مقالات

الثقة في النفس أساس النجاح

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

وأنا أجوب بلادا أوروبية كثيرة ، جوا وبراّ وبحرا ، وأشاهد وأنظر إلى هذه الإنجازات الهائلة ، من طرقات وجسور معلقة، وأنفاق بين الجبال الشاهقة، و مشاريع ضخمة ، يعجز اللسان عن وصفها …..أدركت أن هؤلاء القوم لم يوقفهم شيء في هذه الحياة الا الموت !! لم يجدوا له حلّا ، فلا التضاريس القاسية ، ولا البرودة القارسة ، ولا شيئا من ذلك أوقفهم عن البناء والإنجاز ، وذلك يعود إلى ثقتهم بأنفسهم قبل كل شيء ، نعم انها الثقة في النفس ، و إحساس التحدي ، ومواجهة كل الصعوبات ، مهما كان حجمها !!
ومن ثم ، في مجال تحطيم الأرقام القياسية مثلا ، و في ركوب الأخطار نجدهم أول المتفوقين ، كتسلق أعلى قمم الجبال ، و الغوص في أعمق البحار ، والقفز من أعلى شاهق ، وهلم جرا….مما يدلّ على عقلية ونفسية متشبعة بمعاني الثقة في النفس ، رغم أنهم لا علاقة لهم بالإيمان بالله العظيم ، ولا يعرفون معنى التوكل عليه ، وهذا نتيجة التربية التي تلقوها في بيوتهم ومدارسهم منذ الصغر ، فهننا في هذه البلدان يزرعون بذور الثقة في النفس والتعويل على الذات ، وحب المواجهة والصراع في نفوس الناشئة منذ نعومة الأظفار ، ولهذا لا يمكن أن يصفوا الطفل بالفشل ولو كان فاشلا ، ولا بالحماقة أو البلاهة أو نحوها مما يكسر نفسيته ويدمّر قدراته ، وينتج عنه مُركّب النقص الذي يتفاقم مع مرور السنوات ، ويخلّف الإصابة بداء العجز ، خاصة إذا صادف ذلك التعود على الخمول والكسل ، و صاحبه ما أسميه “العقلية الجبرية ” التي فينا ومعناها
أننا لا خيار ولا إرادة لنا ، وأن ما نحن فيه هو قدرنا المحتوم ، وهذا ما أعطانا الله !!! أو أن ظروفنا صعبة ولا يمكن أن تتغير الأوضاع ……الخ من هذا الكلام الذي لا علاقة له لا بالإيمان بالله من جهة ، ولا بفهم كيفية التعامل مع القضاء والقدر من جهة أخرى ، ولا بفهم وظيفة الانسان في هذه الأرض ، وهي عمارتها واستخلاف الله لنا فيها من جهة ثالثة كما قال تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) ….
إن عقلية الغرب قامت بالأساس على الفلسفة الإغريقية وهي أن الإنسان في صراع مع الكون ،
فهي تقرر أن الإنسان ألقي به في غياهب هذا العالم الفسيح ليصارع كل شيء ، وهذا سرّ النزعة الاستعمارية عندهم ، لكنه إيجابي من جهة أنهم لا يعرفون المستحيل ، و ما أعجزهم شيء الا الموت !!
بينما قامت فلسفتنا العربية والإسلامية على معنى التسخير ،أي أن كل شيء مسخر للإنسان ، كما قال تعالى ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) وهذا حق لا شك فيه ، لكن لا يجوز أن نفهمه خطأ ، كما عليه نحن اليوم ، فسُنة التسخير لا تعني عدم التكليف والصراع والتحدي ، بل هما فلسفتان متوافقتان في الحقيقة ، ومن أحسن ما قيل في هذا السياق ، ما قاله الشاعر محمد إقبال رحمه الله ( إن العالم في حاجة الى عقل غربي وقلب شرقي ) !!

ولكننا في إشكال كبير مع الثقة بالنفس ، لأنها ثقافة ضعيفة عندنا ، إلا من رحم الله ، فقد تعودنا منذ الصغر على تحطيم المعنويات ، و زرع معاني التيئيس والتفشيل ، و كم هو حجم العبارات التي يتلفظ بها الأولياء لأبنائهم تشجيعا و حثا ؟؟ إن ذلك لا يقارن بما يقال للولد أو للبنت اذا رسب في الامتحان ،أو أخفق في تمرين أو أي مهمة كانت ، ينهال عليه سيل من الشتائم والتوبيخ ، بل وكسر إنسانيته ، فبين ألفاظ المعلم أو الأستاذ : ك : يا حمار ، يا بهيم ، يا مسطك ….الخ
وبين ما يسمعه من أبيه أو أمه ك : أنت ولد فاشل ، أنت لا تصلح لشيء ، على كل أعلم أنك لن تفلح في شيء …..ونعتقد أن هذا الأسلوب من التوبيخ سيحفز همته ،وفي الحقيقة نحن ندمره دون أن نشعر
إن هذه المجتمعات التي نجحت في بناء حضارتها ، وجعلت الشعوب المتخلفة تابعة ومدينة لها ، يجعلون من الفاشل ناجحا ، ومن الناجح عبقربا ، على خلافنا نحن ، نجعل من الفاشل ميتا ،ومن الناجح فاشلا …..
بل إنهم منعوا تسمية الاشخاص الذين يعانون من إعاقة عقلية أو جسدية بالمعاقين لأن ذلك يدمّر نفسيتهم ، واصطلحوا على تسميتهم بذوي الاحتياجات الخاصة !! رفعا لمعنوياتهم ، و بعثا للثقة في نفوسهم ، حتى رأينا لهم حضورا في مجالات شتى ، وتفوقا عجيبا وإبداعا رائعا في ميادين مختلفة حتى الميادين الرياضية !!!

إنها ثمرة ثقافة الثقة في النفس !!
وما زال العجز بنا اليوم مستحكما ، و استشراء ثقافة الانهزامية والاستسلام ماضيا في مختلف المجالات ، حتى صرنا نسمع بظاهرة الضعف الجنسي ، الذي في أغلبه عقد نفسية ناتجة عن عدم الثقة في النفس ، مما سبب ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعاتنا ، أو ظاهرة الخيانة الزوجية ، أو غيرها من الآفات …….وقد ذكرت ذلك على سبيل المثال لا الحصر……..

ما أحوجنا إلى خطاب قوي ، يبعث فينا الأمل والنشاط ،ويحفز هممنا لتناطح القمم العالية ، ما أحوجنا إلى ثقافة الثقة في النفس في تربية أبناءنا، في مدارسنا ،في معاهدنا وكلياتنا ، في مصانعنا واداراتنا ،في شؤوننا كلها .

والله من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى