دين ودنيا

مناقشة هادئة مع من ينكر السنة (8)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

الجواب الثالث:
وهو أن الكتاب متعلق بما قبله في الآية من الدواب والطيور:
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام 38] 1- قاله ابن كثير: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أَيِ: الْجَمِيعُ عِلْمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يَنْسَى وَاحِدًا مِنْ جَمِيعِهَا مِنْ رِزْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا، كَمَا قَالَ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هُودٍ: 6] .
2- وفي تفسير النيسابوري غرائب القرآن ورغائب الفرقان وقيل: هو أنها تحشر يوم القيامة ويوصل إليها حقوقها، وقد جاء في الحديث «يقتص للجماء من القرناء»
3- التحرير والتنوير لابن عاشور:
مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ وَالشَّيْءُ هُوَ الْمَوْجُود. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَحْوَالُ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَشَمِلَ أَحْوَالَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مُقَدَّرَةٌ عِنْدِهِ بِمَا أَوْدَعَ فِيهَا مِنْ حِكْمَةِ خَلْقِهِ تَعَالَى.
4- قال القاسمي في محاسن التأويل: والمعنى: أن الجميع علمهم عند الله، لا ينسى واحداً منها من رزقه وتدبيره.
5- قاله المراغي في تفسيره ونقل كلام ابن كثير
الجواب الرابع
قال الماوردي في تفسيره المسمى النكت والعيون
فيه تأويلان: أحدهما: ما تركنا خلقاً إلا أوجبنا له أجلاً , والكتاب هنا هو إيجاب الأجل كما قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ} [الرعد: 38] قاله ابن بحر وأنشد لنابغة بني جعدة:
بلغو الملوك وأدركوا ال … كتاب وانتهى الأجل
قال راقمه أبو معاذ: هذه أربعة أجوبة تردّ على من زعم أنه ليس في حاجة إلى السنة. أما الأمثلة الثلاثة التي ذكرها الواحدي ونقلها الفخر الرازي والقاسمي وغيرهما فقد حان وقت ذكرها.
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ:
رُوِيَ أَنَّ ابن مسعود كان يقول: مالي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه فِي كِتَابِهِ يَعْنِي الْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ،
وَرُوِيَ أَنَّ أَمِرْأَةً قَرَأَتْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، تَلَوْتُ الْبَارِحَةَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ لَعْنَ الْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ فَقَالَ: لَوْ تَلَوْتِيهِ لَوَجَدْتِيهِ. قَالَ اللَّه تَعَالَى:
وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الْحَشْر7] وَإِنَّ مِمَّا أَتَانَا بِهِ رَسُولُ اللَّه أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّه الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ»
الْمِثَالُ الثَّانِي:
ذُكِرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّه كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَجَبْتُكُمْ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّه تَعَالَى» فَقَالَ رَجُلٌ: مَا تَقُولُ فِي الْمُحْرِمِ إِذَا قَتَلَ الزُّنْبُورَ؟ فَقَالَ: «لَا شَيْءَ عَلَيْهِ» فَقَالَ:
أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّه؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ثُمَّ ذَكَرَ إِسْنَادًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» ثُمَّ ذَكَرَ إِسْنَادًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الزُّنْبُورِ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: فَأَجَابَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّه مُسْتَنْبِطًا بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ:
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ الزَّانِي أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّه فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّه» ثُمَّ قَضَى بِالْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ عَلَى الْعَسِيفِ، وَبِالرَّجْمِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِنِ اعْتَرَفَتْ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَلَيْسَ لِلْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ ذِكْرٌ فِي نَصِّ الْكِتَابِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَيْنُ كِتَابِ اللَّه.
وَأَقُولُ: هَذَا الْمِثَالُ حَقٌّ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النَّحْلِ44] وَكُلُّ مَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ، وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ، فَكُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ، كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَابِتًا بِالْقُرْآنِ، فَعِنْدَ هَذَا يَصِحُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ هَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَى نُصْرَتِهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَلِقَائِلٍ أن يقول: حاصل هذه الْوَجْهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا دَلَّ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ حُجَّةٌ، فَكُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ
قال راقمه أبو معاذ عفى الله عنه: هذه أقوال أهل العلم في الآية، وهذا فهم أهل التفسير لها، فكيف فهمتم ما لم يفهمه العلماء، بل نص كثير منهم على تزيف فهمكم، ونقض قولكم، فهل يعقل عند أولي النهى، وأرباب الحجى، أن نترك قول أهل العلم، وعلماء االلغة والتفسير لقولٍ رأيتموه، ولشبهة تعلقتم بها، تخالف المعقول والمنقول، وتضاد الآيات والنقول، وتعارض العقل والمقبول، أم يجب فهم هذه الآية في سياق القرآن كله، الذي أخبرنا أن الرسول يتكلم بالوحي ، وأن الله أنزل له الذكر ليبين للناس القرآن الذي نزّل إليهم.
وأين أنتم من قول الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذهو وما نهاكم عنه فانتهوا، وقوله تعالى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، ألا يجب فهم الآيات دون فصل؟ أم فهم كل آية بمنأى عن باقي القران!!
ما لكم كيف تحكمون!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى