مقالات

نهضة الأمة من كبوتها

د عامر الحموي

كاتب وأكاديمي سوري

عرض مقالات الكاتب

بعد إلغاء الخلافة العثمانية في ٣ آذار ١٩٢٤م ضاع جيل اﻷمة وانقطع حبلها المتين وعروتها الوثقى بين اليسار واليمين، بين السلفية والصوفية، بين المذهبية واللامذهبية، بين الحزبية واللاحزبية……
فأصبحت الأمة بلا دفة تقودها وتوجهها للطريق القويم، بل تنكر الجيل الجديد لسلفه السابق ونسي تاريخه وابتعد عن دينه وعقيدته والتحق بركاب الحضارة الغربية متأثراً بشعاراتها الرنانة من الحرية والديمقراطية والعلمانية….

فكان لابد من إيجاد الحل لهذا التشرذم والضياع والانعتاق من الجذور وتنكر الجيل لتاريخه وهويته ودينه. وطبعاً التغير باﻷدوات المتاحة لا يأتي إلا من قمة هرم الأمة وليس من قاعدتها، فمهما حاولنا التغيير مع القاعدة نبقى في القاعدة ولا يمكننا الصعود للأعلى ﻷن القيادة بقوتها تمنعنا.
فالدرج يبدأ تنظيفه من اﻷعلى وليس من اﻷسفل حتى نحصل على هرم الدولة قابل لﻹصلاح و وضع الحلول لﻹشكاليات التي واجهتنا والتي تواجهنا.
وقد يسر الله لنا هرم قمته نظيفة وهو تركيا العدالة والتنمية حيث إمكانية إجراء اﻹصلاحات والتغيرات المرجاة نحو اﻷفضل في شتى المجالات و عقد إجماع عام يتناول اﻹشكاليات التي تواجه الأمة كافة سواء الفقهية والعقدية والسياسية والاقتصادية و.. وتوحيد رؤى اﻷمة وإزالة الغشاوة والتنافر من بين أفرادها وتحقيق الرسالة والغاية التي خلقنا من أجلها.

ما بين عبد الحميد الثاني والطيب أردوغان :

السلطان عبد الحميد الثاني ورث دولة في آخر مراحلها العمرية مكبّلة بالديون ونظام الإمتيازات الأجنبية وتبعية ما قام به سلفه في العصور المتأخرة من اتفاقيات أبرمت مع انكسار الدولة العثمانية في حروبها الأخيرة مع الغرب، فقام بتخفيف الديون وشذب نظام الإمتيازات وقلل من سيئات ما قام به سلفه من معاهدات وحاول أن يحيي الأمة الإسلامية عن طريق الجامعة الإسلامية واستطاع أن يطيل من عمر الدولة 33 عاما. ولكن الظروف كانت أقوى منه، فتم خلعه عام 1909م وتولي الاتحاديين -المتأثرين بالشعارات الأوربية- ذمام أمر المسلمين حتى هزيمة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918م ومن ثمّ إلغاء الخلافة.

حتى جاء الطيب أردوغان الذي بدأ حياة فقيرة متحديا الصعاب حاملاً معه هم الأمة، مستفيدا من تجارب عدنان مندريس ونجم الدين أربكان ونجدت أوزال، فلما وصل لرئاسة الدولة كان أهم إجراء قام به تعديل نظام حكم البلاد من البرلماني إلى الجمهوري الرئاسي، واستطاع أن يحيي الأمة من جديد وسدّد ديون تركيا جميعها وأنشأ جيشا حديثا وأسلحة تركية حديثة وفرض نفسه على الغرب كغريم حقيقي بل كرجل أوروبا القوي. رجل بأمة بنى دولة عظمى بعد أن كانت تصنف ضمن بلدان العالم الثالث، إنه الرمز الإسلامي الذي انتظرته الأمة من مئة عام.

رافق ذلك تفجر ثورات الربيع العربي ووعي الشعوب لما يحاك لها وإدارك أهمية وحدتها وتاريخها وهويتها وجذورها أمام المكائد التي تتهددها في وجودها المصيري وأرضها .

دعمه في ذلك كل من الرئيس محمد مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا الحديثة، والشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر المجد الذي أبى أن يكون إلا مع حقوق الشعوب ومطالبها الشرعية ومع الحق في وجه الظلم. فكان أن بادر هؤلاء الرجال الثلاثة ليبؤوا بحمل زمام قيادة الأمة وليضعوا بذرة الوحدة ضمن الاتحاد الإسلامي الذي سيكون نواة الجامعة الإسلامية التي ستعيد للأمة مجدها التليد وعزتها وكرامتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى