دين ودنيا

ما يحتاجه مسلمو الغرب بعد المساجد

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

بعد قراءة تعليقاتكم و مقترحاتكم أيها القراء الكرام ، ها أنا أجيب عن هذا السؤال: ما هي المرافق التي يحتاجها مسلمو الغرب بعد المساجد؟؟
و قد انتابني العجب حينما وجدت أن من الاخوة من يقترح بناء المستشفيات مثلا ؟؟ وفي الحقيقة هي موجودة وبكثرة ههنا ، بين قطاع عام وقطاع خاص، وهي تستقبل كل الجنسيات والأعراق البشرية، ولا أدري ما الداعي إلى مستشفيات خاصة بالمسلمين أهو نوع من أنواع الانزواء على الذات أكثر أكثر أم ماذا بالضبط؟؟
للتذكير نحن نعيش في دول تتسم إدارتها بالحيادية المطلقة، وذلك في ظل تعدد الديانات والايديولوجيات في هذه المجتمعات ، وأرى أنه لا يصلح في مجتمع تعددي الا الحيادية للمؤسسات كلها ، وأن تكون على مسافة واحدة من الجميع ، وأن يكون القانون سيد الموقف ، في احترام كل أنواع الخصوصيات لدى كل الأفراد.

كما تعجبت ممن يقترح بناء الجامعات والكليات مع أنها موجودة أيضا وبكثرة ، والقصد كما يبدو هو نفس التوجه ،أي لمزيد من العزلة والانفصال عن المجتمع المتنوع ، و بعضهم يقترح مراكز لترفيه الأطفال والعائلات !! وهذا أيضا قطاع موجود بلا حصر ، وآخرون يقترحون بناء مدارس خاصة تحت مسمى ” مدارس إسلامية ” لأبناء المسلمين، حيث لا يخالطون فيها أحدا ولا يختلطون بأحد الا فيما بينهم !!
وهذه الاخيرة موجودة، وهي في ظني تجربة فاشلة على كل المستويات ، على مستوى النجاح ، وعلى مستوى افتقارها للمرافق التي توجد في المدرسة العمومية كالمطعم و ملاعب الرياضة وغيرها …وذلك لمحدودية إمكانياتها ، و الإشكال الأخطر أن الجيل الذي يتربى ويتعلم فيها سيواجه إعاقات شتى في التواصل مع المجتمع الذي سيواجهه ، بدءا بعدم الاعتراف بالشهادة التي سيحصل عليها ، ناهيك عن الانزواء النفسي الذي سيكون نتيجة حتمية لهذا النمط الذي تعود عليه طيلة طفولته ، و غيرها من المخلفات ……بل سيكون أقرب للتطرف الديني من أي شيء آخر ولو أنكر ذلك من أنكر وكابر من كابر ….” ولا ينبؤك مثل خبير ”
وههنا عوض أن نعين أبناءنا على تحقيق الاندماج الإيجابي، والذي يجمع بين التمسك بعقيدته و دينه وبين التفوق في المجالات كلها بدءا بالتفوق المدرسي، نحن سلكنا سياسة الهروب إلى الأمام ، و وقعنا في عزلة أخرى زادتنا ضعفا وهوانا ، و خلقت لما مزيدا من العقبات في وجودنا الإسلامي في أوروبا .
وليس صحيحا أن المدارس العمومية لا نجاح فيها ، بل هي مسألة حسن تربية الأبناء ومتابعتهم ، و توجيههم ، وقد رأينا أناسا درّسوا أبناءهم في المدارس العمومية ونجحوا بفضل الله تعالى على كل المستويات .
ومن خلال هذه التعليقات والمقترحات كأننا نسعى إلى إنشاء دولة داخل الدولة !! ومؤسسات موازية للمؤسسات الرسمية وهذا جدّ خطير على المدى القريب والبعيد .
إنّنا مع الأسف ننسى أننا ( خير أمة أخرجت للناس ) ولم نفقه بعد رسالتنا التي كلفنا الله بها ، فنحن أمة لا تنزوي على ذاتها بل تعيش مع كل أنواع البشر ( أُخرجت للناس ) !!
وهذه المرافق المقترحة أغلبها بحمد الله موجود و نستفيد منها أيما استفادة ، وعلى هذا فالذي يحتاجه المسلمون في الغرب من مرافق بعد المساجد التي بحمد الله لا تنقصهم في الغالب ، هي أولا المراكز التثقيفية التي تعزز انتماءهم الإسلامي، والتي ينبغي أن تمثل محاضن روحية و أَخوية يجتمعون فيها للقيام بمختلف الأنشطة ، سواء كانت الدورات العلمية أو التدريبية ، أو الندوات والمؤتمرات الفكرية ، كما ينبغي أن تكون تلك المراكز ملجأ وملاذا للذين يعانون تذبذبا في الانتماء ، أو ضعفا في الإيمان ، أو حتى الذين يواجهون مشاكل أسرية كالطلاق وصعوبة تربية الأبناء ، أو كيفية التعامل مع المراهقين ، و أن توفر لهم تلك المراكز من الأنشطة أو الخدمات ما يعينهم على حلّ مشكلاتهم .
وهذا كله لا توفره المساجد اليوم لأنها خاضعة في أغلبها لإمرة السفارات العربية المختلفة ، وباتت بيوت الله عز وجل مستعمرات للطغاة العرب ، تتحكم فيها أجهزة الاستخبارات عن بُعد !! عدا عددا قليلا من المساجد المستقلة !!

كما أن من المرافق الأساسية الضرورية التي يحتاجها مسلمو العرب هي المؤسسات المالية ، كالبنوك والمصارف الإسلامية والتي يوجد منها في بريطانيا ما يزيد عن عشرين مصرفا ،وذلك لتسهيل امتلاك المسلمين للعقارات سواء كانت بيوتا أو محلات تجارية بعيدا عن شبه الربا الذي تتعامل به البنوك التقليدية .
ومن أهم المرافق أيضا ، المقابر ، حيث يتم دفن موتى المسلمين فيها ، وهو الأولى شرعا وعقلا ، بعيدا عن كل التعقيدات الإدارية والمصاريف المكلفة خاصة للاخوة الجزائريين والمغاربة .
ومن المرافق التي نحتاجها أيضا ، دور الجمعيات ، سواء كانت العاملة في حقل العمل الخيري أو الاجتماعي ، و هذا ميدان فسيح جدا ، يتطلب الى مجموعات هائلة من العاملين ،كرعاية المسنين المتقاعدين ، وتعاهدهم بالزيارة وتنظيم أنشطة لهم تخفيفا عنهم عناء الفراغ والروتين !!
كذلك عيادة المرضى في المستشفيات ، و إعانة المسلمين الذين لا إقامة لهم رسمية ، وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية والإنسانية……
كما أن من أهم المرافق ، إنشاء دور التعليم الديني ، خارج المساجد ، كتحفيظ القرآن الكريم للناشئة ، وتعليم علوم الدين ، التي تعصم من زلل الانحراف العقائدي والسلوكي ، وهذه في الحقيقة موجودة لكنها قليلة نظرا لكثرة عدد المسلمين في أوروبا.

هذه أهم المرافق التي نحتاجها ههنا ، والتي يجب التفكير والعمل بجدية على انشائها لإثبات وجودنا في هذه الديار ،واسهاما منا في نشر الخير في هذه المجتمعات .

والله من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى