بحوث ودراسات

مكائد الاستشراق للطَّعن في الإسلام وتبرير محاربته: برنارد لويس نموذجًا 2 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

محتوى الكتاب

يستهلَّ المستشرق اليهودي، صاحب التاريخ الطويل في دراسة الإسلام وتاريخ الدولة الإسلاميَّة، مقدَّمة كتابه بطرح تساؤل، هو عنوان الكتاب ذاته، What Went Wrong?، أو أين يكمن الخطأ، ويستفسر بذلك عن أسباب التردِّي الحضاري الذي عانى منه المسلمون على مدار القرن العشرين بأكمله، ووضعهم تحت وطأة الاستعمار الغربي المسيحي، بعد أن ساد المسلمون العالم لقرون، ووصلت حدود دولتهم إلى قلب أوروبا. نجح المسلمون، وتحديدًا العثمانيُّون، في دحر الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وسقطت عاصمتها، القسطنطينيَّة، في أيديهم عام 1453 ميلاديًّا، لتبدأ دولة آل عثمان في الازدهار، حتَّى صار أهل الأقطار الأخرى من الجهلاء والمعدمين، يحلمون بالالتحاق بـ “إمبراطوريَّة الخلفاء، ومن ثمَّ تحصيل المنافع الدينيَّة والحضاريَّة” (ص4).

قبل فتح القسطنطينيَّة في القرن الخامس عشر الميلادي، فتح المسلمون الشام والعراق وفارس ومصر وشمال إفريقيا في القرن السابع الميلادي؛ وفي القرن الثامن، فقد فتحوا إسبانيا والبرتغال وغزوا فرنسا، مستعينين بمعتنقي الإسلام من البربر، ومنطلقين من القواعد التي أسَّسوها في شمال إفريقيا؛ أمَّا في القرن التاسع، فقد غزوا صقلية، وأغاروا على الدولة الرومانيَّة في عقر دارها. ويزعم لويس أنَّ الهجمات المتكرِّرة للمسلمين على أجزاء من أوروبا هي التي دفعت المسيحيِّين إلى تنظيم هجمة مضادَّة، بإطلاق الحملة الصليبيَّة الأولى قبيل نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، وإن كانت قد مُنيت بالفشل، وكذا سائر الحملات الصليبيَّة التالية، وانتهت بإجلاء القوَّات الأوروبيَّة المسيحيَّة عن العالم الإسلامي. ومع الانتصارات المؤزَّرة للمسلمين، فقد واجهوا من مسيحيِّي أوروبا بسالة أجبرتهم على الانسحاب من صقلية نهاية القرن الحادي عشر ميلاديًّا، ثمَّ قلَّصت من سلطانهم في إسبانيا، أو الأندلس، تدريجيًّا، إلى أن أُجلوا عنها بالكامل عام 1492 ميلاديًّا.

كما يروي لويس، ظلَّ الإسلام على مدار قرون “القوَّة العسكريَّة الأعظم على وجه البسيطة”؛ حيث أنَّ “جيوشه، وفي ذات الوقت، كانت تجتاح أوروبا وإفريقيا، والهند والصين”؛ كان الإسلام “القوَّة الاقتصاديَّة الرائدة على مستوى العالم، بتداول مجموعة واسعة من السلع، من خلال شبكة واسعة الانتشار من التجارة والاتصالات، شملت آسيا وأوروبا وإفريقيا…حقق الإسلام أرقى منجزات آداب الحضارة وفنونها في تاريخ البشريَّة على الإطلاق” (ص5). يعترف لويس بحُسن استغلال المسلمين لما ورثوه من منجزات علميَّة عن الحضارات السابقة في الأزمنة القديمة، في الشرق الأوسط، وبلاد الإغريق، وفارس، وتطويرهم تلك المنجزات، مضيفًا أنَّ أوروبا في القرون الوسطى كانت بمثابة “التلميذ” و “التابع” للعالم الإسلامي، في أخذ العلوم والآداب (ص6).

غير أنَّ جذوة تلك الحضارة الباهرة انطفأت، ولم تعد أوروبا تعتمد على ما تستمدُّه من معارف من العالم الإسلامي، حتَّى قبل عصر النهضة-Renaissance Age في القرن الخامس عشر الميلادي؛ بفضل ظهور الحركة الفلسفيَّة المعروفة بـ “التعليم الجديد-New Learning”، التي أعادت قراءة الفلسفات الإغريقيَّة والرومانيَّة القديمة، التي تقوم على التأمُّل والتحرُّر العقلي، ليُعاد تطبيقها في عصر النهضة، وتسفر عن تطوير العلوم التقنيَّة التي صنعت حضارة الغرب وعظَّمت من ثروته الماديَّة. توقَّفت حركة الترجمة التي أثرت الفكر الإسلامي في السابق، ويسخر لويس من كون الكتاب الوحيد الذي تُرجم منذ بداية عصر النهضة وحتَّى أواخر القرن الثامن عشر، كان كتابًا عن مرض الزُّهري-مرض بكتيري مزمن ينتقل عند الاتصال الجسدي-قُدِّم للسلطان العثماني محمَّد الرَّابع بالتركيَّة عام 1655 ميلاديًّا.

يمثِّل القرن الخامس عشر نقطة فارقة في تاريخ المسلمين، حيث شهد تراجُع الوجود الإسلامي في غرب أوروبا وشرقها، ليتزامن ذلك مع ظهور دولة إسلاميَّة جديدة على أطراف أوروبا، شكَّلت تهديدًا كبيرًا لها على مدار قرون. كما سبقت الإشارة، سقطت آخر حصون للمسلمين في الأندلس عام 1492 ميلاديًّا، ليحكم شبه الجزيرة الإيبيريَّة فرناندو الثاني، ملك أراغون، وإيزابيلَّا الأولى، ملكة قشتالة، بعد أو وحَّدا أراضيها، ليدعما أشهر رحلة استكشافيَّة غيَّرت مجرى التاريخ، وهي رحلة الملَّاح الإيطالي، واليهودي الماسوني، كريستوفر كولومبوس، التي أسفرت عن “اكتشاف” الأميركتين. تلقَّى المسلمون في روسيا صفعة مشابهة، حينما أطيح بالحكَّام التتار معتنقي الإسلام؛ فمع اجتياح أستراخان على يد القيصر الروسي إيفان الرهيب عام 1556 ميلاديًّا، وصل الروس إلى شواطئ بحر قزوين، وبلغوا في القرن التالي الشاطئ الشمالي للبحر الأسود؛ فبدأت بذلك عمليَّة طويلة من الغزو والاستعمار ضمَّت أراضٍ واسعة من ديار المسلمين إلى روسيا القيصريَّة.

ملاحظات ختاميَّة

لم يغب عن وعي المراقب أنَّ العالم الإسلامي شهد خلال القرن العشرين تراجعًا شديدًا على كافَّة الأصعدة، وبخاصَّة على المستوى الاقتصادي، والسياسي، والمعرفي. في حين كان للعالم الغربي الأسبقيَّة في كافَّة المجالات، ممَّا منحه القدرة على استعمار العالم الإسلامي، منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم. لم تتوقَّف جهود الحداثيِّين من أبناء العالم الإسلامي، منذ بداية التراجع، وتركَّزت جهود هؤلاء على النواحي العسكريَّة، والاقتصاديَّة، والسياسيَّة. غير أنَّ نتائج جهود هؤلاء كانت محبِطة في مجملها؛ حتَّى تزويد الجيوش بأحدث العتاد العسكري لم يضمن الانتصار، أو يكف أيادي العبث الخارجيَّة. أسفرت مساعي الازدهار الاقتصادي في العالم الإسلامي عن اقتصادات هزيلة وفاسدة، على حدِّ تعبير لويس، وليس للاقتصادات الغنيَّة في العالم الإسلامي سوى مصدر واحد، هو الوقود الأحفوري (ص151). حتَّى ذلك المصدر الأوحد للثروة تولَّى الغرب اكتشافه واستخلاصه، وسهَّل استخدامه؛ الأهم من ذلك أنَّه “مقدَّر له، إن آجلًا أم عاجلًا، أن ينفد أو يُستبدل، ويحتمل استبداله، مع تنامي قلق المجتمع الدولي من استخدام وقود يلوِّث الأرض والبحر والهواء، أينما نُقل أو استُخدم، ويضع الاقتصاد العالمي تحت رحمة زُمرة مستبدِّين تحكمهم الأهواء” (ص151). أمَّا على المستوى السياسي، “فالسعي الطويل من أجل الحريَّة خلَّف مجموعة من الأنظمة الاستبداديَّة المتهالكة، تتراوح بين الأوتوقراطيَّات التقليديَّة والديكتاتوريَّات الجديدة، الحديثة فقط في أجهزة القمع والتلقين” (ص151).

يبدو أنَّ ما توعَّد به لويس عام 2002 ميلاديًّا، عن استغناء الغرب عن النفط الخليجي مستقبلًا في مقابل الاستعانة بمصدر آخر للطَّاقة، أنظف وأسهل في الاستخلاص، بدأ يتحقَّق بعد عقد كامل؛ فقد أعلن الرَّئيس الأمريكي السَّابق، باراك أوباما، في حوار أجرته معه مجلَّة التَّايم الأمريكيَّة (TIME Magazine) في ديسمبر من عام 2012 ميلاديًّا، أنَّ بلاده ستشهد في السَّنوات القليلة المقبلة طفرة في إنتاج النفط والغاز الطَّبيعي، بفضل اكتشاف تقنيات جديدة. أضاف أوباما أنَّ إنتاج أمريكا من النفط بحلول عام 2017 ميلاديًّا سيتجاوز المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، أكبر منتج للنفط الأحفوري في العالم. وقد ذكر الخبير الاقتصادي الصِّيني، منكي لي، في كتابه Peak Oil, Climate Change, and the Limits to China’s Economic Growth-ذروة النفط وتغير المناخ وحدود النمو الاقتصادي في الصين (2014)أنَّ أسعار النفط بلغت 114 دولارًا للبرميل الواحد بحلول عام 2011 ميلاديًّا (ص8):

وفق إحصاءات نشرتها موسوعة ويكيبيديا الرَّقميَّة عن مقدار إنتاج النفط لعام 2019 ميلاديًّا، بلغ إنتاج النفط الأمريكي 15 مليون برميل في اليوم، بزيادة تجاوزت 3 ملايين برميل عن السَّعوديَّة. أسهم تضاعُف الإنتاج النفطي الأمريكي في السَّنوات القليلة الماضية في تهاوي أسعار النفط في العالم. وفق ما نشره موقع OIL-PRICE.NET، المصدر الأوَّل في تحديد أسعار النفط في العالم، يتراوح سعر برميل النفط في ديسمبر من عام 2019 ميلاديًّا، ما بين 58 و65 دولار أمريكي، ممَّا يعني أزمة اقتصاديَّة كبيرة تهدِّد أباطرة النفط في الخليج.

التنصُّل من أسباب الفشل بإلقاء اللوم على عدو غادر شيمة المسلمين!

لم يكن من السهل على المسلمين تقبُّل الضعف والفقر، بعد سنوات من القوَّة والثراء، والتبعيَّة للغرب، بعد الريادة والأسبقيَّة. الأسوأ من ذلك أنَّ النصف الثاني من القرن العشرين شهد ظهور قوى جديدة في شرق آسيا، كوَّنت اقتصادات قويَّة بعد تطبيق معايير الغرب، ويعتبر لويس ذلك “تشجيعًا وإهانةً” أن تسبق اقتصادات اليابان وكوريا الجنوبيَّة وتايوان، وهي دولة صغيرة، العالم الإسلامي مترامي الأطراف (ص152). يزيد لويس من انتقادات اللاذعة للمسلمين، الذين اتَّهمهم بالتنصُّل من تقصيرهم بإلقاء اللوم على الآخر بأنَّه المتسبِّب في معاناتهم؛ فتارةً يتَّهمون المغول، وتارة الغرب. ولا يجد لويس حرجًا في وصف “الإمبرياليَّة الغربيَّة” وذراعها الاستعمار خلال القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد، بـ “كبش فداء جديد” أسقط عليه المسلمون تأخُّرهم؛ أمَّا عن سبب جرأته في هذا التصريح، فهو اعتباره الاستعمار الغربي مشعل هداية وفَد إلى بلاد المسلمين لإخراجهم من الرجعيَّة إلى المدنيَّة، علاوةً على افتراضه أنَّ التدخُّل الأجنبي نتيجة للضعف الداخلي في العالم الإسلامي، وليس سببًا (ص153).

يضيف لويس أنَّ أمريكا ورثت عن الاستعمار البريطاني والفرنسي للعالم الإسلامي دور العدو، ولا يجد لذلك تبريرًا، كما يشير إلى أنَّ اليهود، بفضل النمط المتداوَل لهم باعتبارهم أصل كلِّ الشرور، صاروا كذلك شمَّاعة يُسند إليها العجز. وجد العرب في النمط الشائع لليهود بفضل معاداة الساميَّة وسيلة للتهدئة، هروبًا من صدمة هزيمة 5 دول عربيَّة وجيوشها في حرب فلسطين، عام 1948 ميلاديًّا، وعجزها عن منع نصف مليون يهودي من إقامة وطن لهم “على أنقاض الانتداب البريطاني على فلسطين” (ص154). يشير لويس إلى حقيقة أنَّ اليهود عاشوا في ظلِّ دولة الخلافة الإسلاميَّة، على مرِّ العصور، حياة أفضل مما عاشوه تحت الحُكم الأوروبي المسيحي، متغافلًا عن الإشارة إلى أنَّ اليهود والحركات السريَّة التي يدعمونها أسقطت دولة الخلافة، بما دبَّرته من مكائد، بدءًا من فتنة عبد الله بن سبأ، اليهودي الذي حرَّف صحيح الإسلام إلى ملَّة باطنيَّة، نهاية زمن الخليفة عثمان بن عفَّان (رضي الله عنه وأرضاه)، وحتَّى يهود الدونمة وما حاكوه من مؤامرات خلخلت الدولة العثمانيَّة من أساسها.

وبرغم بغض كثير من الدول الأوروبيَّة لليهود، وتعمُّدها عزلهم في أحياء خاصَّة بهم، بفعل نشرهم الفساد وتعاملهم بالربا وأكلهم الأموال بالباطل، يلعب لويس على وتر اضطهاد اليهود، وما تعرَّضوا له من مآسٍ على يد ألمانيا النازيَّة في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، التي يتَّهمها بنشر أكاذيب عن اليهود شكَّلت النمط الشائع في العالم الإسلامي لمعاداة الساميَّة في العصر الحالي. وفي هذا يقول لويس “سهَّل الصراع من أجل فلسطين كثيرًا قبول التفسير المعادي للساميَّة للتاريخ، وأدَّى إلى نوع من إلقاء اللوم على في كلِّ الشرور في الشرق الأوسط، وبالطبع في العالم، على مخطَّطات اليهود السريَّة” (ص154). يعتبر لويس أنَّ اليهود الذي عاشوا في كنف العالمين الإسلامي والمسيحي، خلال الـ 14 قرنًا الماضية، أسهموا في تأسيس حضارتي العالمين، بل وكانوا من بين مكوِّنات الحضارتين. وعند تأسيس إسرائيل، جلب اليهود معهم ما أخذوا عن العالمين الإسلامي والمسيحي.

هل الإسلام هو الأجدر باللوم في تأخُّر العالم الإسلامي؟

يفترض لويس أنَّ هناك عنصرًا داخليًّا، ربَّما يكون الأحرى باللوم في الوضع الحالي للعالم الإسلامي، وهو “الدين، أو الإسلام على وجه الخصوص” (ص156). وهنا يطرح لويس تساؤلًا، وهو كيف يمكن أن يكون الإسلام في العصر الحديث سبب التأخُّر، بينما كان منذ ظهوره في القرن السابع الميلادي، وحتَّى القرن الخامس عشر، صاحب حضارة تعلَّم الغرب المسيحي منها وأخذ عنها مقوِّمات حضارته؟، مشيرًا إلى أنَّ البعض وجدوا أنَّ الأصح من سؤال “ماذا فعل الإسلام للمسلمين؟”، أن يتساءلوا “ماذا فعل المسلمون للإسلام؟”؛ ليجدوا أنَّ اللوم على عاتق “بعض المعلِّمين والعقائد والجماعات” (ص156). يعتقد مَن يُطلق عليهم أصوليُّون (Islamists or fundamentalists) أنَّ تأخُّر الأمَّة الإسلاميَّة يرجع إلى تطبيق مفاهيم وقيم غريبة، وأنَّ المسلمين “فقدوا عظمتهم السابقة” حينما “بعدوا عن جوهر الإسلام” (ص156). أمَّا الحداثيُّون أو الإصلاحيُّون (Modernists or reformers)، فيرون أنَّ التأخُّر يكمن في “الإبقاء على الطرق القديمة، وليس التخلِّي عنها”، مشيرين بأصابع الاتِّهام إلى علماء الإسلام المتحجِّرين، في تمسُّكهم بـ “عقائد وممارسات ربَّما كانت بنَّاءة وتقدُّميَّة قبل ألف عام” (ص157).

يعتقد لويس أنَّ التيَّار العلماني، المؤيِّد لفكرة فصل الدِّين عن سياسة الحُكم، يؤسِّس لنظام ديموقراطي يمكنه نشل العالم الإسلامي من العوز، والضعف، والاتِّكال على الغرب. الأفضل من إلقاء اللوم على عوامل خارجيَّة هو اتِّباع منهج النقد الذاتي، بتجنُّب سؤال “ماذا فعل هذا لنا؟”، واستبداله بـ “أين يكمن خطأنا؟”، الذي يقود إلى السؤال الأهم “كيف يمكننا معالجة الخطأ؟” (ص158). بدون ذلك، لا ينتظر العالم الإسلامي سوى “دوَّامة من الكراهية والحقد، من الغضب والإشفاق على الذَّات، من الفقر والظلم، مما يفتح المجال، آجلًا أم عاجلًا، أمام هيمنة أجنبيَّة جديدة؛ ربَّما من أوروبا جديدة تعود إلى طرقها القديمة؛ ربَّما من روسيا النَّاهضة؛ ربَّما من قوَّة خارقة جديدة تتوسَّع في الشرق” (ص158). بالتخلِّي عن التظلُّم ولعب دور الضحيَّة، وتسوية الخلافات، وتكاتُف المواهب والطاقات والموارد في سبيل تحقيق هدف مشترك، يمكن للأمَّة استعادة وضعها السابق وتأسيس حضارة جديدة…هكذا يقترح لويس لإنقاذ المسلمين من مصير مأسوي!

مقال مدوَّنة Musings On Iraq عن دور لويس في الدعوة إلى حرب العراق عام 2003 ميلاديًّا

في يونيو من عام 2018، نشرت مدوَّنة Musings On Iraq المتخصِّصة في الشأن العراقي، مقالًا مطوَّلًا يتناول سيرة برنارد لويس بعد رحيله. ومن بين ما تناولته فيما يتعلَّق بدور لويس في تشجيع الإدارة الأمريكيَّة على خوض حرب في العراق، ذكرت المدوَّنة أنَّ لجنة السلام والأمن في الخليج أرسلت في فبراير 1998 ميلاديًّا، إلى الرئيس الأسبق بيل كلنتون، رسالة دعته فيها إلى الإطاحة بصدَّام حسين ونظامه، من خلال مساندة السياسي العراقي المعارض أحمد الجلبي ومجلس النوَّاب العراقي-المجلس الوطني-في بدء حالة تمرُّد من المفترض انتهاؤها بالإطاحة بنظام حزب البعث. وكان لويس من بين الموقِّعين على الخطاب، إلى جانب لفيف من السياسيين الأمريكيين. أعرب الموقِّعون على الرسالة عن استيائهم من تجاوُز صدَّام حسين حرب الخليج الأولى، عام 1991 ميلاديًّا، واستمرار نظامه، آملين التدخل الأمريكي للقضاء على ذلك النظام، وإرساء قواعد الديموقراطيَّة في الشرق الأوسط، وتغيير أوضاعه.

أعرب لويس في لقاءات تلفزيونيَّة له في أعقاب أحداث 11/9 عن استيائه من عدم خوف المسلمين والعرب من الولايات المتَّحدة، أو احترامهم لها؛ مما كان يستدعي رد بلاده “بعمل عسكري كبير يُظهر قوَّتها”. تحدَّث لويس إلى مجلس سياسة الدفاع في البنتاجون بعد أسبوع واحد من الأحداث، قائلًا أنَّ الرد كان ينبغي أن يكون قويًّا؛ كي لا يستضعف المسلمون الولايات المتَّحدة. تحتَّم حينها مساندة أحمد الجلبي، الذي رآه “محدِّثًا”. وفي نوفمبر من عام 2001، طلب كارل روف-كبير مستشاري جورج دابليو بوش-إلى لويس أن يخبر الرئيس وكونداليزا رايس-مستشارة الأمن القومي وقتها-قولًا موجزًا عن العالم الإسلامي، وفي الشهر ذاته طلب مساعد وزير الدفاع من المعهد الأمريكي للمشاريع إعداد قائمة بالمقترحات لمواجهة ما بعد 9/11، وكان لويس عضوًا في هذا الفريق، ورأى أنَّ واشنطن كانت لتواجه صراعًا مع المشرق الإسلامي قد يمتدُّ لجيلين، وربَّما يفلح الإصلاح في العراق في الحدِّ من التحديات المتوقَّعة من الإسلام الأصولي. وتشير المدوَّنة كذلك إلى أنَّ لويس كرَّر محاولات إقناع ديك تشيني-نائب الرئيس الأمريكي حينها-بضرورة غزو العراق؛ لإحداث تغيير ملموس في الشرق الأوسط. لم تكن العراق تمثِّل تهديدًا على الولايات المتَّحدة، لكنَّ لويس كان ينتظر “التفاعل التسلسلي” في المنطقة، الناتج عن غزوها وسقوط صدَّام حسين.

نعي نيويورك تايمز لويس يشير إلى دوره في حرب العراق

في مقال بعنوان Bernard Lewis, Influential Scholar of Islam, Is Dead at 101-وفاة برنارد لويس، أستاذ الإسلام البارز، عن 101 عام، تعترف صحيفة نيويورك تايمز الشهيرة بأنَّ برنارد لويس كان له التأثير الأكبر على إدارة جورج دابليو بوش فيما يتعلَّق بحرب العراق. اعتاد لويس إبَّان الحرب عام 2003 ميلاديًّا، على تقديم تقارير موجزة عن أهم التحديَّات التي يشكِّلها الإسلام، معتقدًا أنَّ الحضارة الإسلاميَّة كانت آخذة في الأفول منذ قرون، وأنَّ أسامة بن لادن كان يصبُّ أحقاد المسلمين على الولايات المتَّحدة، بارتكاب جرائم إرهابيَّة على مستوً دولي. وادَّعى لويس في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة بعنوان Time for Toppling-وقت الإطاحة في 27 سبتمبر من عام 2002 ميلاديًّا، أنَّ العراقيين “سيفرحون” بالغزو الأمريكي لبلادهم.

أشار لويس في مقاله وقت الإطاحة إلى أنَّ من بين أهم الأسباب التي تثني الإدارة الأمريكيَّة عن اتخاذ موقف من النظام العراقي التركيز على الصراع العربي الإسرائيلي، والخوف من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بعد شنِّ هجوم على العراق، مما قد يسفر عن صراع عام وفوضى. أشار لويس إلى تخوُّف الإدارة الأمريكيَّة من حدوث فراغ سياسي بعد رحيل صدَّام، مما ينذر بفوضى واضطرابات، قد تؤثِّر على مصالح بلاده في المنطقة. تتلخَّص المسألة في وجود أدلة على أنَّ الإرهابيين يخرجون عادةً من الدول التي تعاني من بطش حُكَّامها، وتصبُّ غضبها على الولايات المتَّحدة، باعتبارها المسؤولة عن دعم هؤلاء الحكَّام. تقيِّد اليد الباطشة لطغاة العالم الإسلامي نشاطات المتطرِّفين في بلادهم، مما ينذر بانفلات أمني واسع في حال سقوط هؤلاء الحكَّام. ورأى لويس أنَّ هناك علاقة بين تغيير النظام في العراق وحلِّ الصراع العربي الإسرائيلي؛ لأنَّ نشر الديموقراطيَّة في الشرق الأوسط من شأنه إحلال السلام، بينما لا تسفر الديكتاتوريَّة إلَّا عن الصراعات والحروب.  

في نعي نشره موقع ميدل إيست آي في 21 مايو من عام 2018 ميلاديًّا بعنوان Do not weep for Bernard Lewis, high priest of war in the Middle East-لا تبكوا على برنارد لويس، كاهن حرب الشرق الأوسط الأعظم، ذُكرت قيادة لويس لفريق من المنظِّرين الذين أيَّدوا الحرب على العراق عام 2003، وقد بدأت نداءاته للإطاحة بنظام صدَّام حسين منذ تفجير برجي التجارة؛ على اعتبار أنَّ الأنظمة الديكتاتوريَّة في الشرق الأوسط هي المصدِّر الأساسي للإرهابيين. ويؤكِّد هذا المقال ما سبق وأن أكَّدته مدوَّنة Musings On Iraq عن دعوته إلى الإطاحة بصدَّام ونظامه حتَّى قبل أحداث 11/9 في عام 2001، وإلى حضوره اجتماع مجلس سياسة الدفاع في البنتاجون لمناقشة إمكانيَّة إجراء عمل عسكري في العراق في سبتمبر من عام 2001 ميلاديًّا.

ويؤكِّد مقال نشره موقع جلوب أند ميل يوم 26 من مايو 2018، بعنوان Middle east expert Bernard Lewis wrote about ‘clash of civilizations’-خبير الشرق الأوسط برنارد لويس كتب عن “صراع الحضارات”، أنَّ لويس كان المنظِّر الأبرز لحرب العراق عام 2003، وقد عبَّر عن مبررات دعواه إلى تلك الحرب في مقال وول ستريت جورنال آنف الذكر، إلَّا أنَّه عاد وأنكر ذلك، ووصف اعتباره بأنَّ صاحب فكرة حرب العراق محض “هراء”. وسبق هذا المقال ببضعة أيام مقالٌ نُشر في صحيفة هآرتس الإسرائيليَّة بعنوان From Netanyahu to Leftists, Praise and Scorn for Late Middle East Scholar Bernard Lewis-من نتنياهو إلى اليساريين، المدح والذم تجاه خبير الشرق الأوسط الراحل برنارد لويس، حيث قال أنَّ لويس يعتبر الرأس المدبِّر للحرب، لكنَّه نفى تأييده الحرب لاحقًا.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى