مقالات

هذه الحملة ستنتهى إلى الفشل

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

في عالمنا العربى تجد ثلاثى الثورة المضادة ( السيسي وابن سلمان وابن زايد) ونخبًا ومثقفين وإعلاميين يدورون في فلكهم يعتقدون أن بالإمكان إستئصال الحركة الإسلامية وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلميين، على طريقة الخمسينات والستينات!!.

يقول ماركس: “يتجلى التاريخ مرة في صورة مأساوية، ولكنه لا يعيد نفسه إلا بصورة هزلية”

لكن في عالمنا العربى مازالت بعض الأنظمة الحاكمة ونخبها تعتقد أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه!.

لقد واكب الإطاحة بالشهيد الرئيس مرسى ولادةُ مشروع: ( إقتلاع الحركة الإسلامية وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين)، هذا المشروع لم يحمله السيسي في مصر وحسب، بل وعددٌ من الحكام العرب الآخرين، وقطاع من الكتاب والمثقفين والإعلاميين المصريين والعرب.

وتولدت قناعة لدى هؤلاء مفادها : أن مِن الضروري إقتلاع جماعة الإخوان المسلمين، والقوى الإسلامية الأخرى القريبة منها، من جذورها، من منطلق تحجيم الإسلاميين، ودفعهم إلى هامش الحياة العامة، هو طريق الاستقرار الضرورى.

هذا المشروع الاستئصالى الحديث يستلهم فكرته من الخمسينيات والستينيات حيث الحرب الشعواء التي تعهدها عدد من الأنظمة العربية آنذاك، حيث كان عبد الناصر مُسَعِّر الحرب الأول ومصر ساحتها الأولى، ثم حزت حزوه دولٌ مثل الجزائر و تونس و العراق و ليبيا، ثم سوريا. فتم إعتقال عشرات الآلاف من الإخوان المسلمين، تعرض أغلبهم لتعذيب بشع، وحُوكموا أمام محاكم خاصة أو عسكرية، تفتقد أدنى درجات العدالة. كما أُجريت عملية تجريف واسعة النطاق لأجهزة الدولة ومؤسساتها منهم، ومنع أبناء الإخوان من الإلتحقاق بمؤسسات الدولة الأمنية. وفي موازاة ذلك كله، تعهدت وسائل الإعلام والتوجيه والثقافة والفنون الرسمية حملة تشويه للإخوان، وحملة أوسع للسخرية من الدين، ومكافحة مظاهر ودوائر التدين، على أساس أن هذه الدوائر هى من توفر الحاضنة للإخوان؛ بينما عملت الدولة على إحكام قبضتها على المؤسسة الإسلامية الرسمية، سياسياً وأمنياً.

ومنذ إنقلاب 2013، شهدت مصر وعدد من الدول العربية الأخرى، حملة جديدة على الإخوان والتيار الإسلامي السياسى بصورة أكثر دموية وبشاعة مما كانت عليه في سنوات الخمسينات والستينات. ولكن الهدف واحد: “الإستئصال” إن أمكن، أو “الإضعاف البالغ”، بصورة تجعل أثر الإخوان والإسلاميين على الحياة العامة هامشياً.

لكن ما يغيب عن متعهدي هذه الحملة، حُكاماً ومثقفين وكتاباً وإعلاميين، أننا في القرن الحادى والعشرين ولسنا في حقبة الخمسينات والستينات، وأن هذه الحملة ستنتهى إلى الفشل.
لأن بلدان المنطقة تشهد:
1- حالة نهوض إسلامي، أو صحوة، أو سمها ما شئت، غير مسبوقة منذ بداية عصر التحديث العثماني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
2- وإن من ينضوون في التيار الإسلامى السياسى، أو يؤيدونه، أضعاف نظرائهم في الخمسينات والستينات.
3 – والأهم أن التيار الإسلامى اليوم هو أقرب إلى تمثيل الشعوب أكثر مما كانوا عليه في السابق و ينحدرون من كافة الطبقات والفئات الاجتماعية.
4- وأن حجم التيار الإسلامى بصفة عامة بات أكبر بكثير من الإخوان المسلمين، الذين كانوا الهدف الوحيد لحملات الاستئصال والقمع في الخمسينات والستينات.
5- وتبقى الحالة الإسلامية أكبر من كل التنظيمات الإسلامية مجتمعة، الإصلاحية والمسلحة، والإخوانية والسلفية والليبرالية، على السواء.

6- ثم إن إخفاق نموذج الدولة الوطنية المستوردة المزمع فى التعامل مع مسألة دور وموقع الإسلام في المجال العام، ومحاولة إبعاده عن الحياة العامة، جعل قطاعات واسعة من الشعب يرى أن الإسلاميين وحدهم من يمكن الثقة في حراستهم للدين وقيمه.

7- إضافة إلى ذلك، واجه الإخوان في النصف الثاني من القرن الماضي أنظمة ذات مشروع، قادها زعماء أصحاب كاريزما، خاضوا نضالاً حقيقياً ضد النفوذ الأجنبى في حقبة الإستقلال وما بعد الإستقلال، وتمتعوا بشعبية لا يمكن إنكارها. أما اليوم، فيواجه الإسلاميون أنظمة حكم أقلوية، بالمعنى الاجتماعى أو السياسى أو الطائفى، تعاني من عجز متفاقم في شرعيتها، ولا تتمتع بأى مصداقية أخلاقية أو شعبية،
فالسيسى مثلا يفتقد أياً من الخصال التي صنعت رئاسات سابقيه. حيث تكشف لغته وتصرفاته عن مقدرات بالغة التواضع لضابط جيش، صعد في زمن إنحطاط العسكرية المصرية، بدون أن تكون لديه أية مواريث أو مؤهلات سياسية تذكر. ولديه معاناة دائمة من مشاعر النقص، وإدراك يقيني بأن رئاسته بنيت على الإغتصاب والخداع والتآمر، وليس على الحق أو الإنجاز.

8- وبالرغم من التطورات الهائلة في وسائل الرقابة والتحكم والقمع التي تمتلكها الأنظمة، فهناك في المقابل تطورات موازية في وسائل الإتصال والمعرفة والثقافة، تجعل من إحتكار أنظمة الحكم لعملية بناء الوعى الجمعي أو إستحمار الشعوب أمراً مستحيلاً.
وقد لا تؤدى هذه الحملة على الإخوان والإسلاميين إلا إلى تحول الحركة الإسلامية بصفة عامة إلى خيار المقاومة بكل أشكالها.

ولكن يمكن القول أنه بعد مرور تلك السنوات التي تلت الانقلاب الغاشم إنكشف عبثية مشروع الثورة المضادة، وإستحاله إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ليس على مستوى واحد، بل على كافة مستويات الحكم والدولة، لقد أخفق النظام الإنقلابى في صناعة الأمن، كما كان إخفاقه الأكبر في توطيد الإستقرار ، وإلى جانب ذلك كله، تراجع موقع مصر وثقلها فى الإقليم، وتقزم دورها، حتى باتت مصر ذيلا للكيان الصهيوني.!!

ولكن يقيني أن هذه الحملة الشعواء ستخفق، وأن المنقطة في طريقها إلى الانتقال إلى حقبة تاريخية جديدة تنتزع فيها الشعوب حقوقها كاملة، وهى من ستعيد الإسلام لموقعه ودوره في الحياه العامة، لستأنف دورها التاريخى جامعة بين الأصالة والحداثة لتُنهِي حقبة الإستبداد والفساد والتبعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى