى ساحة صراع لتحقيق أهدافهم و لتأمين مصالحهم التي هي أبعد ما تكون عن مصلحة سورية وغالبية السوريين .

● مصالحهم أم رغباتنا ؟
الثابت والمؤكَّد والمحزن والذي لا لبس فيه هو أن النظام المستقبلي للحكم – سواء كان فيدراليّاً أم مركزياً – لا يمكن أن يشكل حلاً في سورية ما لم يأتِ هذا الحل على شكل مخرجات توافقية تنتُج عن حوار سوري مُطوّل يشمل القوى السياسية الوطنية كافّةً وبدون استثناء ، وهو الأمر الذي لم تعمد أي من الجهات الدولية المعنية إلى تحقيقه حتى يومنا هذا ، ما يعكس حقيقة عدم رغبتهم في إنهاء الملف السوري بما يتوافق ورغبات الشعب وتطلعاته ، بل وإصرارهم على استنباط حلول تراعي مصالحهم أولاً وأخيراً ، وعدم الاكتراث بما يريده غالبية الشعب السوري بالرغم مما دفعه ولا يزال يدفعه من تكاليف باهظة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى