بحوث ودراسات

ابن عربي وكتابه الفصوص (24)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

الباب الثالث
ذكر العلماء الذين قالوا بكفر ابن عربي وطائفته
(2)
قال الإمام علاء الدين البخاري: أن الكشف إنما يظهر الحقائق، لا أنه يهدم الشرائع، وينفي الحقائق، فإن ذلك زندقة.
وقال الشريف الجرجاني (علي بن محمد بن علي. 740هـ – 814هـ) في شرح المواقف للعضد(عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار عضد الدين الإيجي 709 تقريبا – 753هـ): “واعلم أن المخالف في هذين الأصلين – يعني عدم الاتحاد وعدم الحلول- طوائف ثلاث. الأولى: النصارى” ثم ذكر مذاهبهم.
ثم قال: الثانية: النصيرية والإسحاقية من غلاة الشيعة، لم يتحاشوا عن إطلاق الآلهة على أئمتهم، وهذه ضلالة بينة.
الطائفة الثالثة: بعض المتصوفة، وكل منهم مختبط بين الحلول والاتحاد.
ثم قال العضــد: “ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره، ويقول: لا حلول, ولا اتحاد، إذ ذاك يشعر بالغَيْرِيَّة، ونحن لا نقول بها، بل نقول: ليس في ذات الوجود غيره، وهذا العذر أشد قبحا وبطلاناً من ذلك الجرم؛ إذ يلزم ذلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل، ولا مميز أدنى تمييز”.
السعد التفتازاني: (مسعود بن عمر بن عبد الله 712- 792هـ).
فقال: قوله في شرح المقاصد: “وههنا مذهبان آخران يوهمان الحلول والاتحاد وليسا منه في شيء. فذكر الأول ثم قال:
الثاني: أن الواجب هو الوجود المطلق، وهو واحد لا كثرة فيه أصلاً، وإنما الكثرة بالإضافات, والتعينات التي هي بمنزلة الخيال والسراب، إذ الكل في الحقيقة واحد يتكرر على مظاهر، لا بطريق المخالطة، ويتكرر في النواظر، لا بطريق الانقسام، فلا حلول منا، ولا اتحاد؛ لعدم الاثنينية والغيرية، وكلامهم في ذلك طويل خارج عن طريق العقل والشرع أشرنا في بحث الوجد إلى بطلانه، لكن من يضلل الله فما له من هاد” انتهى كلام الشيخ سعد الدين رحمه الله.
بعض ما كفر به العراقي ابن عربي:
قال الشيخ زين الدين العراقي في جواب السؤال المذكور: هذا الكلام كفر من قائله من وجوه:
أحدها: أنه نسب موسى عليه السلام إلى رضاه بعبادة قومه للعجل.
الثاني: استدلاله بقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء23] على أنه قدر أن لا يعبد إلا هو، وأن عابدَ الصنمِ عابدٌ له.
الثالث: أن موسى عليه السلام عتب على أخيه هارون عليهما السلام إنكاره لما وقع، وهذا كذب على موسى عليه السلام, وتكذيبٌ لله فيما أخبر به عن موسى من غضبه لعبادتهم العجل.
الرابع: أن العارف يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء، لجعل العجل عين الإله المعبود، فليعجب السامع لمثل هذه الجرأة التي تصدر ممن في قلبه مثال ذرة من إيمان.
آيات تشهد بكفر ابن عربي:
ثم ساق من الآيات التي كذب بها في هذه المقالة قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه92، 93] وقوله: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} [الأعراف150] وقوله: { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف148] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف152] . وقوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف149]
شرك طائفة ابن عربي أخبث الشرك:
ثم قال العراقي: فجاء هذا المخالف لله، ولرسوله ولجميع المؤمنين، فصوب فعلهم، وصرح بأنهم من العارفين بقوله: إن العارف من يرى الحق في كل شيء, بل يراه عين كل شيء، ولا شك أن شرك قائل هذا أشد من شرك اليهود والنصارى فإن أولئك عبدوا عبداً من عباد الله المقربين، وهذا يرى أن عبادة العجل والصنم عين عبادة الله، بل يؤدي كلامه إلى أن يرى الحق عين الكلب والخنزير، وعين العذرة، وقد أخبرني بعد الصادقين من فضلاء أهل العلم أنه رأى شخصا ممن ينتحل هذه المقالة القبيحة بثغر الإسكندرية، وأن ذلك الشخص قال له: إن الله تعالى هو عين كل شيء، فمر بهما حمار، فقال: وهذا الحمار؟ فقال: وهذا الحمار؛ فروث الحمار من دبره، فقال: له: وهذا الروث؟ فقال: وهذا الروث، فنسأل الله السلامة والتوفيق.
وقال الإمام أبو زرعة ولي الدين أحمد العراقي ( 762 هـ، – 826هـ) ابن الشيخ زين الدين العراقي في المسألة الحادية والعشرين من فتاويه المكية ما نصه: لا شك في اشتمال الفصوص المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك فتوحاته المكية، فإن صح صدور ذلك عنه، واستمر إلى وفاته، فهو كافر مخلد في النار بلا شك.
وقال أَبُو زرْعَة سَمِعت وَالِدي رَحمَه الله غير مرّة يَقُول سَمِعت القَاضِي برهَان الدّين بن جمَاعَة يَقُول نقلت من خطّ ابْن عَرَبِيّ فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا} ستروا محبتهم، سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم اسْتَوَى عِنْدهم إنذارك وَعدم إنذارك عِنْدهم لَا يُؤمنُونَ بك وَلَا يَأْخُذُونَ عَنْك إِنَّمَا يَأْخُذُونَ عَنَّا، ختم الله على قُلُوبهم فَلَا يعْقلُونَ إِلَّا عَنهُ، وعَلى سمعهم فَلَا يسمعُونَ إِلَّا مِنْهُ، وعَلى أَبْصَارهم غشاوة فَلَا يبصرون إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا يلتفتون إِلَيْك وَإِلَى مَا عنْدك، بِمَا جَعَلْنَاهُ عِنْدهم، وألقيناه إِلَيْهِم، وَلَهُم عَذَاب من العذوبة عَظِيم. انْتهى.
وهذا كلام يقتضي الكفر، وبعض كلماته لا يمكن تأويلها
وفي مرتبة الوجود ومنزلة الشهود صـ 138وما بعدها
وَسُئِلَ عَنهُ شَيخنَا الْعَلامَة الْمُحَقق الْحَافِظ الْمُفْتِي المُصَنّف أَبُو زرْعَة أَحْمد ابْن شَيخنَا الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي فَقَالَ: لَا شكّ فِي اشْتِمَال الفصوص الْمَشْهُورَة على الْكفْر الصَّرِيح الَّذِي لَا يشك فِيهِ، وَكَذَلِكَ فتوحاته المكية ……. ثم ذكر باقي كلام أبو زرعة السابق الذي نقلناه من مصرع التصوف
إلى أن قال (ص139)
وَقد بَلغنِي عَن الشَّيْخ الإِمَام عَلَاء الدّين القونوي وَأدْركت أَصْحَابه أَنه قَالَ فِي مثل ذَلِك إِنَّمَا يؤول كَلَام المعصومين وَهُوَ كَمَا قَالَ وَيَنْبَغِي أَن لَا يحكم على ابْن عَرَبِيّ نَفسه بِشَيْء، فَإِنِّي لست على يَقِين من صُدُور هَذَا الْكَلَام مِنْهُ، وَلَا من استمراره عَلَيْهِ إِلَى وَفَاته، وَلَكنَّا نحكم على مثل هَذَا الْكَلَام بِأَنَّهُ كفر. انْتهى
وَمَا ذكره شَيخنَا من أَنه لَا يحكم على ابْن عَرَبِيّ نَفسه بِشَيْء، خَالفه فِيهِ شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين البُلْقِينِيّ لتصريحه بِكفْر ابْن عَرَبِيّ .
وَقد صرح بِكفْر ابْن عَرَبِيّ واشتمال كتبه على الْكفْر الصَّرِيح: الإِمَام رَضِي الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن صَالح الْمَعْرُوف بِابْن الْخياط وَالْقَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر على النَّاشِرِيّ الشافعيان وهما مِمَّا يقْتَدى بِهِ من عُلَمَاء الْيمن فِي عصرنا، وَيُؤَيّد ذَلِك فَتْوَى من ذكرنَا من الْعلمَاء، وَإِن كَانُوا لم يصرحوا باسمه، إِلَّا ابْن تَيْمِية فَإِنَّهُ صرح باسمه، حَيْثُ قَالَ: لأَنهم كفرُوا قَائِل المقولات الْمَذْكُورَة فِي السُّؤَال، وَابْن عَرَبِيّ هُوَ قَائِلهَا، لِأَنَّهَا مَوْجُودَة فِي كتبه الَّتِي صنفها، واشتهرت عَنهُ شهرة تَقْتَضِي الْقطع بنسبتها إِلَيْهِ، وَالله اعْلَم انْتهى
ثم قال في المرجع السابق صـ 140وما بعدها
والقونوي الْمشَار إِلَيْهِ فِي كَلَام شَيخنَا أبي زرْعَة، هُوَ شَارِح الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْفِقْه، وَوجدت ذَلِك عَنهُ فِي ذيل تَارِيخ الْإِسْلَام للذهبي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَرْجَمَة القونوي وحَدثني ابْن كثير يَعْنِي الشَّيْخ عماد الدّين صَاحب التَّارِيخ وَالتَّفْسِير أَنه حضر مَعَ الْمزي عِنْده يَعْنِي القونوي، فَجرى ذكر الفصوص لِابْنِ عَرَبِيّ فَقَالَ: لَا ريب أَن هَذَا الْكَلَام الَّذِي قَالَ فِيهِ كفر وضلال، فَقَالَ صَاحبه الْجمال الْمَالِكِي أَفلا يتأوله مَوْلَانَا فَقَالَ: لَا إِنَّمَا يتَأَوَّل كَلَام الْمَعْصُوم انْتهى. والمزي هُوَ الْحَافِظ جمال الدّين صَاحب تَهْذِيب الْكَمَال والأطراف وَفِي سُكُوته إِشْعَار بِرِضَاهُ بِكَلَام القونوي وَالله أعلم.
وفي مرتبة الوجود ومنزلة الشهود صـ154وما بعدها
وأيضا في مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/ 149)
دعاء ومباهلة:
حكاية حدثنا بها شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر، قاضي القضاة، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الكناني، العسقلاني الأصل، المصري الشافعي، ثم رأيتها منقولة عن كتاب الحافظ تقي الدين الفاسي4 في تكفير ابن عربي، وقد أصلح شيخنا بعضها بخطه، قال: “كان في أيام الظاهر برقوق شخص يقال له: ابن الأمين شديد التعصب لابن عربي صاحب هذه الفصوص، وكنت أنا كثير البيان لعواره، والإظهار لعاره وعثاره، وكان بمصر شيخ يقال له: الشيخ صفا، وكان مقربا عند الظاهر، فهددني المذكور بأنه يعرفه بي، ليذكر للسلطان أن بمصر جماعة أنا منهم، يذكرون الصالحين بالسوء، ونحو ذلك، وكانت تلك الأيام شديدة المظالم والمصائب والمغارم، وكنت ذا مأل، فخفت عاقبته، وخشيت غائلته، فقلت: إن هنا ما هو أقرب مما تريد، وهو أن بعض الحفاظ قال: إنه وقع الاستقراء بأنه ما تباهل اثنان على شيء, فحال الحول على المبطل منهما، فهلم، فلنتباهل، ليُعلم المحق منا من المبطل، فتباهلت أنا وهو، فقلت له: قل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال، فالعني بلعنتك، فقاله، فقلت أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك وافترقنا، وكان يسكن الروضة، فاستضافه شخص من أبناء الجند جميل الصورة، ثم بدا له أن يتركهم، فخرج في أول الليل، فخرجوا يشيعونه فأحس بشيء مر على رجله، فقال لأصحابه: مر على رجله شيء ناعم، فانظروا ما هو؟ فنظروا فلم يجدوا شيئا، فذهب، فما وصل إلى منزله إلا وقد عمي، ولم يصبح إلا وهو ميت، وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وكانت المباهلة في رمضان منها، قال: وكنت عند وقوع المباهلة عرفت من حضر أن من كان مبطلاً في المباهلة لا تمضي عليه السنة، فكان ولله الحمد ذلك، واسترحت من شره، وأمنت من عاقبة مكره”.انْتهى
وَالْمعْنَى أَنه ثَبت كَونه من الْكَاذِبين، وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ أَنه من الملعونين، وَشَيْخه من الضَّالّين المضلين، ثمَّ اعْلَم أَن من اعْتقد حَقِيقَة عقيدة ابْن عَرَبِيّ فكافر بِالْإِجْمَاع من غير النزاع، وقد نَص الْعَلامَة ابْن الْمقري كَمَا سبق في أول الباب: أَن من شكّ فِي كفر الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَطَائِفَة ابْن عَرَبِيّ فَهُوَ كَافِر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى