هل يجوز الاشتراط في الدعاء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأصل لايشترط عند الدعاء للميت المسلم بالمغفرة والرحمة إلا إن كنت شاكاً في حال الميت فلا حرج أن تقول “اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه”. الأدلة على ذلك:

أولاً: آيات اللعان؛ الآية السابعة من سورة النور “والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) وكذلك في الآية الثامنة من سورة النور أيضاً قول المرأة (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين). أقول هكذا علق الدعاء بنص القرآن بالشرط.

ثانياً: في صحيح مسلم “باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه” وساق حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ عن عائشة رضي الله عنها “قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها أردت الحج. قالت والله ما أجدني إلا وجعة. فقال لها حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني وكانت تحت المقداد”أهـ.  الحديث أخرجه أيضاً البخاري بلفظ متقارب.

ثالثاً: وفي الأثر عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت لعروة “هل تستثني إذا حججت فقال ماذا أقول قالت قل: اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة”أهـ سنن البيهقي بسند صحيح.

رابعاً: وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “حج واشترط وقل: اللهم الحج أردت ولك عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة”أهـ سنن البيهقي بسند حسن.

خامساً: وقال سويد بن غَفَلة، قال: “قال لي عمر ابن الخطاب: يا أبا أمية حج واشترط فإن لك ما اشترطت ولله عليك ما اشترطت”أهـ سنن البيهقي بسند صحيح.

سادساً: كلام نفيس لابن القيم: ذكر العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في فصل بعنوان هل تعلق التوبة بالشرط؟ واستدل بحديث ضباعة بنت الزبير المتقدم قائلاً: “فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الأمة إليه، ويفِيد شيئين: جواز التحلل، وسقوط الهدي، وكذلك الداعي بالخيرة يشترط على ربه في دعائه. فيقول: اللهم إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي، فيعلق طلب الإجابة بالشرط لحاجته إلى ذلك لخفاء المصلحة عليه”. إعلام الموقعين ج4 ص 371.

ويقول أيضاً: “وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه أيما رجل سبه أو لعنه وليس لذلك بأهل أن يجعلها كفارة له وقربة يقربه بها إليه”.، وهذا تعليق للمدعو به بشرط الاستحقاق. وكذلك المصلي على الميت شرع له تعليق الدعاء بالشرط، فيقول: اللهم أنت أعلم بسره وعلانيته، إن كان محسناً فتقبل حسناته، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سئاته؛ فهذا طلب للتجاوز عنه بشرط، فكيف يمنع تعليق التوبة بالشرط؟”أهـ إعلام الموقعين ج4 ص 371.

 واستأنس ابن القيم برؤيا شيخه؛ شيخ الإسلام ابن تيمية للرسول صلى الله عليه وسلم: “وقال شيخنا: كان يشكل علي أحياناً حال من أصلي عليه الجنائز، هل هو مؤمن أو منافق؟ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن مسائل عديدة منها هذه المسألة، فقال: يا أحمد الشرط الشرط، أو قال: علق الدعاء بالشرط. وكذلك أرشد أمته صلى الله عليه وسلم إلى تعليق الدعاء بالشرط فقال: لايتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً. وكذلك قوله في الحديث الآخر. وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفني إليك غير مفتون.”أهـ إعلام الموقعين ج4 ص 371

سابعاً: وفي السنن الكبرى للبيهقي: دعاء الصحابي الجليل المبشر بالجنة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على الرجل الذي افترى عليه؛ وهو رجل من بني عبس بالكوفة يكنى بأبي سعدة كذب عليه وقال: ” فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية. قال سعد أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن. وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد قال عبد الملك فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن”أهـ

صفوة القول

يجوز الدعاء المعلق بالشرط سواء في الصلاة على الميت المسلم أو في غير ذلك من عبادات. ووجه الاستدلال في آيات اللعان من سورة النور أن الزوج يدعو على نفسه في المرة الخامسة باللعنة إن كان من الكاذبين؛ أي أنه علق الدعاء على نفسه بشرط كونه من الكاذبين. وكذلك زوجته التي اتهمها بالزنا بدون بينة فتدعو على نفسها بغضب الله عليها إن كان زوجها صادقاً؛ فقد علقت الدعاء على نفسها بشرط. وكذلك الاحاديث والآثار التي ذكرناها ونقلنا الكلام الماتع النافع النفيس للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله. والله أعلم.