بحوث ودراسات

يزيد بن معاوية وحكام عصرنا 3 من 7

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

وها نحن أولاء ننتقل إلى مرجع آخر استند إليه الأستاذ الشنقيطي وهو كتاب منهاج السنة لابن تيمية سننقل منه مثلما نقل لستتقيم الفكرة لدى القارئ المقارن للمقالتين أو للنقلين:

(ب): كلام ان تيمية من منهاج السنة:

كان ابن تيمية يجيب في هذا الكتاب على كتاب منهاج الكرامة لابن المطهر الحلي الفقيه الشيعي الشهير المتوفى سنة 726هـ أي قبل وفاة ابن تيمية بسنتين..

وقد ذكر ابن المطهر شبهات كثيرة يهاجم فيها أهل السنة مما دفع ابن تيمية للرد عليه وكان من ضمن الشبهات موضوع بيعة يزيد بن معاوية ولعنه واستدلال ابن المطهر لحديث الإمام أحمد المذكور مع تحريف في النص.

والعجيب أن الشنقيطي سار على نهج ابن المطهر الحلي وأغفل إجابة ابن تيمية رغم أنه ينتسب إلى هذا التيار السلفي الذي يزعم اتباعه لمدرسة ابن تيمية وليس هذا فحسب بل إنه أغفل ردود ابن تيمية على دعاوى ابن المهر من سبي أهل المدينة واستباحة فروج العفيفات.

وبعد هذا التنبيه نرجع إلى ما قاله ابن تيمية في منهاج السنة:

القول في لعن يزيد بن معاوية:

“القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم، ويزيد خيرٌ من غيره: خيرٌ من المختار بن أبي عبيد الثقفي أمير العراق، الذي أظهر الإنتقام من قتلة الحسين؛ فإن هذا ادعى أن جبريل يأتيه. وخير من الحجاج بن يوسف؛ فإنه أظلم من يزيد باتفاق الناس.

ومع هذا فيُقال: غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فساقاً، فلعنة الفاسق المعيّّن ليست مأموراً بها، إنما جاءت السنة بلعنة الأنواع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق؛ يسرق البيضة فتقطع يده).

وقوله: (لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً).

وقوله (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وقوله: (لعن الله المحلل والمحلل له).

(ولعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها).” [17].

اختلاف العلماء في لعن الفاسق المعين:

يقول ابن تيمية: “وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعيّن؛ فقيل: إنه جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي الفرج بن الجوزي وغيره.

وقيل: إنه لا يجوز، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي بكر عبد العزيز وغيره. والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعين، كالحجاج بن يوسف وأمثاله، وأن يقول كما قال الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين).

وقد ثبت في صحيح البخاري أن رجلاً كان يدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه، فأُتي به إليه، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله).

فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معللاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدل ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق ولا تجوز لعنة المعيَّن الذي يحب الله ورسوله).

ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله، ولكن في المظهرين للإسلام من هم منافقون، فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله، ومن علم حال الواحد من هؤلاء لم يصل عليه إذا مات، لقوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)” [18].

هل يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب:

يقول ابن تيمية: “ومن جوّذز من أهل السنة والجمااعة لعنة الفاسق المعين؛ فإنه يقول: يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب، مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لا ستحقاقه الثواب، واللعنة له لا ستحقاقه العقاب.

واللعنة البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيُرحم من وجه، ويبعد عنها من وجه.

وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة، ومن يدخل فيهم من الكرّامية والمرجئة والشيعة، ومذهب كثير من الشيعة الإمامية وغيرهم، الذين يقولون: إن الفاسق لا يخلد في النار.

وأما من يقول بتخليده في النار كالخوارج والمعتزلة وبعض الشيعة، فهؤلاء عندهم لا يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب” [19].

ويصل ابن تيمية إلى بيت القصيد قائلاً: “وقد استفاضت السنة النبوية بأنه يخرج من النار قوم بالشافاعة، ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وعلى هذا الأصل فالذي يجوّز لعنة يزيد وأمثاله يحتاج إلى شيئين: إلى ثبوت أنه كان من الفساق الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنه مات مصراً على ذلك.

والثاني: أن لعة المعيّن من هؤلاء جائزة.

والمنازع يطعن في المقدمتين، ولا سيما الأولى” [20].

ويتكلم ابن تيمية عن الإحتجاج بآية سورة هود قائلاً: “فأما قوله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين) فهي آية عامة كآيات الوعيد، بمنزلة قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً).

وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب، ولكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح: إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة.

فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه؟ أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمه؟ ولم يبتل بمصائب تكفِّر عنه؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذللك لمن يشاء).

وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم). وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد، والجيش عدد معين لا مطلق، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد من الظالمين، فإن هذا أخصّ، والجيش معيّنون.

ويقال: إن يزيد غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث.

ونحن نعلم أن أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم، فإن فتح هذا الباب ساغ أن يُلعن أكثر موتى المسلمين. والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين، ولم يأمر بلعنتهم” [21].

تعليق ابن تيمية على رواية الإمام أحمد: “وأما ما نقله (يقصد ابن المطهر الحلي) عن أحمد، فالمنصوص الثابت عنه من رواية صالح أنه قال: ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ لما قيل له: ألا تلعن يزيد؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحد؟ وثبت عنه أن الرجل إذا ذكر الحجاج ونحوه من الظلمة وأراد أن يلعن يقول: ألا لعنة الله على الظالمين، وكره أن يُلعن المعين باسمه.

ونُقلت عنه رواية في لعنة يزيد وأنه قال: ألا ألعن من لعنه الله، واستدل بالآية، لكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه.

والآية لا تدل على لعن المعيّن، ولو كان كل ذنب لُعن فاعله يلعن المعين الذي فعله للعن جمهور الناس. وهذا بمنزلة الوعيد المطلق، لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه وهكذا اللعن وهذا بتقدير أن يكون يزيد فعل ما يقطع به الرحم.

ثم إن هذا تحقق في كثير من بني هاشم الذين تقاتلوا من العباسيين والطالبيين. فهل يلعن هؤلاء كلهم، وكذلك من ظلم قرابة له لا سيما وبينه وبينه عدة آباء. أيلعنه بعينه؟

ثم إذا لُعن هؤلاء لعن كل من شمله ألفاظه وحينئذ فيلعن جمهور المسلمين.

وقوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكمم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم). وعيد عام في حق كل من فعل ذلك، وقد فعل بنو هاشم بعضهم ببعض أعظم مما فعل يزيد.

فإن قيل: بموجب هذا لعن ما شاء الله من بني هاشم: العلويين والعباسيين وغيرهم من المؤمنين” [22].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى