مقالات

ملحمة روﻻن و ولادة شعر التفعيلة

عامر الحموي

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم))، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: ((فمَنْ؟)) [البخاري: 7320].

روﻻن بالفرنسية روﻻند بالانجليزية روﻻندو باﻻيطالية واﻻسبانية أو القديس رولان.
هو أحد قادة شارل مارتل جد شارلمان. شارك مع شارل ملك فرنسا في وقف المد الإسلامي في أوروبا في معركة بواتييه بلاط الشهداء عام ٧٣٢م المعركة التي تصنف على أنها الإنتصار الأول للغرب على العالم الإسلامي ونجاحهم في وقف المد الإسلامي داخل أوروبا، وكانت قوات شارل عبارة عن قوات فرنجية كاثوليكية مدعومة من البابا، أي حرب صليبية مبكرة ضد مخالفيهم من المذاهب الأخرى وضد المسلمين، كان يقود طليعتها القائد روﻻن الفرنسي. وبعد الانتصار على المسلمين في معركة بواتيه -والتي كان لرولان الدور الأول في ذلك الانتصار- قام رولان بمحاربة الطوائف اﻷخرى من النصرانية غير الكاثوليكية وخاصة البشكنس في جبال البرنس (البروفانس) الفاصلة بين اسبانيا وفرنسا ولحق بالجيش الإسلامي إلى ما خلف تلك الجبال.
وفي طريق عودته حبك سكان تلك الجبال من البشكنس مكيدة للجيش الفرنجي قتلوا فيها معظمه وقتل إبانها القائد رولان. هنا تسابق الشعراء في رثائه وولد شعر التفعيلة وهو شعر فرنجي صليبي يركز على الانتصارالتاريخي الأول للكنيسة على المسلمين، ويحرض على حرب المسلمين ونعتهم بأبشع الأوصاف وضرورة إفنائهم والقضاء على الدين الإسلامي الذي يهدد أوروبا.

ثم بدأت الحروب الصليبية عن طريق بابا الفاتيكان ذو اﻷصول الفرنسية أوريان (أوربان) الثاني والذي عقد مجمع مسكوني في الفاتيكان لمحاربة المسلمين خصوصا بعد تدمير الحاكم بأمر الله العبيدي اليهودي لكنيسة القيامة وتدمير ما يسمى القبر المقدس . وأيضا بعد معركة ملاذ كرد واكتساح ألب أرسلان للأناضول ووصوله أطراف القسطنطينية عام 1073م. لكن
لم يوافق أي من أعضاء المجلس اﻹلكريكي في روما في ذلك المجمع المسكوني على مشروع الحرب الصليبية التي دعا لها البابا الفرنجي أوريان، فنقل البابا المجمع المسكوني إلى بلده فرنسا، حيث عقد المجمع المسكوني في مدينة كليرمونت فران مركز البابوية الثاني -بعد سقوط الكنيسة سابقا بيد الجرمان عام ٤٧٦م- و وافق الفرنسيون باﻻجماع على تلك الحرب لذلك سميت بحرب الفرنجة أي الفرنسية. وبحث أوريان عن نص في اﻻنجيل أو في آراء القديسيين لتأييد شن تلك الحرب فلم يجد، ولكن أوريان رأى في أقوال ما يسمى القديس أوغسطين النوميدي -من القرن الخامس ميلادي- ما يبرر ذلك بما يسمى الحرب الدفاعية.
و أوغسطين النوميدي المكنى بابن البكاءة هذا كان أول حياته فيلسوف مانوي محارب للدين وهو من نيوميديا -الجزائر- وأصوله ﻻتينية زار الفاتيكان ودرس فيها وأنقلب إلى الدين المسيحي الكاثوليكي وهو أول من قال بالحرب الدفاعية (الوقائية) لنصرة الديانة المسيحية، وهو أحد أتباع البابا غريغوري السابع الذي زور وثيقة هبة قسطنطين -حيث زعم أن اﻻمبراطور الروماني قسطنطين باني القسطنطينية عهد للبابا بوراثة عرش روما من بعد وفاته، حيث ترك مدينة روما للبابوية وانتقل قسطنطين(*) إلى القسطنطينية حسب زعمه- وهذا البابا هو الذي أنشأ التقويم الميلادي الحالي المسمى باسمه (الغريغوري).

نعود للحروب الصليبية فلقد جال الراهب الفرنسي بطرس الناسك الدول اﻷوربية حافي القدمين مستخدما أشعار ملحمة روﻻن في التحريض على المسلمين، واستطاع أن يجمع حوله مليون شخص من الفقراء والمزارعين الأوربيين، والذين قاموا بالحملة البرية الصليبية اﻷولى (حملة الفقراء) ولكنهم لم يصلوا إلى العالم الإسلامي ﻷن أكثرهم كانوا لصوص تم القضاء عليهم من قبل سكان أوروبا وخصوصا في القسطنطينية المخالفة لهم مذهبيا بعد أن نهبوها، ومن بقي منهم قضى عليه السلاجقة.
ثم قام أمراء الجرمان (وخاصة منهم الفرنجيين) بالحملة الصليبية البحرية الأولى وحاصروا مدن وقلاع الساحل الشامي ولم يستطيعوا دخول أي منها، ولكن بعد حصار قلعة أنطاكيا لستة أشهر قام أحد حراس أبراجها وكان نصيري فارسي واسمه فيروس بفتح باب القلعة ليلا للصليبيين الذين استطاعوا دخول أنطاكيا وقتل من فيها من المسلمين، وهكذا تم لهم احتلال سواحل بلاد الشام جميعها مع إمارة الرها بمساعدة النصيرين، حيث شكلوا أربع إمارات وهي أنطاكيا وطرابلس وبيت المقدس والرها.

وهنا صقل شعر التفعيلة الفرنجي الصليبي وخصوصا في القرنين الثاني و الثالث عشر الميلادي إبان الاحتلال الصليبي للأراضي المقدسة وبات يدور حول الكأس المقدس وإبادة المسلمين.

ولكن للأسف تقمص هذا الشعر الكثير من المسلمين وخاصة العرب أو ما يسمون أنفسهم بالشعراء زورا. ونحن نعرف أن العرب لم يبرزوا بشيء قبل الإسلام إﻻ بالشعر والفصاحة، فالشعر هو ديوانهم وتاريخهم وحضارتهم، لذلك نزل القرآن بالإعجاز البلاغي ليتحداهم في شعرهم وفصاحتهم وبلاغتهم، كما أتى موسى بالعصى ليتحدى سحرة فرعون، وبعث عيسى بالطب متحديا أطباء بني إسرائيل.

والشعر العربي لم يذم على المجمل بل قال الرسول العربي الكريم صلى الله عليه وسلم : “إن من الشعر لحكمة”، ودعا لحسان بن ثابت في حربه ضد الكفار بقوله “اللهم أيده بروح القدس” _وهو جبريل عليه السلام ليلقنه الشعر العربي اﻷصيل- أي هو كلام موحى من عند الله عز وجل.

ولكن شعراؤنا المحدثون تبنوا الشعر الصليبي دون معرفة بأصله وغايته وبدؤوا يتبارون به ويفضلونه على الشعر العربي الأصيل الذي نعتوه بالشعر العامودي أمام الشعر الذي منشأه من رحم الحروب الصليبية ضد المسلمين والدعوة لإبادتهم والقضاء على دينهم. فليستفيقوا وليتنبهوا أمام هذا الغزو الفكري الصيليبي الزائف الذي يهدد وجودهم وكينونتهم، وليرجعوا إلى أصالتهم وتراثهم الذي ساد العالم.
والله الموفق.


(*) وقسطنطين هذا هو من أنشأ المسيحية الحالية التي تتبع أفكار اليهودي بولس في تأليه المسيح وحارب المسيحية الحقيقية في مجمع نيقيا 323 م وقتل قائدهم القديس آريوس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى