مقالات

لماذا اليونان أضعف دول العالم تدافع عن السعودية؟

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

مساء أمس نشرت وكالة الأنباء الفرنسية خبراً تقول فيه: «اليونان سترسل صواريخ باتريوت إلىٰ السعودية لحماية المنشآت النفطيَّة».

الخبر علىٰ قصره ومحدوديته الظاهرة مفعمٌ بالدلالات الخطيرة.

أولاً: ما عاد ينقص السعودية إلا أن تدافع اليونان عنها. وهٰذا وحده من أعاجيب هٰذا الزمان. السعودية التي يفترض حسب ما نعلم عن عقود شراء السلاح منذ عشرات السنين، أنَّها تمتلك من الأسلحة ما يملأ علىٰ الأقل نصف أراضي دولة اليونان، تفتح أراضي الحرم لليونان لبسط عسكرها وصواريخها للدفاع عن الحرم وبلاد الحرم والمنشآت النفطية.

تلك وحدها أضحوكة لا يكفي تشقق الأشداق للتعبير عن مدى هزليتها وعجائبيتها. بل إن اليونان ذاتها غير مصدقة هٰذه الخطوة، وعلىٰ الفور أعلن النائب اليوناني ديميتريس باباديموليس قائلاً:

«هٰذه الخطوة، أي انتشار قواتنا في السعودية، ستشكل لأول مرَّة حضوراً عسكريًّا خارج المتوسط».

وأصحِّح للسيد ديميتريس فأقول: ليس خارج المتوسط يا فهمان بل خارج اليونان، فمنذ العصور الوسطى إلىٰ هٰذا اليوم تعجز اليونان عن القيام بأي فعل يتجاوز حدودها باربعة أمتار وشبرين.

تخيلوا أين وصلت المهزلة، اليونان أكبر دولة مديونة في العالم الأوروبي، اليونان التي أربكت الاتحاد الأوروبي بعجزها الاقتصادي وكادت غير مرة تفرط عقد الوحدة الأوروبية بسبب أزماتها الاقتصاديَّة، ولولا أن أكثرها أصبحت مملوكة لألمانيا لسد العجوزات الاقتصادية وتسديد الديون الداخلية لخرجت من الوحدة الأوروبية ورُبَّما فرطت عقدها… وهلم جرًّا مما لا يكفي مقال ولا كتاب عن سرده عن ضعف اليونان وعجزها… تتوسل إليها السعودية العظمى أن ترسل جيشها إلىٰ السعودية للدفاع عنها.

نتفهم ونفهم أن تعتمد علىٰ أمريكا أو بريطانيا أو روسيا، مع حرمة ذٰلكَ شرعاً، ولٰكن أن تعتمد علىٰ اليونان؟!؟!

لعمري إنها مهزلة ما بعدها مهزلة، إنها إهانة ما بعدها إهانة للسعودية والسعوديين والعرب والمسلمين جمعاً وجميعاً.

ثانياً: قلنا حماية أو الدفاع عن الحرم والدفاع عن السعودية، والخبر ليس كذٰلكَ بطبيعة الحال، الخبر يقول: «للدفاع عن المنشآت النفطية». وهٰذا أمر يثير الكثير من التساؤلات المهمة، منها علىٰ سبيل سبيل المثال:

ـ ما مدى ما تستورده اليونان من النفط السعودي؟

ـ ما مدى تأثر الاقتصاد اليوناني بالنفط السعودي؟

ـ ما مدى قوى الاقتصاد اليوناني ومدى تأثره بأزمات النفط؟

ـ ما مدى حضور الاقتصاد اليوناني علىٰ الخريطة الاقتصادية العالمية؟

إذا كانت الصين واليابان تعتمدان اعتماداً هائلاً علىٰ النفط السعودي لم تفكرا بل لم يسمح لهما بأي حال التقدم خطوة لحماية النفط السعودي ولا حَتَّىٰ لحماية طريق قوافل نفطها الخارجة من السعودية أو العائدة عليها، واليابان والصين شريان الاقتصاد العالمي وثاني أقوى اقتصادي في العالمين… فكيف لم تخجل اليونان علىٰ نفسها أن تقبل مهمة الدفاع عن المنشآت النفطية السعودية وهي التي رُبَّما لا تستورد من السعودية أي برميل نفط، فنفطها أكثره أو كله من روسيا والجزائر. ألم تستحي اليونان وهي تتنطع لهذه المهمة؟

إذا اقتصرنا علىٰ هٰذه النقطة من التساؤل فسيكون الأمر بتراً للحقيقة. فالحقيقة أن اليونان لم تتنطع لهذه المهمة، فالخبر من مصادر أُخْرَىٰ يقول إن هٰذا الأمر سيكون علىٰ نفقة السعودية. يعني ثَمَّة أمور وراء السطور. ومع ذٰلكَ يبقى التساؤل صحيحاً وقائماً: فعلىٰ افتراض أن السعودية هي التي طلبت من اليونان القيام بهٰذه المهمة، أو حَتَّىٰ غيرها، فالسؤال المنطقي هو ما سألناه قبل قليل: ألم تستحي اليونان وهي تقبل أو تتنطع لهذه المهمة؟

دعك من كلامي وتهكمي وقل إِنَّهُ مبالغ فيه. ماذا قال اليونانيون أنفسهم بعد دقائق من نشر الخير؟ اليونانيون أنفسهم، وعلىٰ رأسهم أحزاب المعارضة اليونانية كلها نددت بهٰذه الخطوة وقالت إنها «مغامرة خطيرة». انتبه إلىٰ ما قاله اليونانيون الذين يعرفون حجم اليونان: قالوا إنها مغامرة، ليست مغامرة وحسب بل مغامرة خطرة.

إذن ثَمَّة ما هوا وراء الأكمة. لنتابع الآن ثمَّ نعود إلىٰ الأكمة وما وراءها.

ثالثاً: الخبر مربوط بصواريخ باتريوت. وهنا يبرز السُّؤال المهم: ما مصدر صواريخ باتريوت؟

لا أحد يجهل أن هٰذه الصواريخ صناعة أمريكية. وأمريكية فقط. وهنا سيبرز السؤال المنطقي والضَّروري: إذا كانت هٰذه الصَّواريخ أمريكيَّة والعلاقة بَيْنَ أمريكا والسُّعوديَّة أقوى وأشد من علاقة أمريكا رُبَّما باليونان ذاتها. فلماذا هٰذا اللف والدوران؟ لماذا هٰذه اللفَّة الطَّويلة؟ لماذا لا تعتمد علىٰ الصواريخ الأمريكية مباشرة؟

مهما قيل من ذرائع في ذٰلكَ فإنها باطلة. فالسعودية ذاتها أصلا تشتري صواريخ باتريوت من أمريكا. والقواعد الأمريكية في السعودية لا يمكن أن تخلو من هٰذه الصواريخ، وإنكار وجودها لدى الضربات الأمريكية والحوثية كذب لا أساس له من الصحة، جاء لتبرير عدم الرد الأمريكي علىٰ إيران، وتلك قصة طويلة.

وأيُّ كلام عن خلافٍ أمريكيٍّ سعوديٍّ بشأن هٰذه الصَّواريخ أمرٌ باطلٌ أيضاً. وعلىٰ افتراض صحة ذٰلكَ فهل ستسمح أمريكا لليونان بنقل صواريخ الباتريوت اليونانية إلىٰ السعودية؟

ما يعلمه المتابعون أن نقل السلاح بالسر خاضع للسيطرة الأمريكية ولا يمكن نقل أي سلاح بالسر من دون اطلاع الاستخبارات الأمريكية موافقتها، إلا الاستثناءات. وإلا من الذي منع السلاح عن الثورة السورية طيلة سنوات الثورة التسع الماضية؟َ وكيف منع السلاح عن الشرعية الليبية وانفتح علىٰ مصراعية للانقلابين الحفتريين حَتَّىٰ دخلت تركيا علىٰ الخط وصار الجميع ينادي بجدية تطبيق قانون حظر توريد السلاح إلىٰ ليبيا علىٰ الجميع؟ ومع ذٰلكَ ما زال توريد السلاح للشرعية محظوراً في تتوافد قوافل الأسلحة لحفتر من دون حساب؟!

ومن ثمَّ فإن أيَّ حركة للسَّلاح حَتَّىٰ غير الأمريكي خاضع لرقابة الولايات المتحدة الأمريكية، وبنسبة ما بَيْنَ ثمانين وتسعين بالمئة لا ينتقل سلاح في الأرض إلا برضاها وموافقتها أيضاً.

يبدو أن الأمر محير. فكيف تقبل أمريكا باختراق محميتها من قبل دولة ضعيفة صغيرة وبالسلاح الأمريكي ذاته؟!

لا يمكن أن تكون هٰذه الخطوة قد تمت من دون علم الولايات المتحدة، ولا من دون رضاها، ولا من دون موافقتها. الطبخة مشتركة بكل تأكيد.

إذن ثَمَّة سرٌّ في الموضوع وليس مصادفة ولا خبط عشواء.

رابعاً: من دون أن نعود إلىٰ تفاصيل الخبر وحيثياته فإن الحقيقة باتت واضحة من خلال المناقشة السابقة. ومع ذٰلكَ لنستكمل الخبر وما فيه من تفاصيل ليس لزيادة وإنما لتكون الأمور بتفاصيلها حَتَّىٰ لا يقال إن بترنا أو أنقصنا.

مساء الثلاثاء الرابع من شباط 2020م أعلن متحدث باسم الحكومة اليونانية الخبر السابق ذاته وقال بأنه «جاء في إطار مبادرة مشتركة مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا». ومن ثمَّ فإن هٰذه الخطوة ليست ثنائية بَيْنَ السعودية واليونان، ولا خارج علم الإدارة اللأمريكية بل بقرارها وموافقتها. وأضاف بيتساس المتحد باسم الحكومة: «إنَّ نشر هٰذه الصواريخ يساهم في حماية أمن مصادر الطاقة، ويعزِّز صورة بلدنا كعامل مساعد علىٰ الاستقرار الإقليمي ويوطد علاقتنا مع السعودية»، وتابع قالاً: «إن المحادثات بشأن هذه الخطوة بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر». ومن الطبيعي أن لا تكون نتيجة اتصال هاتفي فلها ترتيبات وأهداف وليست من أجل حماية المنشآت النفطية كما يقال، فمن غير المعقول ولا لا المقبول ولا المنطقي أن تفلس الدول العظمى الثلاث وتعلن عجزها عن حماية السعودية ومنشآتها النفطية لتقوم باستدعاء دولة عاجزة مشلولة اقتصاديا وسياسيًّا وعسكريًّا من أجل الدفاع عن السعودية ومنشآتها النفطية. إنها نكتة بكل تأكيد. بل نكتى غير قابلة للتصديق.

إذا كان الأمر أمر حماية فعلاً فلماذا لم يتم استدعاء أكثر الدول تضرراً من تعريض المصالح النفطية للخطر مثل الصين أو اليابان حليف الناتو… أو الهند علىٰ سبيل المثال؟!

بل لماذا لم يتم الاستعانة بتركيا ثاني أقوى قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة في حلف الناتو للقيام بهٰذه المهمة؟

لننظر مرة أُخْرَىٰ في تخوم الخبر وحيثياته.

بداية تم الإعلان عن هٰذا الخبر من قبل الحكومة اليونانية في الوقت الذي يجري رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس جولة محادثات بشأن الاستثمار مع الحكومتين السعودية والإماراتية. وبعد زيارة الرياض أمس الإثنين، توجه ميتسوتاكيس هٰذا اليوم أي الثلاثاء الرابع من شباط 2020م إلى أبو ظبي.

إلىٰ هنا تم جلاء الكثير من الغبار عن الدليل علىٰ الحقيقة.

إلىٰ ما قد ورد في الخبر قبل قليل. قال الخبر إنًّ هٰذا الأمر «قد تم التنسيق له منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019م» أي منذ أربعة أشهر تقريباً.

حسناً، وماذا تم في تخوم هٰذا الوقت من أحداث؟

قبل الذهاب إلىٰ تخوم هٰذه الفترة التحضيرية لا بُدَّ أن نتذكر أن العلاقات السعودية اليونانية منذ نشأة سلطة آل سعود علاقات محدودة وشبه معدومة بالكاد تزيد عن تبادل السفارات بقليل. ارجع إلىٰ الدراسات المتعلقة بذۤلكَ وتأكد بنفسك.

ماذا حدث في تخوم المرحلة التحضيرية لهذه الخطوة؟

في الثاني عشر من أيلول الماضي أي عام 2019م، قبل أسبوعين من بدء التحضير للتعاون العسكري اليوناني السعودي قام وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف بزيارة إلىٰ قبرص اليونانية هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بَيْنَ البلدين. وأعلن العساف دعم قبرص اليونانية وتأييده لسيادتها ومشروعية سيادتها علىٰ ثروات البحر المتوسط في إطار اتفاقيتها مع اليونان وإسرائيل ومصر وتجاهل تركيا.

وفي الوقت ذاته تماماً بل قبل يوم واحد كان وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد أحمد زكي في زيارة إلىٰ قبرص اليونانية. مصادفة أُخْرَىٰ تترافق مع الحدث. إِنَّهُ زمن المصادفات.

وإذا عدنا إلىٰ قبل ذٰلكَ بأسبوعين فقط نجد الحدث الأهم وهو افتتاح إلىٰ أول سفارة بَيْنَ سعودية في قبرص اليونانية. وهكذا يزداد تكامل اللوحة. كنا باليونان وإذ بالسعودية تنحدر إلىٰ مشاركة مستعمرة لليونان. جزيرة صغيرة بحجم شارع كبير في الرياض تنحدر السعودية لتتحالف معها وتدعمها وتدعم حقوقها وتؤكد شرعيتها وهي غير شرعية في حقيقة الأمر.

هٰذا الأمر يذكرنا بالرفيق جمال عبد الناصر عندما تحالف مع قبرص اليونانية ضد تركيا لأن رئيس الوزراء فيها إسلامي وهو عدنان مندريس الذي طلب من عبد الناصر أن يؤازره لتعود تركيا إلىٰ الصف العربي فكان منه أن تحالف مع اليونان وقبرص اليونانية ضده.

هكذا تبدو الأمور أكثر وضوحاً الآن. وقبل أن نبين الغاية من هٰذا التحالف دعونا ننظر ماذا حدث بعد ذٰلكَ. وعليك أن تدرك الآن أنَّهُ في ظلِّ مئة سنة من عدم وجود سوى علاقات دبلوماسية محدودة مع اليونان تصاعدت العلاقات واللقاءات فجأة وعلىٰ نحو متسارع لافت. ولنلق نظرة خاطفة علىٰ المشهد:

في 13/ 11/ 2019م قام عادل الجبير وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي بزيارة إلىٰ أثينا والتقى مع وزير الخارجية اليوناني نيكوس ذنذياس ومسؤولين آخر لتعزيز العلاقات الثنائية بَيْنَ البلدين. خبر تداولته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام.

في 14/ 11/ 2019م قام قبل رئيس الجمهورية اليونانية بروكوبيوس بافلوبولوس باستقبال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير في القصر الرئاسي…. خبر تناقلته الوكلات ونشرته الصحيفة اليونانية (Greek city times). 

في 29/ 11/ 2019م نشرت وكالة الأنباء السعودية أن وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس قد استقبل السفير السعودي في اليونان عصام بن إبراهيم بيت المال، وجرى خلال اللقاء بحث مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأوجه التعاون بَيْنَ المملكة العربية السعودية وجمهورية اليونان… رُبَّما يكون اللقاء دوريَّا كما أشارت وكالة الأنباء السعودية، رُبَّما، ولذٰلك قل إِنَّهُ خارج السياق.

في 17/ 12/ 2019م كما نقلت وكالة الأنباء السعودية ومختلف وكالات الأنباء، استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس.

في اليوم ذاته أي 17/ 12/ 2019م قام رئيس مجلس الشورى السعودى الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ باستقبال وزير الخارجية اليونانى. أيضاً عن وكالة الأنباء السعودية ووكالات أُخْرَىٰ. وللمصادفة فقد شملت رحلته هٰذه دولة الإمارات.

19/01/ 2020م أنباء نشرتها صحيفة كاثيمرني اليونانية عن اتفاق سعودي يوناني علىٰ نشر صواريخ يونانية في السعودية، والمضحك في الخبر أن ذٰلكَ جاء رغبة من السعودية في تعزيز دفاعاتها الجوية. علىٰ أساس أن اليونان تنافس أمريكاً في الصناعات العسكرية.

في 24/ 01/ 2020م من جديد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله في زيارة إلىٰ اليونان استقبله بطبيعة الحال نيكولاس ذينذياس وزير خارجية الجمهورية اليونانية، في العاصمة أثينا، أيضاً لبحث العلاقات الثنائية…

في 25/ 01/ 2020م بعث الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برقية تهنئة للرئيس اليوناني إيكاتيريني ساكيلاروبولو بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً…

لنقل إنَّ هٰذا السلوك الأخير أي التهنئة سلوك بروتوكولي لا قيمة له. ولٰكن لك أن تتخيل الآن أنَّ تصاعد حميميَّة هٰذه العلاقة من السعودية تجاه اليونان قد جاء بعد نحو شهرين من قيام السلطات السعودية والسَّفارة السٌّعودية في اليونان بتحذير المواطنين السُّعوديين الذين يزورون اليونان من تعرضهم للسَّرقة من قبل اللصوص المحترفين… كان ذٰلكَ في بيان في 9/ 6/ 2019م.

يبدو جيداً وواضحاً لأن المسألة ليست مسألة علاقات ثنائية، فما هٰذه العلاقات الثنائية بَيْنَ السعودية واليونان التي تحتاج إلىٰ هٰذه الزيارات المكوكية الكثيرة التي تحسب من خلالها أنَّها ستحل مشكلة الكرة الأرضية. وقد بينا كذب ذٰلكَ وانطوائه علىٰ الخداع والتضليل المكشوف في حقيقة الأمر.

الذي حدث حقيقة هو تشكيل تحالف حرب ضد تركيا. المؤشرات والقرائن كلها تقود إلىٰ هٰذه الحقيقة. ولا تقود إلىٰ غيرها بحال من الأحوال. المسألة ليست مسألة تحالف ضد تركيا وحسب، بل تحالف عسكري وتحالف حرب عسكريَّة ضدَّ تركيا. والولايات المتحدة عنصر فاعل في هٰذا التَّحالف ولٰكنَّ السعودية تحديداً هي المخطط والمدبر والمحرك لهٰذا التحالف ضدَّ تركيا وليست أمريكا ولا أوروبا… وهم يسرهم ذٰلكَ ويريدونه بطبيعة الحال.

التصعيد العسكري بَيْنَ الجيش التركي والجيش السوري كان قبل أمس. ولم تفطن أمريكا إلىٰ إدانة النظام السوري والتعاطف مع تركيا إلا بالتزامن عن انتشار خبر نشر صواريخ باتريوت اليونانية في السعودية. مصادفة عجيبة أيضاً.

ماذا يعني ذٰلكَ؟

الأمر في حدود تصوري أن الأطراف الأساسية السعودية والإمارات من طرف وأمريكا والغرب الأوروبي من طرف، وروسيا ليست بمنأى عن ذٰلكَ، يجرون تركيا من هنا وهناك إلىٰ معركة فاصلة. اختيار اليونان لهٰذا الحلف ليس تصادفاً إذن، فلليونان ثأر مع تركيا وصراع معها في شؤون كثيرة لا في شأن قبرص وحدها، وهي دولة محاذية لتركيا ومحادة لها.

هٰذه ليست تخيلات ولا أوهام. كل المؤشرات التي سبق سردها بتراتبها الزمني واقتراناتها الظرفية تقود إلىٰ هٰذه النتيجة. لا يمكن أن تكون تلك التسلسلات كلها مصادفات ولا أموراً طبيعية أو عادية. وإذا ما أخذنا بعين النظر التَّهديدات السعودية والإماراتية لتركيا، وجهود كليهما في الحرب علىٰ تركيا علىٰ مختلف  الجبهات فإنَّنا لا يمكن أن نستبعد أن يكون هناك سعي جديٍّ لحرب واسعة النطاق علىٰ تركيا من قبل هٰذه الأطراف إمَّا جميعاً معاً أو من خلال الوكلاء منهم اليونان وقبرص اليونانية والحركات الكردية المعارضة في سوريا وتركيا وحَتَّىٰ في المعارضة الكردية في العراق التي وصلت إليها السُّعوديون والإماراتيون وتواصلوا معها.

الحقيقة المرة والقاسية هي أنَّهُ لم يبق سوى تركيا تحمل راية الإسلام في العالم، ولم يبق سواها قلعة للإسلام ومثلاً أعلى للمسلمين في العالم يتطلَّعون إليها، وفي المقابل في إنَّ أقطاب العالم الإسلامي وعلىٰ رأسهم السعودية ترتمي في حضن إسرائيل ارتماءاً تقشعر له الأبدان. وفي الأمس انفضحت تماماً صلة النظام السوداني مع إسرائيل، هٰذا النظام الذي استماتت السعودية والإمارة لعدم السَّماح بسقوطه أما الثورة، ولم يسقط.

لقد بات واضحاً أن الأنظمة الحاكمة في العالم العربي قاطبة مهمتها محاربة الإسلام وبدا لها أنَّها نجحت في القضاء علىٰ كل ما يسمَّى سعي إسلامي للسلطة وبقيت القلعة الأخيرة التي لا بُدَّ لهم من تحطيمها ليتابعوا سيرهم في تغيير الإسلام، ونشر ما يسمونه الإسلام المعتدل… أي الإسلام الأمريكي الصهيوني، وقد شهدنا في الآونة الأخيرة كثيراً من الأنباء والمعلومات عن هٰذا الإسلام المعتدل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى