مقالات

معتنقو الإسلام وما يواجهونه من تحديات

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

لا يدرك حجم الصعوبات والتحديات التي تعترض طريق معتنقي الاسلام ،الا من خالطهم و عرفهم عن قرب ، فإن بعض الناس يعتقد أن الدخول في الاسلام أو حتى في دين آخر أمر سهل !!
وهذا ليس بصحيح ، على المستوى النفسي والفكري ، و الأسري والاجتماعي ، حيث أن تغيير الدين هو في الواقع جذري للانسان المعتنق ، و تحول كلّي في أكثر خصوصياته ، فهو اذا أسلم ، يعني أن طعامه مثلا سيتغير فلن يأكل الا الحلال الطيب ، وهذا قد لا يكون سهلا دائما خاصة إذا كان لا يزال يعيش مع والديه الذيْن على دين آخر ، أو إذا كان بعيدا عن المحلات التجارية العربية والإسلامية …
و على مستوى العبادات والصلوات ونحوها ، قد لا يتمكن من إظهار إسلامه وإيمانه فيحتاج أن يصلي سرا في بيته أو عمله ،وقلّ أن نجد من عائلات المعتنقين من يكون متفهما لمسألة إسلام ولدهم أو ابنتهم ، نظرا للصورة السلبية التي عندهم عن الاسلام والمسلمين ، نتيجة التشويه الإعلامي من جهة ، و نتيجة قلّة من يمثل الاسلام تمثيلا صحيحا بسلوكه وأخلاقه من جهة أخرى !!
خاصة و أن كثيرا من المعتنقين تشربوا الأفكار المتشددة ، ووقع استقطابهم من قبل الدواعش ، و سافروا الى بؤر التوتر والارهاب كسوريا وغيرها ، مما يزيد من قلق عائلات المعتنقين ، وخوفهم على أبنائهم ولهم الحق في ذلك بلا شك !!
كما أنني أعتبر أن أكبر التحديات التي تعترض معتنقي الاسلام ، هي التحديات الاجتماعية والأسرية ، حيث أن علاقتهم بأفراد عائلاتهم وأصدقائهم قد تتغير ، و يحصل نوع من الجفوة والبرودة فيها ، فتقل الزيارات ، و يضعف التواصل ، و يحدث شرخ يصعب رأبه ، فيجد المعتنق للاسلام نفسه وحيدا غريبا بين أفراد أسرته، ويعيش وحشة مُضنية إلا أن يعينه الله عليها ….
ومما يزيد من حجم هذه التحديات ، الخلاف الناشب بين المسلمين في مساجدهم ، نتيجة اما التجاذبات القومية ،أو السياسية أو الفكرية المنهجية !!
فيبقى المعتنق متحيرا أمام هذا الركام من الصراع الإسلامي الداخلي ….
وهنا لا بد أن أنبه على ظاهرة رائجة ، الا وهي ظاهرة استقطاب المعتنقين والمعتنقات للاسلام ، بل أسميها عملية” قنص” تتعرض لها هذه الفئة ، من قبل السلفيين ، على اختلاف تياراتهم : مداخلة ،دواعش ، سلفية علمية …..
وكل فئة تنصب لهؤلاء المسلمين الجدد شراكها وفخاخها ،

أما فئة السلفية المدخلية : فبمجرد أن يلحظوا شخصا دخل في الاسلام رجلا كان أو امرأة، حتى يستميلوه باللسان المعسول ، و يبدؤونه مباشرة بمطالبته بتغيير اسمه !! الشيء الذي لا دليل عليه لا من الكتاب و لا من السنة !! ليخلقوا له مزيدا من الحواجز النفسية والاجتماعية والمشاكل الأسرية ، وبعد المطالبة بتغيير الاسم ، يطالبونه بتغيير هندامه وملابسه ، وأن يخلع عنه ما يسمونه بملابس ” الكفار ” فإن كان الشخص رجلا حذروه من لباس البنطلون ومن الإسبال ، و افتوه بضرورة رفع ثوبه أو قطع سراويله من الأسفل ، عملا بفتوى الحنابلة ( وهو خلاف ما عليه جماهير العلماء قديما وحديثا ) …..
ويلزمونه بلبس القميص بدعوى أنه تشبه بالرسول صلى الله عليه وسلم ، و أن ما يلبسه حرام بل كبيرة من كبائر الذنوب لأنه في تصورهم تشبه بالكفار ومن تشبه بقوم فهو منهم !!!
و إن كان الشخص امرأة ، طالبوها بعد تغيير اسمها ، بلبس الجلباب ، الذي يرون بوجوبه لأنهم مقلدون في ذلك فتوى الألباني كما فصل في ذلك في كتابه ” جلباب المرأة المسلمة ” مع العلم أنه خلاف قول جماهير العلماء قديما وحديثا ، ناهيك عن عدم اعتبار التدرج في التوجيه والدعوة ، فإن الناظر في حكم فرض الحجاب على النساء يجد أنه جاء متأخرا ، حيث فرضه الله تعالى في العام السادس من الهجرة النبوية أي بعد 19 عاما من ابتداء الوحي !! مما يدل على أنه يجب أن تسبقه تربية إيمانية وروحية، وأن يتم إصلاح باطن المرأة و تهذيب قلبها قبل ظاهرها، الشيء الذي لا يفقهه هؤلاء ولا مشايخهم !!
ولا يتوقفون عند مسألة اللباس والمظهر ، حتى يطالبون الرجل بترك لحيته تثور ، وتحريم الأخذ منها ، في مخالفة لقول جماهير العلماء أيضا الذين كانوا اعلم بالدين ، واحرص على تطبيق السنة منهم ومن مشايخهم !!
ومن سلسلة المطالبات بتغيير المظهر والشكل ، الى ما هو أهم عندهم وهو الانطلاق في التحذير ممن يخالفهم في الفكر والخيارات الفقهية ، بعرض قائمة طويلة و عريضة لأسماء مشايخ وعلماء و دعاة قد حكموا عليهم بالضلال والانحراف ، فإذا بهم يرددون لهذا المسلم ( ة) الجديد :
لا تسمع لفلان ولا لعلاّن ، لأنهم دعاة فتنة ، أو لأنهم من جماعة الإخوان المسلمين و ليسوا على منهج السلف ، وقد حذر منهم مشايخهم ( الذين لا يجاوزون الثلاثة أنفار : ربيع المدخلي ، محمد رسلان ، و الثالث يتغير كل أسبوع ) !!!
كما حذروه من التفاعل أو التعاطف مع قضايا الأمة الإسلامية كالقضية المركزية قضية المسجد الأقصى وفلسطين المحتلة ، أو الربيع العربي وما تسعى إليه شعوب الأمة في استرداد حقوقها المسلوبة من قبل الطغاة وأعوانهم ……
فإن من تفاعل أو تعاطف فقد خرج عن مهنج السلف ،ودخل في 72 فرقة التي ستدخل جهنم !!!
ولا يتوقف الأمر على هذا أيها القراء الكرام ، بل يطالبونه بالهجرة والخروج من بلده الأصلي لأنه بلد كفر ، ويجب عليه أن يهاجر إلى بلاد الإسلام !! حيث الدين و العدل وسماع الأذان ، و التدين الصحيح ….وهلم جرا …..ولذا لا مفر له من الهجرة اذا اراد ان يعيش إسلامه تاما كاملا لا نقص فيه الا بالهجرة إلى الوطن العربي !!!
هذا اذا وقع في فخ المداخلة السلفية ……

أما إذا وقع في فخ السلفية العلمية ، فانهم لا يختلفون عن الفرقة الأولى كثيرا ، الا أنهم يوقعونه في ازدراء واحتقار كل العلوم الإنسانية ، حتى ولو كان متفوقا فيها ، يعمدون إلى تزهيده فيها ، ويدعونه الى تعلم ” العلم الشرعي ” إذ لا علم الا ” العلم الشرعي ” في أدبياتهم ، ولذا يرغبونه في الذهاب لطلب العلم الى السعودية أو موريتانيا ، أو مصر ( قبل الانقلاب العسكري ) والى الاسكندرية بالتحديد ، وسموا له قائمة من المشايخ ، و صوروا له أن النجاة كل النجاة في لزوم غرز أولئك المشايخ !! والذين رأينا أخيرا مواقفهم ونفاقهم وبيع ذممهم للطغاة الا من رحم الله حتى لا نعمّم !!

أما إذا كان هذا المسلم الجديد فريسة للدواعش السلفيين ، فقد وقع في أسوأ الطوائف الثلاثة ، فسيطالبونه بمجمل ما طالبته به الطائفتان الاولييان ، وزادوا عليهم بدعوتهم لهم بوجوب الكفر بالطاغوت ، الذي منه قانون بلادهم حتى ولو كان إداريا يقرّه الشرع !!
و عملوا على إقناعه بأن الإسلام في خطر ، وأن المسلمين المضطهدين في حاجة إليهم لنصرتهم في سوريا وغيرها ،وأن البلد الذي يقيمون فيه يقتل المسلمين في كثير من البقاع ، وينهب ثرواتهم ، وبالتالي أقنعوه بوجوب الانتقام من أعداء الإسلام ، و أباحوا له السرقة بدعوى أنها غنيمة ، وأباحوا له أو رغبوه في قتل الناس بدعوى أنهم محاربون مباحوا الدم !! …..
كما أخرجوا له أحاديث البيعة ، و أنه من مات وليس في رقبته بيعة مات ميتة جاهلية ، وعلى هذا الزموه بمبايعة أمير المؤمنين ” أبا بكر البغدادي ” !!!

كما أنهم يحذرونه من الطائفتين الاوليين ، المداخلة والعلمية لأنهم مرجئة وعندهم ضلال في العقيدة خاصة في الولاء والبراء !!

كما تتفق الفرق الثلاثة على استراتيجية واحدة في التعامل مع المسلمة الجديدة ، وذلك اما بترغيبها في الزواج من أحدهم لا من أي مسلم آخر ،لأنهم هم أهل الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ومن سواهم ضال منحرف ، هذا إذا كانت المرأة عزباء ، أما إذا كانت متزوجة وأسلمت أمروها على الفور بمفارقة زوجها ولو كان لها أولاد منه ، بل حتى اذا كان مسلما لا يصلي فإنه كافر بمقتضى فتوى مشايخهم التي تخالف مرة اخرى أقوال جماهير العلماء قديما وحديثا ، ومن ثم الزموها بالفراق حتى لا تكون تحت كافر ،رغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن نصرانية أسلمت تحت زوج نصراني فخيرها عمر بين البقاء أو المفارقة ،اما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : زوجها أحق ببُضعها و أمرها بالبقاء معه وهو الراجح خاصة إذا كان لها أبناء منه ،
لكن هؤلاء السلفيين يلزمونها بمفارقته ، ويفتونها بجواز أن تخلع نفسها منه ،!! ويكفيها أن تستبرىء بحيضة لتصبح في احضان سلفي منهم بعد أقل من شهر في زواج مشبوه !!

كما تتفق الطوائف الثلاث على ترغيب المرأة المسلمة الجديدة في تعدد الزوجات ، وأنها سنة الرسول ، وأنها ان قبلت فقد تم إسلامها وكمُل إيمانها ، و كانت من أهل الجنة !!

فبالله عليكم أيها السادة ، كيف لمعتنقي الاسلام أن يميز بين الصحيح و الضعيف ،والحق والباطل ، والإسلام الصافي النقي من المكدر بهذه اللوثات الفكرية كلها ؟؟؟

إن هؤلاء السلفيين يتعرضون لمعتنقي الاسلام بالقائهم في دوامة التصنيف أو التكفير أو التطرف ، بعد أن انقذهم الله من دوامة الكفر ……
إن هؤلاء المفسدين عل الناس دينهم ، ودنياهم ،يخالفون منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستوصاء بالجدد إسلاما خيرا ، فلقد كان اذا أسلم الرجل أو المرأة تدرج به شيئا فشيئا دون تكليفه بأكثر من طاقته ، وقال لأصحابه( خذوا اخاكم فقهوه في دينه وعلموه القرآن ) …نعم هذا هو الأولى ، أن يعلم هؤلاء دينهم بدءا باللغة العربية ، كتابة وقراءة وفهما ، أولى من تشويش افكارهم بهذه الأمور …..
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ارسل معاذ بن جبل الى أهل اليمن وكانوا أهل كتاب قال له ( انك تأتي قوما مت أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله ،فإن هم اجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم اجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم وترد في فقراءهم وإياك وكرائم اموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب ) والحديث في الصحيحين .
وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا إليهم في العام العاشر أي في آخر مرحلة النبوة ، وبعد كمال التشريع ،ومع ذلك لم يأمره أين يامرهم ببقية أركان الإسلام ،كالصيام والحج !! ولا بارك المحرمات ، ولا بسائر الشرائع من باب فقه التدرج وفقه الأولويات الذي لا يعرفه السلفيون !!

ويكفي ان الله تعالى سمى معتنقي الاسلام ب ( المؤلفة قلوبهم )

ولذا أقولها وبكل مرارة أكثر معتنقي الاسلام في فرنسا وما حولها وقعوا فريسة لهذه التيارات المنحرفة ، و ترى عليهم علامات التشدد والتطرف والانغلاق ، وما أكثر من انتكس منهم عن الاسلام بعد فترة وخرج منه بعد ان دخل فيه ، و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ( إن هذا الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا ) رواه البخاري .

والحل لحماية ووقاية هؤلاء الإخوة الجدد هو تحصينهم في المساجد التي يقوم عليها الأكفاء، من هذه المنزلقات الفكرية ،وكذلك هو دور المراكز الثقافية في احتواءهم قبل أن تتلوث عقولهم بهذه اللوثات.

وحسبنا الله ونعم الوكيل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى