مقالات

حروب المُستقبل

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

كل شيء في الحياة تطور . ومنها الحُروب وعالم الجَريمة والخداع والحرب النفسية واساليب السيطرة على الأفراد والشعوب ولهذا اهتم الخبراء كثيرًا في نظريات علم النفس التي كانت الداعم الأساسي لشكل ونوع المعارك الحديثة، فقد ساهمت في تحقيق مبدأ الوصول إلى الأهداف باقل الخسائر المادية والبشرية وفي وقت قياسي . فحُروب الجيل الأول كانت تستخدم الوسائل البدائية ثم تطورت إلى السيوف والرماح . وبعد توقيع مُعاهدة وستفاليا 1648- 1860م استخدمت البنادق والمدافع واعتمدت على شن المعارك بين جيشين مُتناحرين على أرض مُحددة . ثم ظهر الجيل الثاني خلال الحرب العالمية الأولى مع اختراع المُدرعات الثقيلة والطائرات المُقاتلة . ساعد في ذلك القوة الاقتصادية للدول الأوروبية الصناعية بعد انتاج العتاد بكميات كبيرة …

اما الجيل الثالث فقد اعتمد بشكل أساسي على التطور التكنولوجي بالإضافة إلى عُنصر السُرعة والمُفاجأة والتلاعب العقلي بالخصم لتحطيمه من الداخل كما استخدمتهُ المانيا خلال الحربين العالميتين او المعارك العربية الإسرائيلية عام 1967 . أما الجيل الرابع من الحروب فقد اعتمدت على الجماعات والعصابات الإرهابية ( مثل المليشيات او التنظيمات التي تحركها الايدلوجيا الفكرية او العقائدية بمُختلف انواعها ومَذاهبها ) لشن عمليات نوعية دون الحاجة إلى أرض معركة تقليدية كما في السابق .

لكن حروب الجيل السادس وصلت بنا إلى تصميم مُتكامل للفكرة التي نُريد أن تقع فيها دولة أو فرد مُستخدمين في ذلك وسائل مُتطورة جدًّا . وكان الخُبراء الروس هم أصحاب براءة الاختراع لهذا النوع فهم أول من استخدم حربًا تشتمل على خليط من استعمال الأسلحة الصغيرة والنووية التكتيكية وإدارة الصراع الاقتصادي والمعلوماتي وتسخير الإمكانيات العلمية المُختلفة ،وكان أول من أطلق مُصطلح ( حروب الجيل السادس ) هو الجنرال الروسي فلاديمير سليبتشينك حين قال للعالم أجمع إن الحروب التقليدية قد عفا عليها الزمن وستدار بأنظمة ذكية وتعمل على تجنيد كامل لشبكة الإنترنت وتخلق عصابات مُهمتها سرقة الهويات ومُمارسة العمليات الإجرامية وقد جمعت بين الإرهاب والإدارة عن بعد .

لكن أقوى وأحدث وأخطر أنواع الحُروب هي التي يتم فيها احتلال عقلك وليس أرضك . لأنه الجهاز الوحيد المتروك دون وقاية أو حماية رغم أهميته . ويمكن لأي كان التسلل إليه ودخوله دون تفتيش ،وحشوه بالأفكار الهدامة والبرامج المطلوبة وبعدها ستتكفل أنت بالباقي . ستجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيه خصمك . تطلق النار في كل اتجاه . ومع هذا يصعب عليك اصابة عدوك الحقيقى . حرب يجب على من يخوضها ان يتخذ قرارا بقتل كل شيء يُحبهُ واولهُم ذاته وروحه . وفى النهاية سيجد نفسهُ يُحاربُ بالوكالة لصالح شخص يجلسُ في مكان بعيد كانهُ يشاهد فلمًا سينمائيا لفنون الانتحار الجماعي . حربٌ ينتصرُ فيها دون ان ينزل الميدان … قد يستخدم العنف المسلح عبر مجموعات دينية او عصابات التهريب المُنظم او التنظيمات الصغيرة المُدربة الذين يستخدمون العنف بشكل رئيسي مُعتمدين على التكنولوجيا والأسلحة المُتطورة مثل الصواريخ المُضادة للدروع او الأشخاص كما حصل في عملية تصفية سليماني والمُهندس وما سيجري لاحقًا لآخرين والعمليات الانتحارية ونصب الكمائن ومُهاجمة المدنيين أو إستنزاف وإرهاق الجيوش وإرغامها علي الانسحاب من مواقع مُعينه كما جرى في الصين مثلاً عندما استخدمت هذه التقنيات في مُظاهرات حاملي السكاكين حيث ارتكب مُهاجمون مجزرة قتل فيها 30 شخصًا في محطة للقطارات في عملية إرهابية كما وصفتها الشرطة الصينية نفسها .

إن من أسباب ظُهور هذا النوع من الحُروب هو تطور وسائل الإعلام لأنها من أهم الوسائل المُستخدمة فيها إذ تم استغلالها في إدارة العلاقات بين الدول وصناعة رأي عام مُعارضًا للسلطة السياسية لإضعاف قدرتها على الضبط والتحكم في العلاقة بينها وبين المُجتمع . ولان تكلفة استخدام القوة العسكرية عالية جدًا وتضعف اقتصاد الدولة لذلك عمدت إلى خلق ما يُسمى الحرب الأقل كلفة من خلال قدرتها على عقد تحالفات مع كيانات وتنظيمات او أفراد لممارسة سلوك عدواني . والأهم إدارة المعركة وتحقيق الانتصار دون ان نرى العدو أو نعرفهُ، وقد يكون بعيدًا عنا آلاف الكيلومترات ويدير دفة الموت من خلف أجهزة الكومبيوتر .

إن الحروب الحديثة سيتم فيها استخدام عمليات مركبة تتحالف فيها تقنيات الميليشيات المسلحة والاختراق السياسي وصناعة تكتلات وحروب داخل الدولة المُستهدفة واستنزافها في مُواجهة تهديدات خارجية . وصاحب هذا المخطط لم ينس أن يصنع لنا العدو السوبر مثل داعش على سبيل المثال حتى تستطيع أمريكا اختراقها والاستيلاء عليها من خلال الاستنزاف الأمني خاصة وأن محاربة تنظيم ليس له قوام رئيسي أشبه بالدخول في حرب أشباح . ستسعى إلى استبدال شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بحقوق الأقليات وتبدأ مع بريطانيا في انضاج تجاربها بالاعتماد على القبائل في إنشاء صراع بينها وبين الدولة بهدف تشتيت تركيزها وفى الوقت نفسه البدء في خلق مُنظمات تستهدف تحويل سلمية التظاهُرات إلى عنف في العاصمة أو المدن الكبرى . مع حرب نفسية يتم فيها الإعلان عن سقوط مناطق مُهمة او شركات وآبار نفط او مراقد بهدف التأثير في معنويات الجماهير .

إذا أردنا الخروج مما نحنُ فيه علينا أن نفهم أن الانتصار ثقافة يجب أن يشترك فيها ويفهمها الجميع ، فهذا الأمر يُشبهُ سُؤال عداء المسافات الطويلة عما إذا كانت رئتاهُ أو ساقاهُ أو رأسهُ قد أسهمت أكثر من غيرها في فوزه . ولهذا من المُستحيل أن نُميز بين سلاح وسلاح أو إنسان وآخر في تحقيق الهدف . ومن أجل الخلاص وإنقاذ أنفسنا من هذه الأفكار والرؤى الشيطانية علينا أن نغوص في أعماق تاريخنا، ونبحث عن مكامن القُوة والضَعف والخلل فيه ومتى كنا وكانوا وكيف نعود واين الطريق الذي فيه عزنا ومجدنا ومن أجله دانت لنا كل الدنيا ، وكنا فيها نقود ولا نُقاد وحَققنا العدلَ والحُب بين العباد … حتى قال عمر ابن عبد العزيز ( انثروا القمح على رؤوس الجبال . كي لايُقال جاع طيرٌ في بلاد المُسلمين .

انتبهوا لعقولكُم ، فملايين البشر ضيعتهُم أفكار خاطئة كان يحملها فرد قد تكون مُستشفى الأمراض العقلية أولى به من كرسي الحكم …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى