مقالات

السيسي هو الخطر الوجودي على مصر

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

مع الذكرى التاسعة لثورة 2011 لا تزال مصر في غرفة الانعاش بين الحياة والموت، بعد أن تراجع ثقلها السكاني والاستراتيجي والثقافي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وغاب تأثيرها في واقع بؤس الانقلاب وتداعياته على كافة مناحي الحياة.
ويبدو أن مصر لن تخرج من غرفة الإنعاش في المدى المنظور، هذا ما تؤكده الوقائع والأحداث،
إنّ نظرة سريعة على ممارسات السيسي وعصابته، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن السيسي هو الخطر الوجودي على مصر.
«1» ارتباط السيسي قائد الانقلاب بالحركة الصهيونية:
فـ ثمة علاقة حَمِيمِيّة بين السيسي و بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني الاستيطاني.
كما يحرص السيسي على لقاء ترامب؛ ممثل الحركة الصهيونية في البيت الأبيض.وإيمانويل ماكرون؛ مندوب المؤسسات المالية العملاقة؛ ذات الأنياب والمخالب، في قصر الرئاسة الفرنسية (الإليزيه)، وجميعهم يعمل في دوائر تُقَدِّم المصالح الصهيونية الاستيطانية على مصالح العالم العربي والإسلامي، وفجلهم يضعون الأولويات الصهيونية في صدارة مهامهم الوظيفية والسياسية.وبهذا أغرق السيسي مصر في مستنقع صهيو أمريكي، واختار له طريق التبديد والمغالاة في الديون وطلب القروض، وإنشاء “صناديق مالية” تتبعه شخصيا؛ فصندوق “تحيا مصر” جعله وعاء لأموال “التمكين” التي تبقيه في الحكم مدى الحياة، و”الصندوق السيادي وعاء آخر لإيدِاع حصيلة بيع القصور والمباني والمواقع الحيوية للسعودية ودول الخليج؛ دون قيود قانونية أو حكومية.وشرعت عصابة السيسي في تصفية ما تبقى من أصول عامة للدولة، وسلمت مالية مصر لـ”صندوق النقد الدولي”.. الذي أخذ بدوره يباشر خطة التخلص من الجهاز الحكومي، وبيع ممتلكاته وثرواته الطائلة.
لقد أضحت الدولة مجرد شركة، بعيدة عن السياسة، وتحكمها علاقات التجارة والمال وعقد الصفقات، وفيها انتقلت الأصول والثروات والأملاك العامة إلى الملكية الخاصة، ولحساب زمرة من الفاسدين، فزاد الفساد، وشاع النهب، وتعمقت التبعية، وشقت الصهيونية طريقها، بين رجال السياسة والمال والأعمال والأمن.
«2» محاصرة ثورة يناير وأبلستها
إن قوى الثورة المضادة التي يتزعمها( ابن زايد وابن سلمان والسيسي و نتنياهو مرورا بواشنطن) حاصرت ثورة يناير 2011؛ بإحكام، واستخدمت كل إمكانياتها؛ من سلاح ومال وإعلام ونفوذ في بث الفتن والفُرقة والتآمر، والتحريض على العنف والفوضى، وإلصاق ذلك بالثوار والثورة وقواها الحية العريضة، و شيطنة الثورة؛ برقيها وسلميتها، وتجريم ثوار أسقطوا نظاما مستبدا وفاسدا وتابعا، وحافظوا على الدولة، وسعوا لتطهيرها مما علق بها من فساد وأمراض وعلل.
لقد استأسدت الثورة المضادة على شباب أعزل، وأعملت فيهم ملاحقة وتنكيلا واعتقالا.. وجندت عناصرها وأبواقها للترغيب والترهيب والاختراق.. واعتمدت تزييف الحقائق وحجبها عن الناس، الذين أعطوا الثورة ما لم يكن متوقعا من جهود وإمكانيات؛ وصلت حدا. التضحية بالنفس، ووَصَمَت الملايين التي تجمعت بميدان التحرير وميادين وشوارع العواصم والمدن في أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها؛ وَصَمَتها بكل الرذائل والموبقات بطريقة غاشمة وجاهلة، ومتجردة من القيم الإنسانية والاجتماعية، فامتلأت المعتقلات والسجون بالشباب والرجال والنساء، وطالت الشيوخ.
ثم فوجئ السيسي وعصابته بخروج الشعب المصري في 20 /سبتمبر الماضي (2019) في عدد من المحافظات على اتساع جمهورية مصر العربية، فارتعدت الأوصال والمفاصل، وما زالت العصابة الانقلابية غير مطمئنة ومرتبكة.
«3» كذبة الغاز الطبيعي
لقد تَتَكشَّف الحقائق وانكشف المستور واضحت كذبة الغاز الطبيعي عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي.. فها هو وزير الطاقة الصهيوني “يوفال شتاينيتز” يعلن الحقيقة، وهو يدشن بدء تدفق الغاز الصهيوني -المسروق- لمصر، ويصف وهو في غاية الفرح باللحظة “التاريخية”، ويصرح وزير السيسي قائلا:
“أنا ووزير الطاقة المصري أعلنا هذا الصباح عن بدء تدفق الغاز الطبيعي من (إسرائيل) إلى مصر. هذه لحظة جليلة تصبح فيها (إسرائيل) قوة إقليمية عظمى في مجال الطاقة.
يضاف إلى ذلك كذبة استيراد الغاز الصهيوني لإسالته وإعادة تصديره، بينما نجد إن بيان الحكومة الصهيونية على موقعها الرسمي باللغة العربية يقول: إنه مخصص للاستخدام في السوق المحلي المصري، والإسالة تكلف دولارين للمليون وحدة تضاف لسعر الشراء البالغ 6 دولارات، فيصبح السعر الإجمالي 8 دولارات للمليون وحدة، وسعرها في سوق روتردام 2.30 دولار!!
«4» أعمال المقاولات وحياة الترف.
انشغل السيسي وعصابته بمتابعة أعمال المقاولات، وبناء قصور ومنتجعات للمترفين من رجال المال والأعمال والرئاسة، ورجال الحكم، وقيادات الجيش والشرطة ..ليعيشوا في عالم الفخامة والأبهة؛ في الملبس والزينة والمجوهرات، والمقتنيات والعطور وأغلى الملابس..
أما قائد الانقلاب فبات شغله الشاغل الحصول على المال والاقتراض، وتركيزه على مشروعات تبدو معدة خصيصا لتبديد الأصول العامة للدولة وإفلاسها تمهيدا لفرض الوصاية عليها كما فعل الخديوي إسماعيل في القرن19. هذا العميل الصهيوني يراهن على غابات الأسمنت المسلح وأعمال المقاولات وحياة الترف ومظاهر البذخ التي لا تصلح لإدارة الحكم وبناء الدول.
فشهدت مصر خمس سنوات؛ تدنى فيها مستوى معيشة الطبقات الوسطى وما دونها وازداد الفقير فقرا، وصارت أعباء الحياة لا تحتمل، وتدهورت الطبقات الوسطى والعاملة، وهبطت لمستوى الكفاف، الذي وصفه المجرم السيسي بـ أمة العَوزَ”، وهو نزول لخط الفقر وتحته، وزادت أعباء الديون عن طاقة المجتمع والدولة على سدادها، لتحول مصر من شبه دولة إلى مزرعة!
«5» تجيير دور مصر لصالح الصهيونية العالمية
لقد فرط السيسي وعصابته في قيمة ومكانة مصر ودورها كنموذج؛ كان رائدا في الأمة العربية والإسلامية حيث كانت عاصمتها منارة للثقافة والدين والعلوم والآداب والفنون..وحاضنة لقوي التحرر من كل لون.كل ذلك تم تجييره لصالح الصهيونية العالمية، وأذرعها الممتدة في العالم العربي والإسلامي؛ فتبخرت السياسة والعلم والثقافة والمعرفة…؛ وضاعت تيران وصنافير وها هو النيل مهدد بالجفاف، وتهددت معه حياة المصريين ووجودهم ذاته، وكانوا وما زالوا لا يملكون غيره، وهو رأسمالهم المتجدد؛ مارسوا به الزراعة، وبنوا على ضفافه القرى والمدن واستوطنوها، فتحولت إلى مجتمع ثم صارت وطنا منذ فجر التاريخ.
«6» نظام يعتمد على الجهالة والوعيد
يعتمد نظام المجرم الانقلابي على الجهالة والوعيد.. والدعايات الصفراء والسوداء، لإرساء أسوأ سياسة قمعية في دولة بوليسية،في عام 2010 نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية نشرت تقريرا أشارت فيه إلى العدد الإجمالي لقوات الشرطة ورجال الأمن في الصين، وقُدِّر بمليون ونصف مليون رجل أمن وشرطي، أما عددها في مصر تجاوز الرقم الصيني، وكان تعداد الصين وقتها مليار وثلاثمائة مليون نسمة، بينما كان سكان مصر ثمانين مليون نسمة.!!
لقد تصور المجرم السيسي كما ظن من سبقوه إن إحكام قبضة نظامه ودولته البوليسية على الأوضاع بلا رحمة ستبقيه أبد الدهر؛ له ولأسرته من بعده، فهو يتصور القوة في القمع والتنكيل وقطع الألسنة، وهي أبرز شواهد الضعف.. فالتنكيل سهل، والقمع يسير، وقطع الألسنة ممكن؛ لكن الثمن باهظ، لقد نسي السيسي مصير مبارك و القذافي وابن على، وعلى صالح وبوتفليقة.. بعد ثلاث عقود من الاستبداد والفساد. والتبعية..، ومازال الحبل مشدودا على الجرار
«7» نظام الخداع والتسويف والنصب
أن أكبر بلد عربي يتعرض في ظل المجرم السيسي إلى أكبر عملية خداع ونصب وتلاعب تمارسها هذه العصابة الحاكمة، تلك الممارسات كنا نظن أنها ولت الأدبار، لنكتشف إنها نجحت في تغيير هيئتها وجلدها وعادت أكثر خداعا وتلاعبا مع المواطن المصري. انظر إلى تصريحات المجرم والعميل الصهيوني:
“إنتم فقرا قوي” ، وفي ذات الوقت يجبر الناس على دفع الجبايات بالإكراه “حتدفعوا يعني حتدفعوا”، “أنا ما عنديش علشان أديك لو عندي حديك” وكأنه يقوم بالصرف عليه من جيبه الخاص ومن ثروته وثروة آبائه وأجداده.
فالمواطن الذي هبط مستوى معيشته إلى درجة متدنية تحت وطأة الغلاء والجشع يقع تحت طائلة خداع رسمي وفساد حكومي ممنهج يهدف إلي الحصول على المال بأي ثمن، ولو من لحم المواطنين المعدوم!
«8» الخطر في الداخل
السيسي وعصابته يروجون أن الخطر الحقيقي على مصر هو خطر الداخل، لصرف أنظار الشعب عما يدبر له من مؤامرات في الخارج؛ بعلاقات السيسي المدمرة مع أنظمة الثورة المضادة، وصفقاته المشبوهة.و بات الشعب المصري العريق في نظر السيسي وعصابته هو أهل الشر، وأعداء الدولة المصرية، هذا الشعب الذي قدم له في ثمانية أيام فقط 64 مليار جنيه؛ بقيمتها قبل التعويم. دون أن يقدم أباطرة المال والمرابين والفجار له شيئا.
«9» كراهية الثقافة والمثقفين.
المجرم السيسي شديد التضييق على المثقفين والمفكرين والأكاديميين، ويلاحقهم أينما حلوا، وذلك بالتعسف في استخدام القانون حيث تتولاه جماعة منظمة من المحامين ورجال القانون الموالون للنظام، والهدف هو ترويع المثقفين والمفكرين والسياسيين الوطنيين المعارضين.. بوضع سيف قانونهم الغاشم على رقاب أصحاب الرأي في أي مجال من مجالات السياسة والثقافة والمعرفة والعلوم والآداب والفنون، وللأسف يُطلق على هؤلاء الأدوات «مواطنون شرفاء»، وهم في الحقيقة أقرب إلى العسس ومخبري أمن الدولة، الذي يترصد ويتصيد ويُجَرِّم ويشيطن كل رأي وفكر لا يجد هوى لدى السلطة؛ دون مناقشة أو تفنيد أو إبداء رأي مقابل، وهذه الجماعة تتحصن خلف ترسانة من الاتهامات الجاهزة والمعلبة لترهيب المجتمع ليعود سيرته الأولى؛ خائفا من البطش ومذعورا من التنكيل، في حين يفضل السيسي الارتباط بالمقاولين والجنرالات، والسماسرة ورجال المال وملاك العقارات والأراضي، وأباطرة النفط السعودي والخليجي، بالإضافة للأمريكيين والصهاينة في فلسطين ومحيطها، ولأنه يتصورهم أصحاب فضل ونفوذ بنى لهم عاصمة جديدة؛ لتحل محل القاهرة.!
الخلاصة.. إن عامة الشعب المصري لا يحتاج لتذكيره بأزماته فهو يعيشها في كل لحظة وحين، واكتسى بها كما يُكسي اللحم العظم،
بل يحتاج المواطن إلى الوعي بسبب هذه الأزمات، وعلاقتها بالنظام الانقلابي الحاكم (الأفراد والنظام السياسي القائم بكل مخرجاته وامتداداته وتأثيرها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..إلخ) ، هنا يتعمق وعي الناس بأن نخب الحكم عبارة عن شلة عصابة تعمل لصالحها على حساب مصالح غالبية الشعب، فأقلية حاكمة مهيمنة ومنفصلة عن المجتمع، في مقابل أغلبية مجتمعية مهمشة معدومة…هنا يتشكل وعي عام مشترك يدفع الناس إلى حراك ثوري شامل.
لقد أضحى استمرار السيسي على رأس الدولة خطرا وجوديا حقيقيا على مصر، وبات إسقاطه و الإطاحة به ونظامه ضرورة حتمية، وذلك يتحقق بالالتفاف والتكاتف من كافة القوى الحية في المجتمع حول هذا الهدف.
إنَّ مصر واحدة من أهم أعمدة النطام الدولي، ترتكز فيها مصالح إقليمية ودولية في غاية الحساسية، كما تجاور إسرائيل. لذلك فإن معركة التغيير فيها تحتاج إلى (أفكار ثورية خلاقة) تعمل على تثوير المجتمع بشكل أفقي، كما تحتاج معركة التغيير إلي (إدارة ثورية منظمة) تثق فيها وتحتضنها (حاضنة شعبية واعية).
إن الذين يستطيعون تحويل الأفكار إلى عمل نادرون، أولئك هم الأبطال المؤسسون الذين يؤسسون الدول ويصنعون النهوض ويقبضون على لحظة الزمن حتى يحولونها إلى صالحهم، أولئك الذين يستطيعون استثارة الهمم وحشد الأتباع وصناعة الطليعة وامتلاك الشوكة وخوض حروب التدافع والمغالبة.
إن مسارات العمل الثوري من أجل التغيير يلزمها الكفاءات الصادقة الفاعلة والمؤثرة والمؤمنة برسالة التغيير المجتهدة في رصد الإمكانيات والأدوات وامتلاك النواقص.. وهو واجب الوقت من أجل إقرار الحق وإنقاذ مصر وشعبها من خطر السيسي الوجودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى