مقالات

هل نحن بحاجة الخبرة الإيرانية في مجال التعليم؟

د. صابر جيدوري

أكاديمي وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب

     أوردت الفضائية السورية قبل أيام خبراً حول توقيع وزارة التربية في حكومة الأسد مذكرة تفاهم مع وزارة التعليم والتربية الإيرانية، تقضي بإشراف الأخيرة على تعديل المناهج الدراسية السورية وطباعتها في إيران، إضافة إلى مساهمات أخرى كثيرة يتعلق جميعها بقطاع التربية والتعليم في سورية. السؤال: هل نحن بحاجة إلى خبرات إيران في مجال التعليم؟!

     بداية لا بد من الإشارة إلى أن مثل هذه المذكرة ليست وليدة اللحظة أو من افرازت الأزمة السورية الراهنة، وإنما لها ارهاصات في المجتمع السوري منذ أن تسلم حافظ الأسد السلطة في سورية عام 1970، والمستقرئ لواقع المجتمع السوري يلحظ بسهولة كيف دعم نظام الأب ومن بعده نظام الأبن حركة التشيع الديني والسياسي في سورية، مما أدى إلى انتشار غير مسبوق للحوازات التعليمية والمؤسسات الدينية (الحسينيات). فعلى سبيل المثال، تم إنشاء ما بين عام 2001 وعام 2007 في منطقة “السيدة زينب” قرب دمشق أكثر من اثنتي عشرة “حوزة شيعية”، وثلاث كليات للتعليم الديني الشيعي. أي أنه خلال ست سنوات فقط تم إنشاء ثلاثة أضعاف ما أنشئ خلال ربع قرن! بالإضافة إلى غض البصر عن تدفق الأموال من الحكومة الإيرانية والمستشارية الثقافية الإيرانية والمراجع الدينية الإيرانية لدعم حركة التشيع في المجتمع.

     وإذا كانت حركة التشيع التي عملت ايران من أجلها في سورية في عهد حافظ الأسد، قد تمت بشكل خفي، إلا أنها تتم الآن بشكل جليّ، وفي فضاءات يُفترض أن تكون مخصصة للدراسة العلمية والبحث العلمي، إذ بدأت تشهد الجامعات السورية في عهد الأسد الوريث انتشاراً واسعاً للفكر الشيعي من خلال المحاضرات والندوات والأنشطة المختلفة التي تدعمها المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق.

     كما عملت وما زالت تعمل مستشارية العمائم الايرانية على استقطاب الكثير من أعضاء هيئة التدريس، وبخاصة في الفترة التي استلم فيها الشيعي (هاني مرتضى) رئيساً لجامعة دمشق، مرة تحت عنوان حضور مؤتمر، ومرة تحت عنوان المشاركة في دعم المقاومة، ومرات كثيرة تحت إغراء المال، مع ملاحظة أنه إذا كان التشيع قد تم سابقاً عبر المناهج الخفية والرسائل الصامتة، فهو اليوم يتم عبر شرعنة هذا التشيع من خلال مذكرة التفاهم الموقعة مؤخراً بين وزارتي التربية والتعليم في الدولتين.

     السؤال هنا: ماذا ستقدم إيران لسورية على صعيد التربية والتعليم؟ وبخاصة أنه لم يُعرف عن نظام التعليم الإيراني أنه من بين الأنظمة التعليمية المتقدمة، كما هو حال أنظمة التعليم في سنغافورة وفنلندا واليابان وفرنسا وغيرها ممن تشهد لها تقارير المنظمات الدولية المعنية بالتربية والثقافة والعلوم بإنجازات كبيرة على صعيد برامج إعداد المعلم، وبناء المناهج الدراسية التي تُمكن الطلبة من التفكير الناقد، ورسم السياسات التعليمية التي تُمكن مخرجات التعليم من المشاركة في عملية التنمية الشاملة، وغير ذلك الكثير مما يفتقده نظام التعليم في إيران.

     ثم ماذا سيقدم لنا نظام التعليم في إيران غير ثقافة الدم والثأر واللطم التي نشاهدها صباح مساء في شوارع دمشق والمدن السورية الأخرى. من المستغرب حقيقة أن توقع مثل هذه المذكرة مع دولة مثل إيران. صحيح أن التعاون بين الدول مطلوب في المجالات كافة ومنها المجال التربوي، ولكن هذا التعاون يكون عادة مع دول متقدمة ومشهود لها في مجال تطوير التعليم والبحث العلمي التربوي، وإعداد القيادات التربوية، وبناء المدارس العصرية وفق ما يقتضيه النمو السكاني داخل الأحياء السكنية، وتطوير التعليم المهني البولتكنيكي كما حصل في المانيا وفرنسا واليابان لا كما يحصل في التعليم الإيراني الذي لا ينضح إلا تخلفاً ولطماً وثأراً.  

     نحن لسنا بحاجة إلى خبرات دولة لا يعرف نظامها التعليمي سوى تربية الناشئة على الحقد واللطم والطائفية والثأر، نحن بحاجة إلى فكر تربوي إنساني مشرق بالقيم النبيلة تُحرر الإنسان من مختلف ألوان الوهم الذي تسلبه وعيه وحياته. فكر تربوي يرفض قيم الظلم والعبودية والاستغلال، ويستبعد التلقين باعتباره الربيب الأول للامتثال والخضوع، نحن بحاجة إلى فكر تربوي يعمل على تنمية مهارات النقد لدى الناشئة، ويجسد مقولة الفاروق عمر “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”، فكر تربوي ننسف من خلالها كل ما له علاقة بالفكر الشيعي الذي حثّ على قتل السوريين واستباح دمائهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى